مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

عليٌّ (عليه السلام) عبق الفضائل

تفاصيل المنشور

الاشكال

تأملتُ في فضائل علي بن أبي طالب فما وجدت له إلا أربعة فضائل، وهي: أنه مؤمن من حديث (من كنت مولاه)، ويحب اللهَ ورسولَه، واللهُ يحبه ورسولُه، وأنه من الخلفاء الراشدين، وأنه مبشَّر بالجنة، ولم أجد له فضيلة أخرى، فلعل من يعلم فضيلة أن يخبرنا بها، ولكنْ أن يكون ذلك على وفق شرطين، وهما: ألا تكون من المفتريات الشيعية، وألا يكون استنباط متكلف.

المستشكل

أبو عمر لطيف 

تفاصيل المنشور

الاشكال

تأملتُ في فضائل علي بن أبي طالب فما وجدت له إلا أربعة فضائل، وهي: أنه مؤمن من حديث (من كنت مولاه)، ويحب اللهَ ورسولَه، واللهُ يحبه ورسولُه، وأنه من الخلفاء الراشدين، وأنه مبشَّر بالجنة، ولم أجد له فضيلة أخرى، فلعل من يعلم فضيلة أن يخبرنا بها، ولكنْ أن يكون ذلك على وفق شرطين، وهما: ألا تكون من المفتريات الشيعية، وألا يكون استنباط متكلف.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
ما ذكرتَه ليس مجرد تأمل، بل هو تجاهُلٌ وتعتيم للحقائق الواضحة، واستخدام كلمات ملتوية للتلاعب بالنصوص، بهدف الانقلاب على الحقيقة وإخفاء الأمور الواضحة والبارزة. ففضائل عليّ (عليه السلام) أشهر من أن يُستدل عليها؛ فهي لا حصر لها، والقول بأنها أربعة فضائل هو تكذيب صريح لعلماء أهل السُّنة، حيث قد نصّوا على أنّ فضائل عليّ (عليه السلام) كثيرة عظيمة وشهيرة، ولم يرد في حق أحد من الصحابة مثل ما ورد في عليٍّ (عليه السلام).
قال ابن حجر العسقلاني: ((وقد روينا عن الإمام أحمد، قال: ‌ما ‌بلغنا ‌عن ‌أحد ‌من ‌الصحابة ما بلغنا عن علي بن أبي طالب)) [فتح الباري، ج7، ص74].
وقال أيضًا: ((قال أحمد، وإسماعيل القاضي، والنسائي، وأبو عليّ النيسابوري، ‌لم ‌يرد ‌في ‌حق ‌أحدٍ ‌من ‌الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في عليٍّ)) [فتح الباري لابن حجر، ج7، ص71].
قال أبو منصور الثعالبي: ((‌فضائل ‌عليٍّ يُضرب بها المثل في الكثرة)) [ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، ص87].
وقال ابن حجر المكي في الصواعق: ((فضائله رضي الله عنه، وكرم الله وجهه، وهي كثيرة عظيمة شهيرة)) [الصواعق المحرقة، ج2، ص353].
وقال الجاحظ: ((لا يعلم رجلٌ في الأرض متى ذُكر السبق في الإسلام والتقدم فيه؟ ومتى ذكرت النجدة والذب عن الإسلام؟ ‌ومتى ‌ذُكر ‌الفقه ‌في ‌الدين؟… كان مذكورًا في هذه الخلال كلها إلا عليٌّ كرم الله وجهه)) [رسائل الجاحظ، ج4، ص125].
وقال القرطبي في “المفهم” ((وكان ـ رضي الله عنه ـ قد خصّ من العلم، والشجاعة، والحلم، والزهد، والورع، ومكارم الأخلاق ما لا يسعه كتاب، ولا يحويه حصر حساب)) [المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي، ج6، ص270]
وذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه على “نهج البلاغة” في بيان أبوّة أمير المؤمنين (عليه السلام) العلمية للعلوم: ((… ما أقول في رجلٍ تُعزى إليه كلّ فضيلة، وتنتهي إليه كلّ فرقة، وتتجاذبه كلّ طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلي حلبتها، كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى.
وقد عرفت أنّ أشرف العلوم هو العلم الإلهي؛ لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم، ومعلومه أشرف الموجودات، فكان هو أشرف العلوم، ومن كلامه (عليه السلام) اقتبس، وعنه نقل، وإليه انتهى، ومنه ابتدأ، فإنّ المعتزلة – الّذين هم أهل التوحيد والعدل وأرباب النظر، ومنهم تعلّم الناس هذا الفن – تلامذته وأصحابه؛ لأنّ كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية، وأبو هاشم تلميذ أبيه وأبوه تلميذه (عليه السلام).
وأمّا الأشعرية فإنّهم ينتمون إلى أبي الحسن الأشعري عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، وهو تلميذ أبي عليّ الجبائي، وأبو عليّ أحد مشايخ المعتزلة، فالأشعرية ينتهون بالآخرة إلى اُستاذ المعتزلة ومعلّمهم، وهو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمّا الإمامية والزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر)) [شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد المعتزلي، ج1، ص19].
