مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

علي أعلم الخلق على الإطلاق بعد رسول الله

تفاصيل المنشور

الاشكال

من أين لكم بأن عليًّا رضي الله عنه أعلم من الصحابة على الإطلاق؟ وبأيِّ شيء هو أعلم؟! وإن كنتم تستدلون بأقوال علمائنا فبعضهم لا يُعتدُّ بقوله، ولا يُؤخذ به.. كذبتم حتى صدّقتم كِذبتكم!! قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “اتفق علماء السُّنة على أن أعلم الناس بعد رسول الله (ص) أبو بكر ثم عمر، وقد ذكر غيرُ واحدٍ الإجماع على أنّ أبا بكر أعلم الصحابة كلهم”.

المستشكل

عبد الله العاص

تفاصيل المنشور

الاشكال

من أين لكم بأن عليًّا رضي الله عنه أعلم من الصحابة على الإطلاق؟ وبأيِّ شيء هو أعلم؟! وإن كنتم تستدلون بأقوال علمائنا فبعضهم لا يُعتدُّ بقوله، ولا يُؤخذ به.. كذبتم حتى صدّقتم كِذبتكم!! قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “اتفق علماء السُّنة على أن أعلم الناس بعد رسول الله (ص) أبو بكر ثم عمر، وقد ذكر غيرُ واحدٍ الإجماع على أنّ أبا بكر أعلم الصحابة كلهم”.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
إن نظرةً في صفحات التاريخ كفيلةٌ بكشف عشرات المواقف التي تشي بكثرة رجوع الصحابة – لا سيما الخلفاء الثلاثة – إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد رحيل المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) كلما واجهتهم معضلة، فكانوا يرجعون إليه (عليه السلام) فيما يوجَّه إليهم من مسائل تستعجم عليهم، بعضها يُعدّ من أبجديات الأحكام الشرعية، وأخرى من المسائل التي يعجر عن فكّ مغاليقها المتبحِّرون منهم في العلم آنذاك، وصحاح أهل السنة حافلة بأخبار واضحة تنصُّ على جهل الخليفتين بكثيرٍ من الأحكام والوقائع الرئيسة التي لا ينبغي أن تُجهل من قبل خليفة المسلمين، ومن ذلك:
قال ابن حجر في “فتح الباري”: ((أخرج عبد بن حميد … عن إبراهيم النخعي، قال: قرأ أبو بكر الصديق {وفاكهة وأبًّا} فقيل: ما الأب؟ فقيل: كذا وكذا، وقال أبو بكر: إنّ هذا لهو التكلُّف، أيّ أرض تقلني، أو أي سماء تظلّني، إذا قلت في كتاب الله بما لا أعلم، وهذا منقطع بين النخعي والصديق، وأخرج أيضًا من طريق إبراهيم التيمي أنّ أبا بكر سئل عن “الأبِّ” ما هو؟ فقال: أي سماء تظلني، فذكر مثله، وهو منقطع أيضًا، لكن أحدهما يقوّي الآخر)) [فتح الباري، ج13، ص272].
وروى عن ابن عباس قوله: ((أُتي عمر بمجنونةٍ قد زنت، فاستشار فيها أناسًا، فأمر بها عمر أن تُرجم، فمرّ بها على علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: ما شأن هذه؟ قالوا: مجنونةُ بني فلان زنت. فأمر بها عمر أن ترجم، فقال: ارجعوا بها، ثم أتاه، وقال: يا عمر، أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة، عن المجنون حتى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبيِّ حتى يعقل؟ قال: بلى. قال: فما بال هذه تُرجم؟ قال: لا شيء، قال: فأرسلها. قال ابن عباس: فجعل عمر يكبِّر)) [سنن أبي داود، ج4، ص140، باب المجنون يسرق أو يصيب أحدًا، قال الألباني: صحيح، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: «حديث صحيح»؛ المصدر نفسه، ج6، ص452].
ومن ذلك أيضًا: عندما أمر عمر برجم امرأة حاملٍ زنت، فقال له عليٌّ: وما سلطانك على ما في بطنها؟ وقد كان عمر يقول تكرارًا ” كلما كان يجيبه عليّ (عليه السلام) عما يسأله ليفرِّج عنه: ((لولا علي لهلك عمر)). وقوله: ((لا أبقاني الله بعدك يا علي)) [الصواعق المحرقة، ص107].
وقوله: ((لا أبقاني الله لمعضلةٍ ليس عليٌّ فيها)) [فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج17، ص105].
فقد كان عليٌّ (عليه السلام) هو الباب الذي مَن أتاه أُوتي العلم؛ إذ هو باب مدينة علم الرسول، كما جاء في الصحيح المتفق عليه عند الحُفّاظ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب))، أخرجه الحاكم في المستدرك، وقال: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرِّجاه» [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص126].
وهذا الحديث رواه كثيرٌ من أعلام أهل السُّنّة، [يُنظر: تاريخ ابن كثير، ج7، ص359؛ جامع الأُصول، ج9، ص473؛ جمع الجوامع، ج1، ص373؛ تاريخ بغداد، ج2، ص377 وج4، ص348، الرياض النضرة، ج2، ص255؛ فيض القدير، ج3، ص47؛ تاريخ الخلفاء، ص170؛ المعجم الكبير، ج11، ص65؛ أُسد الغابة، ج4، ص22؛ تذكرة الحفّاظ، ج4، ص28؛ مجمع الزوائد، ج9، ص114؛ عمدة القاري في شرح البخاري، ج7، ص631. ومن شاء التفصيل فليرجع إلى كتاب (نفحات الأزهار) الأجزاء 10 -12].
وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أنت تبيِّن لأمتي ما اختلفوا فيه من بعدي)) [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص126 وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين، ولم يخرِّجاه. وذكره صاحب حلية الأولياء، ج1، ص64؛ وكنز العمال، ج11، ح32983].
وعن أنس، قال: ((قيل يا رسول الله عمّن نأخذ العلم بعدك؟ قال: عن عليّ)) [قرة العينين في تفضيل الشيخين، لقطب الدين أحمد شاه ولي الله، ص 234].
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((عليّ وعاء علمي، ووصيّي، وبابي الذي أُوتى منه)) [ينابيع المودة، ج1، ص195؛ كفاية الطالب، ص145؛ مجمع الزوائد، ج9، ص111: وقال: رواه الطبراني، كنز العمال، ج6، ص154، وقال فيه: يا أم سلمة… إلى أن قال: أخرجه العقيلي عن ابن عباس، كنوز الحقائق، ص161، نقلًا عن الطبراني باختصار].
وفي صحيح البخاري، قال عمر بن الخطاب: ((أقرأُنا أُبيّ، ‌وأقضانا ‌عليّ)) [صحيح البخاري، ج4، ص1629].
ومن الواضح جدًّا أن الأقضى هو الأعلم بقوانين الشريعة وأحكامها؛ لأن القضاء يستلزم العلم، ولا ينفكّ عنه.
وإليك شهادة “الإيجي” – وهو من كبار علماء أهل السُّنّة – بأعلميّة الإمام عليّ (عليه السلام) على الصحابة، فذكر في كلامه من الأدلة والشواهد ما يكفي، ويزيد لإثبات مدّعاه، فقال في كتابه “المواقف” ما نصّه: ((وعليّ أعلم الصحابة؛ لأنّه كان في غاية الذكاء والحرص على التعلّم، ومحمّد صلى الله عليه وسلم أعلم الناس وأحرصهم على إرشاده، وكان في صغره في حجره، وفي كبره ختنًا له يدخل عليه كلّ وقت، وذلك يقتضي بلوغه في العلم كلّ مبلغٍ، وأمّا أبو بكر فاتصل بخدمته في كبره، وكان يصل إليه في اليوم مرّة أو مرّتين، ولقوله صلى الله عليه وسلم (أقضاكم عليّ)، والقضاء يحتاج إلى جميع العلوم، فلا يعارضه نحو (أفرضكم زيد وأقرأكم أُبيّ). ولقوله تعالى: {وتعيها أذنٌ واعية}، وأكثر المفسرين على أنّه عليٌّ؛ ولأنّه نهى عمر عن رجم من وَلدت لستة أشهر وعن رجم الحاملة، فقال عمر: لولا علي لهلك عمر، ولقول عليّ: (لو كسرت لي الوسادة، ثمَّ جلست عليها لقضيتُ بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم، والله ما من آيةٍ نزلت في برٍّ أو بحر أو سهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار إلّا وأنا أعلم في مَن نزلت وفي أيّ شيء نزلت). ولأنَّ عليًّا ذكر في خطبته من أسرار التوحيد والعدل والنبوة والقضاء والقدر ما لم يقع مثله في كلام الصحابة؛ ولأنَّ جميع الفرق ينتسبون إليه في الأصول والفروع. وكذا المتصوفة في علم تصفية الباطن. وابن عباس رئيس المفسرين تلميذه. وكان في الفقه والفصاحة في الدرجة القصوى. وعلم النحو إنّما ظهر منه، وهو الذي أمر أبا الأسود الدؤلي بتدوينه. وكذا علم الشجاعة وممارسة الأسلحة، وكذا علم الفتوة والأخلاق)) [المواقف، ج3، ص627].
والحديث: ((وأقضَاهُم عليٌّ))، صحَّحه الألباني في “صحيح ابن ماجة ” ج9، ص 34، رقم: 151، وفي “صحيح الجامع الصغير”ج1، ص211، رقم: 868، وفي “سلسلة الأحاديث الصحيحة” رقم: 1224.
وقال المناوي الشافعي في “فيض القدير”: ((«وأقضاهم عليّ» أي أعرفهم بالقضاء بأحكام الشرع. قال السمهودي: ومعلومٌ أنّ العلم هو مادّة القضاء. قال الزمخشري: سافر رجلٌ مع صحبٍ له، فلم يرجع حين رجعوا، فاتهمهم أهله، فرفعوهم إلى شريح، فسألهم البيّنة على قتله، فارتفعوا إلى عليّ فأخبروه بقول شريح، فقال:
أوردها سعدُ وسعدٌ مشتمل * ما هكذا يا سعدُ تورَد الإبل
ثمّ قال: إنّ أصل السقي التشريع، ثمّ فرّق بينهم، وسألهم. فاختلفوا ثمّ أقرّوا بقتله، فقتلهم به: وأخباره في هذا الباب مع عمر وغيره لا تكاد تحصى. قالوا: وكما أنّه أقضى الصحب في العلم الظاهر، فهو أفقههم بالعلم الباطن: قال الحكيم الترمذي في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لعلي: البس الحلة التي خبأتها لك: هي عندنا حلة التوحيد، فإنَّ الغالب على عليّ التقدّم في علم التوحيد، وبه كان يبرز على عامّة أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم..)) [فيض القدير، ج1، ص588].
وجاء في ” المقاصد الحسنة ” للسخاوي، تحقيق الحافظ عبد الله الصدّيق الغماري في بيان حديث (أقضاكم عليّ): ((قضاء عليّ وعلمه وشجاعته من المتواترات، فليس من الصحابة من يفوقه في ذلك)) [المقاصد الحسنة، رقم: 139].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.