مركز الدليل العقائدي

فدك بين الشَّهادة المغيَّبة والمؤامرة المكشوفة

تفاصيل المنشور

السؤال

في قضيّة فدك، لماذا لم يشهد الصحابةُ الكبار الذين ناصروا أمير المؤمنين ع من أمثال المقداد وأبي ذر وعمار وغيرهم؟

السائل

حسام

تفاصيل المنشور

السؤال

في قضيّة فدك، لماذا لم يشهد الصحابةُ الكبار الذين ناصروا أمير المؤمنين ع من أمثال المقداد وأبي ذر وعمار وغيرهم؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

إنّ قضيّة فدك ليست مجرَّد نزاعٍ على أرضٍ أو مال، بل هي اختبارٌ إلهيٌّ، كشَف به الله سبحانه حقيقة النفوس، ومحَّص به القلوب، وأظهَر به المواقف على حقيقتها.. فليست القضيّة في عدم شهادة المقداد وأبي ذرّ وعمار وغيرهم، بل القضيّة في أصل الانحراف الذي ضرب الأمة بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ ذلك الانحراف الذي بدأ باغتصاب الخلافة، فكان اغتصاب فدك أَحد لوازمه، إذ إنّ مَن لم يتورَّع عن إقصاء الوصيّ المنصوص عليه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يتورَّع عن ظلم ابنته.

وأما عدم شهادة هؤلاء الصَّفوة من الصحابة، فلا يُتصوَّر أنْ يكون عن جهلٍ أو ضعفٍ، بل هو امتثالٌ لحكمةٍ إلهيّةٍ تتعلَّق بتقدير الموقف وتهيئة الأرضيّة لمستقبل الصراع بين الحقّ والباطل.. إذ إنّ هؤلاء النجباء كانوا يعلمون أنّ البيعة قد أُخِذت بالقهر، وأنّ القوم قد أصرّوا على ما دبّروه مسبقًا، فما كان لهم أنْ يشهدوا في مقامٍ لا يُراد فيه الحقّ، بل يُراد فيه التلاعب بالأحكام وشرعنة الظلم.

ثم إنّ شهادة الزهراء (عليها السلام) بنفسها حجّةٌ قائمةٌ على الخلق أجمعين، فهي الصِّدِّيقة الكبرى، التي يرضى اللهُ لرضاها، ويغضب لغضبها، ومقامها فوق مقام كلِّ الصحابة، فكيف يُطلَب بعد شهادتها شهادة غيرها؟ وهل بعد شهادة فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُطلَب دليلٌ آخر؟!

ولكنّ القوم لم يكونوا ليقبلوا حتى شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وصِنوه ووصيُّه، فكيف يقبلون شهادة أصحابه المخلصين؟ إنهم لم ينظروا إلى البرهان ولا إلى العدل، بل نظروا إلى ما يُثبِّت سلطانهم، ويبرِّر استئثارهم بفيء المسلمين، فلو شهدت الأرضُ والسماء لما قبِلوا؛ إذ إنهم لم يكونوا في مقام البحث عن الحقِّ، بل كانوا في مقام طمس معالمه وإخماد نوره.

وما كان من هؤلاء الصَّفوة إلا أنْ ثبتوا على نصرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في مواضع أخرى، ولم يدَّخروا أنفسهم في سبيل الدفاع عن الولاية الإلهيّة، فقدّم بعضهم أرواحَهم قربانًا لهذا المبدأ، كما صنع عمار يوم صفّين، وكما صنع أبو ذر في غربته، وكما بقي المقداد شامخًا لا يتزحزح عن ولائه.

إذن، فدك لم تكن مجرَّد أرض، بل كانت رايةً إلهيّةً فضح الله تعالى بها القوم، وجعلها ميزانًا يُعرَف به المُحقُّ من المُبطل، وأما شهادة هؤلاء الصحابة، فعدمُها لم يكن نقصًا في موقفهم، بل كان جزءًا من التدبير الإلهيّ في كشف نفاق القوم الذين لم يكن ليحجزهم عن ظلم فاطمة (عليها السلام) شهادة أَحد، وإنْ شهدت لها السماوات والأرض.. وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.

مركز الدليل العقائدي.