وفي هذا السياق ذاته يقول الشيخ محمّد بن محمّد الجزري الدمشقي الشافعي في كتابه “أسنى المناقب”: ((… فانتهت إلى أمير المؤمنين عليّ – رضوان الله تعالى عليه – جميع الفضائل من أنواع العلوم، وجميع المحاسن وكرم الشمائل، من القرآن، والحديث، والفقه، والقضاء، والتصوّف، والشجاعة، والولاية، والكرم، والزهد، والورع، وحسن الخلق، والعقل، والتقوى، وإصابة الرأي، فلذلك أجمعت القلوب السليمة على محبته، والفِطر المستقيمة على سلوك طريقته، فكان حبّه علامة السعادة والإيمان، وبغضه محض الشقاء والنفاق والخذلان)) [أسنى المناقب، ص173].
وقال محمد أبو شهبة في كتابه “دفاع عن السنة”: ((أما ‌فضائل ‌علي – كرم الله وجهه – ورضي الله عنه – فهي كثيرة ومشهورة، وقد روى أبو هريرة في فضائله أحاديث كثيرة… وفي “الصحيحين” وغيرهما من ذلك شيءٌ كثير، وفضائل سيدنا علي أكثر من أن تحصى، وقد أُلفت في ذلك كتب مستقلة ككتاب “الخصائص” للإمام النسائي، ولم يثبت في حق صحابي من الأحاديث الصحاح والحسان مثل ما ثبت في حقه، وهذا مما ندين الله تعالى عليه إرضاء لديننا وضمائرنا، واتباعا لما التزمناه من قواعد البحث الحر النزيه، لا خوفًا من أحدٍ ذي جاهٍ ولا تزلفًا لأحد لأجل دنياه)) [دفاع عن السُّنة وردّ شبه المستشرقين، ج1، ص184].
قال الزهري: ((سمعت سعيد بن جناب يحدث عن أبي عنفوانة المازني، قال: سمعت أبا جنيدة جندع بن عمرو بن مازن، قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار، وسمعته- وإلا صمتا- يقول، وقد انصرف من حجة الوداع، فلما نزل غدير خم قام في الناس خطيبًا، وأخذ بيد علي، وقال: من كنت وليَّه فهذا وليُّه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه. قال عبيد الله: فقلت للزهري: لا تحدِّث بهذا بالشام، وأنت تسمع ملء أذنيك سبَّ عليٍّ، فقال: والله إن عندي من ‌فضائل ‌علي ما لو تحدثت بها لقتلت)) [أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج1، ص364].
وإليك بعض الأحاديث التي وردت في فضائل عليٍّ (عليه السلام)، ولم يرد نظيرها في أحد من الصحابة، وقد صححها كل من جلال الدين السيوطي والشيخ الألباني في “السراج المنير”:
حديث ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) (صحيح)، وحديث ((أنت مني وأنا منك)) (صحيح) وحديث ((إنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)) (صحيح)، وحديث ((عادى الله من عادى عليًّا)) (صحيح)، وحديث ((علي بن أبي طالب مولى من كنت مولاه)) (صحيح)، وحديث ((عليّ مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) (صحيح)، وحديث ((عليّ مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي)) (حسن)، وحديث ((علي يقضي ديني)) (حسن) وحديث ((ما تريدون من عليٍّ؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إن عليًّا مني، وأنا منه، وهو وليّ كل مؤمن بعدي)) (صحيح)، وحديث ((من آذى عليًّا فقد آذاني)) (صحيح)، وحديث ((من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني)) (صحيح)، وحديث ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) (صحيح)، وحديث ((من كنت وليه فعليٌّ وليه)) (صحيح)، وحديث ((يا علي! أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه ليس بعدي نبيٌّ)) (صحيح) [السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير، للسيوطي والألباني، ج2، ص689-691].
ونختم القول بذكر ما ورد في غزوة الخندق، حيث وصف النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام) بجملتين تضاهيان كل الأحاديث التي رويت عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام)، هاتان الجملتان تُعَتَبَران وسامًا نبويًّا يُعلقه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على صدر علي بن أبي طالب (عليه السلام).
صدرت هاتان الجملتان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلال ساعةٍ أو أقل من ذلك، عندما ذهب علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمواجهة عمرو بن ود، عدو الإسلام وبطل المشركين، الذي كان يواجه جماعاتٍ ورجالًا وحده، وفي تلك اللحظة قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((اللهم برز الإسلام كله إلى الشرك كله)) [شرح نهج البلاغة، ج13، ص285، حياة الحيوان، للدميري، ج1، ص274، ينابيع المودّة، ج1، ص281، ص283].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.