مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

قبر الرسول (ص) أفضل من الكعبة المشرفة فماذا عن قبر الحسين (ع)؟

تفاصيل المنشور

الاشكال

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. أنتم تعتقدون أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة المشرفة ثم قبر الحسين رضي الله عنه وهذا تعد على شريعة الإسلام وهو من الغلو الفاحش إذ بهذه العقيدة الضالة تهدم اركان الدين الإسلامي وتحرض المسلمين على ترك بيت الله والتوجه إلى القبور ونشر هذه الضلالة بين المسلمين وترسيخها في عقولهم.

المستشكل

أحمد الصالحي

تفاصيل المنشور

الاشكال

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. أنتم تعتقدون أن قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة المشرفة ثم قبر الحسين رضي الله عنه وهذا تعد على شريعة الإسلام وهو من الغلو الفاحش إذ بهذه العقيدة الضالة تهدم اركان الدين الإسلامي وتحرض المسلمين على ترك بيت الله والتوجه إلى القبور ونشر هذه الضلالة بين المسلمين وترسيخها في عقولهم.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
كان الأجدر بجنابك أن تبذل جهدا في البحث والمطالعة وتُلم بجميع ما ورد في كتب اعلامكم وأقوال علمائكم في مثل هذه المسألة ليكون كلامك عن علم ودراية قبل أن تتخبط تخبط الغريق، وتتعثر تعثر من يعشو عن الطريق، وها نحن نورد لك الدلائل التي تؤكد فضل قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الكعبة المشرفة، من مصادركم وإجماع علمائكم، فنقول:
أجمع علماء أهل السنة على أن البقعة التي ضمت أعضاء الجسد الشريف للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) أفضل بقعة في الأرض؛ فقد قال القاضي عياض في “الشفا بتعريف حقوق المصطفى”: ((لا خلاف أن موضع قبره صلى الله عليه [وآله] وسلم أفضل بقاع الأرض)) [الشفا بتعريف حقوق المصطفى، ج2، ص91].
وقال العلامة السمهودي، في “وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى”: ((قد انعقد الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة، حتى على الكعبة المنيفة، وحكاية الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة نقله القاضي عياض، وكذا القاضي أبو الوليد الباجي قبله كما قال الخطيب ابن جملة، وكذا نقله أبو اليمن ابن عساكر وغيرهم، مع التصريح بالتفضيل على الكعبة الشريفة، بل نقل التاج السبكي عن ابن عقيل الحنبلي أن تلك البقعة أفضل من العرش. وقال التاج الفاكهي: قالوا: لا خلاف أن البقعة التي ضمت الأعضاء الشريفة أفضل بقاع الأرض على الإطلاق حتى موضع الكعبة، ثم قال: وأقول أنا: أفضل بقاع السماوات أيضا، ولم أر من تعرض لذلك، والذي أعتقده أن ذلك لو عرض على علماء الأمة لم يختلفوا فيه، وقد جاء أن السماوات تشرفت بمواطئ قدميه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم)) [وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، ج1، ص31].
وتابع السمهودي، قوله: ((الرحمات والبركات النازلة بذلك المحل يعم فيضها الأمة، وهي غير متناهية؛ لدوام ترقياته عليه الصلاة والسلام، وما تناله الأمة بسبب نبيها هو الغاية في الفضل، ولذا كانت خير أمة بسبب كون نبيها خير الأنبياء، فكيف لا يكون القبر الشريف أفضل البقاع مع كونه منبع فيض الخيرات؟)) [المصدر نفسه، ج1، ص33].
وتابع قائلاً: ((وروى ابن الجوزي في [الوفا بأخبار المصطفى، لابن الجوزي، ج2، ص551] عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم اختلفوا في دفنه؛ فقالوا: أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال عليّ رضي الله عنه: إنه ليس في الأرض بقعة أكرم على الله من بقعة قبض فيها نفس نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
