تفاصيل المنشور
- المستشكل - أبو عمر
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 44 مشاهدة
تفاصيل المنشور
ليس هناك نبي أو رسول أو ولي يعلم الغيب، ومَن يقول: إن هناك أنسانًا يعلم الغيب فهو يكذِّب القرآن الذي يصرِّح بأن الله وحده يعلم الغيب، كل الأنبياء والمرسلين وغيرهم عبيد لله، لا يملكون الموت ولا الحياة .. ولا يعلمون الغيب، ولا يسمعون الدعاء، فهذه الأشياء خاصة بالخالق، وليس المخلوقين، كل الناس مخلوقون من عدمٍ، خلَقهم الله، ويتوفّاهم .. لا ينبغي أن نرفع مقدار المخلوق، ونجعله كمقدار الخالق، فهذا الشي مضادٌّ لدعوة الأنبياء والمرسلين، ومضاد لدين الله وطريق الصالحين والأولياء.
المستشكل
أبو عمر
ليس هناك نبي أو رسول أو ولي يعلم الغيب، ومَن يقول: إن هناك أنسانًا يعلم الغيب فهو يكذِّب القرآن الذي يصرِّح بأن الله وحده يعلم الغيب، كل الأنبياء والمرسلين وغيرهم عبيد لله، لا يملكون الموت ولا الحياة .. ولا يعلمون الغيب، ولا يسمعون الدعاء، فهذه الأشياء خاصة بالخالق، وليس المخلوقين، كل الناس مخلوقون من عدمٍ، خلَقهم الله، ويتوفّاهم .. لا ينبغي أن نرفع مقدار المخلوق، ونجعله كمقدار الخالق، فهذا الشي مضادٌّ لدعوة الأنبياء والمرسلين، ومضاد لدين الله وطريق الصالحين والأولياء.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
من المضحك المبكي واقعًا أنْ يأتيك شخصٌ من مذهبٍ آخر، مصادرُه مشحونةٌ بمضمون اعتراضه وإشكاله، وجُلّ علماء مذهبه يتخذونه معتقدًا صريحًا، فيستعرض جهلَه واهمًا أنه أفحم الخصوم، وألجم من يقول ومن يصول، فهو يزعم أنه (ليس هناك نبي أو رسول أو ولي يعلم الغيب، ومن يقول: إن هناك إنسانًا يعلم الغيب فهو يكذِّب القرآن…)، في حين أنه هو من كذّب القرآن الكريم في قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}[آل عمران:44]، وكذّب – أيضًا – أصحَّ كتابين بعد كتاب الله – في معتقده – البخاري ومسلم حيث أخرجا في صحيحيهما ما يثبت علم الغيب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وحقيقة الأمر أنه قد خفي على المستشكل وجود الفرق بين العلم المطلق بالغيب، والعلم النسبيّ به، فالعلم النسبيّ بالغيب متاحٌ لجميع الناس، أنبياء وغيرهم، فقد يُطلع الله سبحانه على غيبه بعض أنبيائه، كما هو المستفاد من قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ}، وقد يُطلع غير الأنبياء على الغيب، كما هو المستفاد من قصة موسى والخضر(عليهما السلام) وإخبار الخضر لموسى عن أمورٍ غيبية. قال البغوي في تفسير قوله سبحانه في حق الخضر (عليه السلام) : {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}: ((أي: علم الباطن إلهامًا، ولم يكن الخضر نبيًّا عند أكثر أهل العلم)). [تفسير البغوي، ج5، ص188، ط. طيبة].
وقال الشوكاني في فتح القدير: (({وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}، وهو ما علّمه الله سبحانه من علم الغيب الذى استأثر به)). [فتح القدير للشوكاني، ج3، ص354، ط. دار ابن كثير].
وقال البيهقي في “الأسماء والصفات” في تفسير قول الله سبحانه {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} [البقرة:255]: ((لا يعلمون شيئًا من علمه إلا بما شاء أن يُعلِمهم إياه ، فيعلموه بتعليمه)) [الأسماء والصفات، للبيهقي، ج1، ص293، تـ. الحاشدي].
