تفاصيل المنشور
- المستشكل - أ. محمد الكوتاوي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 66 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لماذا تشكِّك العلمانيةُ في قدرةِ الإسلامِ على إدارةِ شؤون الحياة المعاصرة؟ وما هو التحدي الذي تواجهُه العلمانيةُ إذا لم ينفصلِ الدين عن السياسة؟ وهل لذلك علاقةٌ بمقولة “الدين لله والوطن للجميع”؟
المستشكل
أ. محمد الكوتاوي
لماذا تشكِّك العلمانيةُ في قدرةِ الإسلامِ على إدارةِ شؤون الحياة المعاصرة؟ وما هو التحدي الذي تواجهُه العلمانيةُ إذا لم ينفصلِ الدين عن السياسة؟ وهل لذلك علاقةٌ بمقولة “الدين لله والوطن للجميع”؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
1 – تشكيكُ العلمانية في قدرة الإسلام على إدارة شؤون الحياة المعاصرة:
العلمانية، بوصفِها نظامًا سياسيًّا واجتماعيًّا، تسعى إلى فصل الدين عن الدولة وتحديد دورِه في الشأن العام. وهي تسلك سُبلًا عديدةً للتشكيك في قدرة الإسلام على إدارة شؤون الحياة المعاصرة، بدعوى أن الإسلام دينٌ فرديٌّ محضٌ يُعنى بالشؤون الروحية. غير أن الإسلام ـ بحكم كونه نظامًا شاملًا ـ يقدم توجيهات وقوانينَ تتعلق بجوانب الحياة كافة ، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والاجتماع. وهذه الشمولية تجعله في تعارض مع المبادئ العلمانية التي تحصر عمل الدين في الجانب الفردي، وتنفي عنه أي مساهمةٍ في الشأن العام.
2 – التحدي الذي تواجهه العلمانية إذا لم ينفصل الدين عن السياسة:
تواجهُ العلمانية تحديًا كبيرًا في فصل الدين عن السياسة، لا سيما في المجتمعات الإسلامية، ذلك أن الإسلام يقدم رؤيةً حضارية شاملة تتضمن تنظيم المجتمع والدولة على أسُسٍ دينية، وإذا تمسك المسلمون بهذه الرؤية، فإن العلمانية ستجد صعوبةً في فرض رؤيتها على مجتمعٍ متمسك بإسلامه. في هذا السياق، تسعى العلمانية إلى إضعاف الثقةِ في قدرة الإسلام على إدارة شؤون الحياة المعاصرة، وذلك بالترويج لأفكارٍ تشكِّك في صلاحية المشروع الإسلامي وتقديمه على أنه غيرُ متلائم مع متطلَّبات العصر، ويتجلى ذلك في العديد من الأطروحات الفكرية والنقاشات التي تدور في الأوساط العلمانية داخل المجتمعات الإسلامية.
3 – علاقة مقولة “الدين لله والوطن للجميع” بالعلمانية:
تعكس مقولةُ “الدين لله والوطن للجميع” جوهرَ المشروع العلماني الساعي إلى فصل الدين عن الدولة، فتلخِّص هذه العبارةُ الفكرة القائلة بأن الدين شأنٌ فردي بين الإنسان وربه، ولا ينبغي أن يتدخل في الشأن العام والسياسي، وبذلك، تعبِّر المقولة عن رؤيةٍ علمانية تسعى إلى تقليص أثرِ الدين في الحياة العامة، معتبرة الوطن ملكًا مشتركًا للجميع بغض النظر عن معتقداتهم الدينية.
النقطة المحورية:
تتمثَّل النقطة المحورية في الصراع بين العلمانية والإسلام في أنَّ الإسلام يقدِّم نظامًا شاملًا لإدارة شؤون الحياة، على عكس العديد من الأديان الأخرى. فيشمل هذا النظام جوانب الحياة كافة، من الروحية إلى الاجتماعية والسياسية، مما يضعه في مواجهةٍ مباشرة مع العلمانية التي تسعى إلى حصر الدين في الجانب الروحي الفردي. فإذا لم يُفصلِ الدين عن السياسة، فإن العلمانية لن تجد موطئ قدمٍ لها، مما يدفعها إلى تكثيف جهودها لتشكيك المسلمين في قدرة الإسلام على مواكبة متطلبات العصر.
وبالمجمل، تشكِّك العلمانية في قدرة الإسلام على إدارة شؤون الحياة المعاصرة، معتبرة إياه نظامًا شاملًا يتعارض مع مبادئها. فإذا لم ينفصل الدين عن السياسة ستواجه العلمانية تحديًا كبيرًا يتمثل في صعوبة فرض رؤيتها على مجتمعٍ متمسِّك بالإسلام على أنه نظامٌ شاملٌ. وتلخص مقولة “الدين لله والوطن للجميع” الرؤية العلمانية التي تسعى إلى فصلِ الدين عن الحياة العامة، وتقليص أثرِه في الشؤون السياسية والاجتماعية لصالح نظامٍ علمانيٍّ يديرُ شؤون الدولة.
والحمد للهِ أوّلًا وآخراً، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.