تفاصيل المنشور
- المستشكل - نوره محمد
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 16 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لماذا لم يدافع عليٌّ رضي الله عنه عن زوجته فاطمة بنت الرسول؟ فلماذا لم يقاتل؟ فعدم مقاتلته يتنافى مع ما تعتقدونه من امتلاكه الولاية التكوينية، فما الذي منعه من استخدامها للدفاع عن نفسه وعرضه؟
المستشكل
نوره محمد
لماذا لم يدافع عليٌّ رضي الله عنه عن زوجته فاطمة بنت الرسول؟ فلماذا لم يقاتل؟ فعدم مقاتلته يتنافى مع ما تعتقدونه من امتلاكه الولاية التكوينية، فما الذي منعه من استخدامها للدفاع عن نفسه وعرضه؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
إن عليًّا (عليه السلام) كان مأمورًا بالسلم بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقد روى أحمد في مسنده بإسنادٍ صحيح: ((عن إياس بن عمرو الأسلمي عن علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): سيكون بعدي اختلاف أو أمر، فإن استطعتَ أن تكون السلم فافعل)) [مسند أحمد، ج1، ص469، ح694، تحقيق أحمد محمّد شاكر].
وكان في امتثاله (عليه السلام) لهذا الأمر النبوي بعدم رفع السيف بوجه مغتصبي الخلافة تفويتٌ للفرصة على اليهود والمنافقين – الذين كانوا يتربصون بالإسلام – وهو ما زال بعدُ غضًّا طريًّا.
هذا، فضلًا على أنَّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقف مكتوف اليدين تمامًا أمام هذا الاعتداء على داره كما يتصوّر البعض، بل تصدّى لهم، وطرح بعضهم أرضًا كما تقول الروايات، وقال لعمر بصريح العبارة: ((والذي أكرَم محمّداً بالنبوة – يا ابن صهاك – لولا كتابٌ من الله، سبَقَ، وعهدٌ عهِده إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله، لعلمتَ أنّك لا تدخل بيتي)) [يُنظر: الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام)، ج9، ص231].
أمّا دعوى “عدم مقاتلة القوم وردعهم من قبل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو يتنافى وعقيدة الشيعة الإمامية بوجود الولاية التكوينية عنده (عليه السلام)، فجوابه:
أنّ ثبوت الولاية التكوينية للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ولأئمة أهل البيت (عليهم السلام) أمر ثابت، لا ريب فيه، يسنده ثبوت الولاية التكوينية في القرآن الكريم للأنبياء، بل للأقل منهم كالجنّ، أو الذي عنده علمٌ من الكتاب الذي أحضر عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس في الشام، وكذلك في ما ادّعاه علماء أهل السنّة بثبوتها لبعض رموزهم كعمر بن الخطاب، قَال السخاوي في “التحفة اللطيفة” في ترجمة عمر بن الخطاب: ((وترجمته تحتمل مجلدًا ضخمًا، وممّن أفردها الذهبي في “نعم السمر في سيرة عمر”، وقد أطاعته العناصر الأربع؛ فإنّه كتب لنيل مصر، وقد بلغه أنّ عادته أن لا يوفي إلّا ببنتٍ تلقى فيه، فقطع الله من كتابه هذه العادة المذمومة، والهوى حيث بلغ صوته إلى سارية، والتراب حين زلزلت الأرض، فضربها بالدرة، فسكنت، والنار حيث قال لشخص: أدرك بيتك فقد احترق)) [التحفة اللطيفة، ج2، ص337].
فإذا ثبتت القدرة في التصرف في الظاهرة الكونية لرموز أهل السنّة – كعمر بن الخطاب فيما تقدّم عن السخاوي – فثبوتها لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) بمكانٍ من الإمكان؛ لأنَّ حكم الأمثال ـ فيما يجوز، ولا يجوز ـ واحد من هذه الناحية.
أمّا لماذا لم يستخدم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه الولاية التكوينية في ردع أعدائه، فجوابه:
لو استعمل الإمام (عليه السلام)، والأئمة (عليهم السلام) هذِه الولاية التكوينية بشكلها المطلق، أي استعملوها في كلّ ظرفٍ وابتلاء يتعرّضون له، لآمن الناس بهم مجبورين، وانقادوا إليهم مقهورين، وهذا منافٍ لمقتضى الاختيار في التكليف ومبطل للثواب والعقاب في الشريعة.
فإذا فرضنا أنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) استعمل ولايته التكوينية في صدّ أعدائه بحيث أفقدهم القدرة في الاعتداء عليه، أو كالذي جرى على الإمام الحسين (عليه السلام) بحيث كانت السهام التي تصل إليه تتحول إلى ورود أو أعواد ثقاب، أو كالذي جرى على الإمام الكاظم (عليه السلام) حين اغتاله الرشيد العباسي وابن شاهك بالسمّ، فأبطل مفعوله وتأثيره، إنَّ هذه الأمور لو حصلت لآمن الناس بهم مجبورين، وانقادوا إليهم مقهورين، وفي هذا سلب للاختيار، وهو منافٍ لمقتضى التكليف.
نعم، الولاية التكوينية عند الأئمة (عليهم السلام) استعملت في حدود محدودة لا تتنافى والاختيار في التكليف عند الناس .. كما في ردّ الشمس لعليٍّ (عليه السلام) أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما أثبته علماء أهل السنّة أنفسهم للواقعة .. أو كما يقول السيد الخوئي (قدّس سرّه) في “صراط النجاة”: ((أنَّ الحكمة الإلهية اقتضت أن تكون الولاية التكوينية بأيديهم حتّى يتمكنوا من إبطال من يدّعي النبوة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله بالسحر ونحو ذلك، ممّا يوجب إضلال الناس)) [صراط النجاة، ج3، ص420].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.