ويقول الحافظ ابن حجر العسقلاني: ((وقال القاضي البيضاوي: يُخصص الرسول بالمَلَكِ في اطلاعه على الغيب، والأولياء يقع لهم ذلك بالإلهام» [فتح الباري، لابن حجر، ج13، ص364، ط. دار المعرفة].
وجاء عن ابن تيمية في تفسير سورة آل عمران مستدلًّا بآية {فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26، 27]، قوله: ((فغيْبه الذي اختص به لا يُظهر عليه أحدًا إلا مَن ارتضى من رسول… وأما ما أظهره لعباده فإنه يُعلمه من شاء)) [مجموع الفتاوى، ج14، ص197، ط. المدينة المنورة].
وقال أبو السعود العمادي في تفسيره: (({إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}، أي إلا رسولًا ارتضاه لإظهاره على بعض غيوبه المتعلقة برسالته كما يعرب عنه بيان مَن ارتضى بالرسول تعلقًا تامًّا، إما لكونه من مبادئ رسالته بأن يكون معجزة دالّة على صحتها، وإما لكونه من أركانها وأحكامها كعامة التكاليف الشرعية التي أُمر بها المكلفون وكيفيات أعمالهم وأجزيتها المترتبة عليها في الآخرة وما تتوقف هي عليه من أحوال الآخرة التي من جملتها قيام الساعة والبعث وغير ذلك من الأمور الغيبيّة التي بيّنها من وظائف الرسالة، وأما ما لا يتعلق بها على أحد الوجهين من الغيوب التي من جملتها وقت قيام الساعة فلا يُظهر عليه أحدًا، على أن بيان وقته مخلٌّ بالحكمة التشريعية التي عليها يدور فلك الرسالة، وليس فيه ما يدل على نفي كرامات الأولياء المتعلقة بالكشف، فإن اختصاص الغاية القاصية من مراتب الكشف بالرسل لا يستلزم عدم الحصول مرتبة ما من تلك المراتب لغيرهم أصلًا، ولا يدعي أحدٌ لأحد من الأولياء ما في رتبة الرسل عليهم السلام من الكشف الكامل الحاصل بالوحي الصريح)) [تفسير أبي السعود، للعمادي، ج9، ص47-48، ط. دار إحياء التراث العربي].
وقال الخطيب الشربيني في “السراج المنير” والخازن في “لباب التأويل”، واللفظ للأول، قال: ((فإنه يجوز أن يلهم الله تعالى بعض أوليائه وقوع بعض الوقائع في المستقبل، فيخبر به، وهو من إطلاع الله إياه على ذلك، ويدل على صحة ذلك ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد كان في من قبلكم من الأمم ناسٌ محدَّثون من غير أن يكونوا أنبياء، وإن يكن في أمتي أحد فإنه عمر» أخرجه البخاري. قال ابن وهب: تفسير محدَّثون ملهَمون، ولمسلم عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «في الأمم قبلكم محدَّثون، فإن يكن في أمتي منهم أحدٌ فإن عمر بن الخطاب منهم» ففي هذا إثبات كرامات الأولياء)) [السراج المنير، للخطيب الشربيني، ج4، ص409، ط. بولاق – القاهرة؛ لباب التأويل في معاني التنزيل، للخازن، ج4، ص353، ط. العلمية].
وقال الزحيلي في تفسيره: ((إن الله تعالى يُظهر أحيانًا بعض الكرامات بالإلهام على يد بعض أوليائه المخلصين، فيخبرون عن وقوع بعض الوقائع في المستقبل. وهذا ثابتٌ بالأمثلة الكثيرة قديمًا وحديثًا، وأيده العلم الحديث)) [التفسير المنير، الزحيلي، ج29، ص185، ط. دار الفكر].
وقال ابن حجر العسقلاني في الفتح: ((قوله تعالى {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}، الآية. فيمكن أن يفسر بما في حديث الطيالسي، وأما ما ثبت بنص القرآن أن عيسى عليه السلام قال: إنه يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون، وأن يوسف قال: إنه ينبئهم بتأويل الطعام قبل أن يأتي، إلى غير ذلك مما ظهر من المعجزات والكرامات، فكل ذلك يمكن أن يستفاد من الاستثناء في قوله “إلا من ارتضى من رسول” فإنه يقتضي إطلاع الرسول على بعض الغيب، والولي التابع للرسول عن الرسول يأخذ، وبه يكرم، والفرق بينهما أن الرسول يُطلَع على ذلك بأنواع الوحي كلها، والولي لا يُطلَع على ذلك إلا بمنام أو إلهام)) [فتح الباري، لابن حجر، ج8، ص514، ط. دار المعرفة].