وروى يحيى أن علياً قال لما اختلفوا: لا يدفن إلا حيث توفاه الله عز وجل، وأنهم رضوا بذلك، قلت: ويؤخذ مما قاله علي مستند نقل الإجماع السابق على تفضيل القبر الشريف؛ لسكوتهم عليه، ورجوعهم إلى الدفن به، ولما قال الناس لأبي بكر رضي الله عنه: يا صاحب رسول الله، أين يدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: في المكان الذي قبض الله تعالى روحه فيه؛ فإن الله لم يقبض روحه إلا في مكان طيب، ولفظه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: “لا يقبض النبي إلا في أحب الأمكنة إليه”، قلت: وأحبها إليه أحبها إلى ربه؛ لأن حبه تابع لحب ربه إلا أن يكون حبه عن هوى نفس، وما كان أحب إلى الله ورسوله كيف لا يكون أفضل)) [وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، ج1، ص35].
وقال العلامة الحصكفي، في “الدر المختار”: ((مكة أفضل من المدينة على الراجح إلا ما ضم أعضاءه عليه الصلاة والسلام فإنه أفضل مطلقا حتى من الكعبة والعرش والكرسي)) [الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار، ص175].
وأوضح الشيخ محمد بن أحمد عليش المالكي في “منح الجليل شرح مختصر خليل”: ((ومحل الخلاف في غير الموضع الذي ضمه صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه أفضل من الكعبة والسماء والعرش والكرسي واللوح والقلم والبيت المعمور)) [منح الجليل شرح مختصر خليل، ج3، ص133].
وقال العلامة الرحيباني في “مطالب أولي النهى”: ((موضع قبره عليه الصلاة والسلام أفضل بقاع الأرض؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خلق من تربته، وهو خير البشر، فتربته خير الترب، وأما نفس تراب التربة، فليس هو أفضل من الكعبة، بل الكعبة أفضل منه إذا تجرد عن الجسد الشريف، وقال أبو الوفاء علي بن عقيل في كتابه “الفنون”: الكعبة أفضل من مجرد الحجرة، فأما والنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها؛ فلا والله ولا العرش وحملته والجنة؛ لأن بالحجرة جسدا لو وزن به سائر المخلوقات لرجح)) [مطالب أولي النهى، ج2، ص384].
وقال السخاوي في “التحفة اللطيفة”: ((مع الإجماع على أفضلية البقعة التي ضمته صلى الله عليه وسلم، حتى على الكعبة المفضلة على أصل المدينة، بل على العرش، فيما صرح به ابن عقيل من الحنابلة، ولا شك أن مواضع الأنبياء وأرواحهم أشرف مما سواها من الأرض والسماء، والقبر الشريف أفضلها، لما تتنزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة، التي لا يعملها إلا مانحها، ولساكنه عند الله من المحبة والاصطفاء ما تقصر العقول عن إدراكه)) [التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، ص12].
وقال ملا علي القاري الحنفي في “المسلك المتقسط في المنسك المتوسط”: ((أجمعوا على أنّ أفضل البلاد مكّة والمدينة زادهما الله شرفًا وتعظيمًا، ثم اختلفوا بينهما أي في الفضل بينهما، فقيل مكة أفضل من المدينة، وهو مذهب الأئمة الثلاثة وهو المرويُّ عن بعض الصحابة، وقيل المدينة أفضل من مكة، وهو قول بعض المالكية ومن تبعهم من الشافعية، وقيل بالتسوية بينهما… والخلاف أي الاختلاف المذكور محصورٌ فيما عدا موضع القبر المقدس، قال الجمهور فما ضمّ أعضاءه الشريفة فهو أفضل بقاع الأرض بالإجماع حتى من الكعبة ومن العرش)) [المسلك المتقسط في المنسك المتوسط، ص351 – ص352].
وقال البهوتي في “شرح منتهى الإرادات”: ((الكعبة أفضل من مجرد الحجرة فأما والنبي صلى الله عليه وسلم فيها فلا والله ولا العرش وحملته والجنة، لأن بالحجرة جسدا لو وزن به لرجح)) [شرح منتهى الإرادات، ج2، ص525].
وقال ابن عابدين الحَنَفِي في “رد المحتار علي الدر المختار”: ((وكذا أي الخلاف في غير البيت فإن الكعبة أفضل من المدينة ما عدا الضريح الأقدس وكذا الضريح أفضل من المسجد الحرام وقد نقل القاضي عياض وغيره الإجماع على تفضيله حتى على الكعبة، وأن الخلاف فيما عداه، ونقل عن ابن عقيل الحنبلي أن تلك البقعة أفضل من العرش، وقد وافقه السادة البكريون على ذلك، وقد صرح التاج الفاكهي بتفضيل الأرض على السموات لحلوله صلى الله عليه وسلم بها، وحكاه بعضهم على الأكثرين لخلق الأنبياء منها ودفنهم فيها وقال النووي الجمهور على تفضيل السماء على الأرض، فينبغي أن يستثنى منها مواضع ضم أعضاء الأنبياء للجمع بين أقوال العلماء)) [رد المحتار علي الدر المختار، ج2، ص688].
