تفاصيل المنشور
- السائل - عبد اللطيف عامري
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 105 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هل ورد ذكرُ عيد الغدير صراحةً في القرآن الكريم لتحتفلوا به؟ أجيبوا يا رافضة!!
السائل
عبد اللطيف عامري
هل ورد ذكرُ عيد الغدير صراحةً في القرآن الكريم لتحتفلوا به؟ أجيبوا يا رافضة!!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
وهل ورَد ذكرُ عيد الفطر أو عيد الأضحى صراحةً في القرآن الكريم، حتى تطالبَنا بآيةٍ صريحة تنصُّ على عيد الغدير؟!
وإذا لم توجد آيةٌ صريحةٌ تَذكر عيد الفطر أو عيد الأضحى، فهل نلغي الاحتفاء بهذين اليومين المباركين؟!
فإنْ قلت: السُّنّة صرحتْ بالعيدين!!
قلنا: إنّ السنّة نفسَها صرحتْ – أيضًا – بعيد الغدير، وكان عمرُ بن الخطاب أكثرَ الصحابة حفاوةً بهذا اليوم، حيث بادر بأخذِ يد عليٍّ (عليه السلام) وقال له: “بخٍ بخٍ لك يا عليُّ، أصبحتَ مولاي ومولى كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة”. وقد شهد كثيرٌ من علماء أهل السُّنة بدلالة هذا الحديث المتواتر على يوم التنصيب، منهم الإمام أبو حامد الغزالي الذي قال في كتابه «سرُّ العالمين» الموجود ضمن “رسائل الإمام الغزالي”، ما نصُّه: ((لكنْ أسفرتِ الحجةُ وجهها، وأجمع الجماهيرُ على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خمّ باتفاق الجميع، وهو يقول: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه. فقال عمر: بخٍ بخٍ يا أبا الحسن، لقد أصبحتَ مولاي ووليّ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة. فهذا تسليمٌ ورضًا وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى لحبِّ الرياسة، وحمل عمودَ الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار؛ سقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنًا قليلًا)). [رسائل الإمام الغزالي، ص483، كتاب سر العالمين، تـ. إبراهيم أمين محمد، ط. المكتبة التوفيقية، القاهرة].
إنْ قلت: إنّ عيد الفطر والأضحى جاءا بعد ختام عبادتين عظيمتين!!
قلنا: الإمامةُ وولايةُ أمر الناس أعظم الواجبات، وهذا ما تأكَّد لعلمائكم، فقد صرّح ابن تيمية في كتابه “مجموع الفتاوى”، بأنّ ولاية أمر الناس أصلُ الدين وأعظمُ واجباته، بل قيام الدين والدنيا متوقِّفٌ عليها، حيث قال: ((يجب أن يُعرف أنّ ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها))” [مجموع الفتاوى، ج28، ص390].
إنْ قلت: لم يذكرِ التاريخ أنّ للمسلمين عيدًا اسمه الغدير!!
قلنا: عدّه الفيلسوف والمؤرخ أبو الريحان البيروني الخوارزمي (تـ 440هـ) في كتابه “الآثار الباقية في القرون الخالية”، مما استعمله أهل الإسلام من الأعياد. [يُنظر: الآثار الباقية في القرون الخالية، ص334].
وفي “مطالب السؤول” لابن طلحة الشافعي: ((يوم غدير خمّ، وقد ذكره عليٌّ (عليه السلام) في شعره، وصار ذلك اليوم عيدًا وموسمًا؛ لكونه كان وقتًا خَصّ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) عليًّا بهذه المنزلة العليّة، وشرَّفه بها دون الناس كلِّهم)). [مطالب السؤول، لابن طلحة الشافعي، ص94، تـ. العطية].
ويظهر من غير موردٍ في كتاب “الوفيات” لابن خلِّكان، التسالُم على تسمية هذا اليوم عيدًا، ففي ترجمة “المستعلي بن المستنصر”، قال: ((وبويع في يوم عيد غدير خمّ، وهو الثامن عشر من ذي الحجة سنة سبعٍ وثمانين وأربعمائة)) [وفيات الأعيان، ج1، ص180، تـ. إحسان عباس، ط. دار صادر؛ الوافي بالوفيات، ج8، ص119، ط. إحياء التراث].
وقال في ترجمة المستنصر بالله العبيدي: ((وتوفي ليلة الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقين من ذي الحجة سنة سبع وثمانين وأربعمائة، رحمه الله تعالى. قلت: وهذه الليلة هي ليلة عيد الغدير، أعني ليلة الثامن عشر من ذي الحجة، وهو غدير خم)) [وفيات الأعيان، ج5، ص230].
وعَدّ أبو منصور الثعالبي (تـ٤٢٩هـ) ليلةَ الغدير من الليالي المضافات المشهورة في الإسلام، قال في كتابه “ثمار القلوب”: ((ليلة الغدير: هي الليلة التي خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غدِها بغدير خمّ على أقتاب الإبل، فقال في خطبته “من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصرْ من نصره، واخذل من خذله”)) [ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، ص636، ط. دار المعارف، القاهرة].
وهكذا عدّها الزمخشري (تـ٥٨٣هـ)، من الليالي المشهورة في كتابه “ربيع الأبرار”، قال: ((ليلة الغدير: معظَّمة عند الشيعة، مُحياة فيهم بالتهجُّد، وهي الليلة التي خَطب فيها رسول الله بغدير خمّ على أقتاب الإبل، وقال في خطبته: مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)) [ربيع الأبرار ونصوص الأخيار، ج1، ص70، ط. الأعلمي].
ونحوهما شهاب الدين النويري (تـ٧٣٣هـ) أيضًا عدّها من الليالي المشهورة، فقال: ((من الليالي المشهورة: ليلة البراءة. وهى ليلةُ النصف من شعبان، قيل: سُمِّيت بذلك؛ لأنها براءةٌ لمن يحييها؛ وليلة القدر. والصحيح أنها في مفردات العشر الأخير من شهر رمضان؛ وليلة الغدير. وهى ليلة الثامن عشر من ذي الحجة)) [نهاية الأرب في فنون الأدب، للنويري، ج1، ص132، ط. دار الكتب والوثائق القومية، القاهرة].
ومما سبق نستنتج أنّ عدم وجود نصٍّ صريحٍ في القرآن الكريم يَذكر عيد الغدير لا يُلغي إمكانية اتخاذه عيدًا، وذلك بناءً على ثبوته في السُّنة القطعية المتواترة، شأنه في ذلك شأن عيدي الفطر والأضحى، حيث لم يرِد لهما ذكرٌ صريحٌ في القرآن.
وتزداد قيمة اعتبار يوم الغدير عيدًا؛ كونه يمثِّل يوم تنصيب الإمام عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام) خليفةً لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ممّا يعني أنّ قيام الدين والدنيا متوقِّفٌ على هذا الحدث الجلل، كما أكَّد ذلك ابنُ تيمية، وصرّح به، وكما تُظهر الشواهد التاريخية أنّ بعض كبار علماء المسلمين قد عدّوا ليلة الغدير من الليالي المشهورة في الإسلام.
وبالنتيجة، فإنّ عدم وجود نصٍّ صريحٍ في القرآن الكريم لا يُعدّ مانعًا من اتّخاذ يوم الغدير عيدًا، بل إنّ ذلك مدعومٌ بنصوص السُّنة المتواترة، والشواهد التاريخية.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.