وقال الآلوسي في تفسيره: ((ولا يُشكل على هذا أن الله تعالى قد يُطلع على الغيب بعض أهل الكشف ذوي الأنفس القدسية؛ لأن ذلك بطريق الوراثة لا استقلالًا)) [روح المعاني، للآلوسي، ج2، ص350، ط. العلمية].
هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فقد روى البخاري في صحيحه عن طارق بن شهاب، أنه قال: ((سمعت عمر، يقول: ((قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقامًا، فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه، ونسيه من نسيه)) [صحيح البخاري، ج3، ص1166، تـ. البغا].
وروى مسلم في صحيحه في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب إخبار النبي في ما يكون إلى قيام الساعة، عن حذيفة، أنه قال: ((قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامًا. ما ترك شيئًا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة، إلا حدّث به. حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه)) [صحيح مسلم، ج4، ص2217، تـ. عبد الباقي].
وفيه – أيضًا – عن عمرو بن أخطب، أنه قال: ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر. وصعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت الظهر. فنزل، فصلى. ثم صعد المنبر، فخطبنا حتى حضرت العصر. ثم نزل، فصلى. ثم صعد المنبر. فخطبنا حتى غربت الشمس. فأخبرنا بما كان وبما هو كائن. فأعلمُنا أحفظُنا)). [المصدر نفسه].
فهذه أخبار صريحة عن أمور مستقبلية تروونها في أصح كتبكم الحديثية، فماذا تسمون مثل هذا العلم؟ هل هو علم بالغيب، أو تنبؤات أو حكايات من الخيال العلمي؟!
ومن جميع ما تقدم من أدلة وبراهين يظهر لنا بغاية الوضوح أن العلم بالغيب عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما هو تعلُّم من الله سبحانه، أظهره عليه، وعلْم الأئمة (عليهم السلام) هو علمٌ يتعلمونه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يتوارثونه كابرًا عن كابر حسب اعتقادنا بإمامتهم، وأنهم الأوصياء الشرعيون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس هو علمًا مطلقًا بالغيب حتى يأتي، ويخرِّص علينا بجهله كائنًا من كان!!
وأما قولك: (… ولا يسمعون الدعاء، فهذه الأشياء خاصة بالخالق، وليس المخلوقين…)!
فقد جاء في (مجموع الفتاوى) لابن تيمية ما نصه: ((وسئل: هل الميت يسمع كلام زائره، ويرى شخصه؟ وهل تُعاد روحه إلى جسده في ذلك الوقت، أم تكون ترفرف على قبره في ذلك الوقت وغيره؟ وهل تصل إليه القراءة والصدقة من ناحليه وغيرهم، سواء كان من المال الموروث عنه وغيره؟ وهل تجمع روحه مع أرواح أهله وأقاربه الذين ماتوا قبله، سواء كان مدفونًا قريبًا منهم أو بعيدًا؟ وهل تنقل روحه إلى جسده في ذلك الوقت أو يكون بدنه إذا مات في بلد بعيد، ودفن بها ينقل إلى الأرض التي ولد بها؟ وهل يتأذى ببكاء أهله عليه؟ …
فأجاب : الحمد لله رب العالمين. نعم، يسمع الميت في الجملة كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يَسمع خفق نعالهم حين يولّون عنه» . وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه ترك قتلى بدر ثلاثًا، ثم أتاهم، فقال: يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا ؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًّا، فسمع عمر ذلك، فقال: يا رسول الله، كيف يسمعون؟ وأنى يجيبون، وقد جيفوا؟ فقال: والذي نفسي بيده ما أنت بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا»، ثم أمر بهم، فسحبوا في قليب بدر.