وقال ابن حجر الهيتمي في “تحفة المحتاج”: ((وهي كبقية الحرم أفضل الأرض عندنا وعند جمهور العلماء للأخبار الصحيحة المصرحة بذلك وما عارضها بعضه ضعيف وبعضه موضوع كما بينته في الحاشية ومنه خبر (إنها أي المدينة أحب البلاد إلى الله تعالى) فهو موضوع اتفاقا، وإنما صح ذلك من غير نزاع فيه في مكة إلا التربة التي ضمت أعضاءه الكريمة صلى الله عليه وسلم فهي أفضل إجماعا حتى من العرش)) [تحفة المحتاج، ج5، ص167].
وقال النفراوي في “الفواكه الدواني”: ((قال ابن عبد السلام والتفضيل مبني على كثرة الثواب المترتب على العمل فيهما، والخلاف المذكور بين الأئمة في غير قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم لقيام الإجماع على أفضليته على سائر بقاع الأرض والسموات وعلى الكعبة وعلى العرش كما نقله السبكي لضمه أجزاء المصطفى الذي هو أفضل الخلق على الإطلاق، ولعل معنى فضل القبر على غيره أنه أعظم حرمة من غيره، لا لما قاله ابن عبد السلام في تفضيل المساجد على بعضها فافهم)) [الفواكه الدواني، ج4، ص37].
وقال المناوي في “فيض القدير”: ((والخلاف فيما عدا الكعبة فهي أفضل من المدينة اتفاقا خلا البقعة التي ضمت أعضاء الرسول صلى الله عليه وسلم فهي أفضل حتى من الكعبة كما حكى عياض الإجماع عليه)) [فيض القدير، ج6، ص343].
فإذا عرفنا ذلك، وعرفنا أن قبر النبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أفضل من الكعبة المشرفة، وضمما إلى تلك الأدلة حديثه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي قال فيه: ((حسين مني وأنا من حسين))، الذي رواه أحمد [مسند أحمد، ج4، ص172-132]، والترمذي [سنن الترمذي، ج13، ص195]، وابن ماجه [سنن ابن ماجة، ح144]، وابن حبان [صحيح ابن حبان، ج15، ص428]، والحاكم، [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص177]، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
وحملنا معنى الحديث على ما بينه علماء أهل السنة، كما جاء في حاشية السندي على ابن ماجه: ((قوله “حسين مني وأنا من حسين” أي بيننا من الاتحاد والاتصال ما يصح أن يقال كل منهما من الآخر)) [حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ص65].
وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري: ((قوله “حسين مني وأنا من حسين” قال القاضي: كأنه صلى الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم، فخصه بالذكر، وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله “أحب الله من أحب حسينا” فإن محبته محبة الرسول، ومحبة الرسول محبة الله)) [تحفة الأحوذي، ج10، ص178].
وأدركنا أن ما بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين الحسين (عليه السلام) من الاتحاد والاتصال ما يصح أن يقال أنّ كل منهما من الآخر، وأنهما كشيء واحد، سننتهي إلى نتيجة واضحة، وهي أن البقعة التي ضمت أعضاء الجسد الشريف للحسين (عليه السلام) هي أفضل البقاع بعد البقعة التي ضمت أعضاء الجسد الشريف لجده رسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويكفي دليلا على فضل قبر الحسين (عليه السلام)، قبضة التراب التي أتى بها الأمين جبرئيل من كربلاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد روى الطبراني في [المعجم الكبير،ج3، ص108، ح2816]، وابن عساكر في [تاريخ مدينة دمشق، ج14، ص193]، والهيثمي في [مجمع الزوائد، ج9، ص189]، والسيوطي في [الخصائص الكبرى، ج2، ص152]، جميعهم عن شقيق بن سلمة، واللفظ للطبراني، قال: ((عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن أم سلمة، قالت: ((كان الحسن والحسين رضي الله عنهما يلعبان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، فنزل جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك. فأومأ بيده إلى الحسين، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضمه إلى صدره، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وديعة عندك هذه التربة». فشمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «ويح كرب وبلاء». قالت: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دما فاعلمي أن ابني قد قتل» قال: فجعلتها أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم، وتقول: إن يوما تحولين دما ليوم عظيم)).
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.