وكذلك في الصحيحين عن عبد الله بن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على قليب بدر، فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا ؟ وقال: إنهم يسمعون الآن ما أقول». وقد ثبت عنه في الصحيحين من غير وجه أنه كان يأمر بالسلام على أهل القبور. ويقول: «قولوا: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ويرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية. اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنّا بعدهم، واغفر لنا ولهم»، فهذا خطاب لهم، وإنما يخاطب من يسمع، وروى ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «ما من رجل يمر بقبر رجل كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام». وفي السنن عنه أنه قال: «أكثروا من الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ، فقالوا: يا رسول الله، وكيف تُعرض صلاتنا عليك؟ وقد أرمت – يعني صرتَ رميمًا – فقال: إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء». وفي السنن أنه قال: «إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام». فهذه النصوص وأمثالها تبيِّن أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له دائمًا، بل قد يسمع في حالٍ دون حال، كما قد يعرض للحي؛ فإنه قد يسمع أحيانًا خطاب من يخاطبه، وقد لا يسمع لعارضٍ يعرض له، وهذا السمع سمعُ إدراكٍ، ليس يترتب عليه جزاء، ولا هو السمع المنفي بقوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}، فإن المراد بذلك سمع القبول والامتثال، فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه وكالبهائم التي تسمع الصوت، ولا تفقه المعنى)). [مجموع الفتاوى، ج24، ص363 – 364، ط. المدينة المنورة].
وها هنا سؤال: هل يمكننا مخاطبة شخص ميت والانتفاع من مخاطبته؟!
الجواب: يمكن ذلك، وإليك الدليل من القرآن الكريم نفسه:
يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:64]، فهذه الآية عامة تشمل حالتي الحياة الدنيا وبعد الموت أَيضًا، وذلك لمجيء الفعل (جاؤوك) في سياق الشرط، وبما أن الفعل يتضمن مصدرًا منكرًا، والنكرة في سياق الشرط أَو النفي تفيد العموم وضعًا، فيثبت الشمول في المجيء للرسول والاستغفار عنده في حياته وبعد مماته، وبعموم العلة يثبت استغفار الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن جاءه، واستغفر الله عنده، لثبوت وقوع المشروط بعد ثبوت شرطه، ومن هنا فهِم العلماء العموم من هذه الآية الكريمة، وجعلوها ضمن سنن زيارته وآدابها (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال ابن قدامة الحنبلي – الموصوف على لسان ابن تيمية بأنّه ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من ابن قدامة [ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب، ج2، ص136، تـ. الفقي] – في كتابه المغني ما نصه: ((على الزائر عند توجهه للقبر الشريف أن يقول: اللهم إنك قلت، وقولك الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا الله وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا الله تَوَّابًا رَحِيمًا}، وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي مستشفعًا بك إِلى ربّي، فأسالك يا ربّ أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته)) [المغني، لابن قدامة، ج3، ص479، ط. مكتبة القاهرة].
فانظر إِلى الخطاب المباشر من ابن قدامة للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): ((وقد أتيتك مستغفرًا من ذنوبي، مستشفعًا بك إِلى ربي))، فلو كان الأثر والمؤثر الوارد في هذه الآية الكريمة مختصًّا بحياته الشريفة فقط، وأنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موته لا تأثير، ولا أثر له في طلب التشفُّع والاستغفار منه إِلى الله، لما كان لهذا الكلام من ابن قدامة معنى، وكان لغوًا وهذيانًا من البيان.
وأمّا السنّة الشريفة فيكفينا أن نذكر الحديث الصحيح الصريح الوارد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم، تعرض عليّ أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شرّ استغفرت لكم)). وهذا الحديث صحيح، قال عنه الحافظ العراقي في “طرح التثريب”: «إسناده جيد» [طرح التثريب، ج3، ص297].
وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد”: «رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح» [مجمع الزوائد، ج9، ص24]. وصحّحه السيوطي في الخصائص. [الخصائص الكبرى، للسيوطي، ج2، ص281].
وأَيضًا في ما ورد من الأثر الصحيح الصريح عن ابن عمر، فيما رواه البخاري في الأدب المفرد، عن عبد الرحمن بن سعد، أنه قال: ((خدِرت رِجل ابن عمر، فقال له رَجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: يا محمد)) [الأدب المفرد، ج1، ص535، ح959].
والأثر المذكور ظاهر الدلالة في المناداة باسم النداء: (يا محمد)، لميت غائب عن الدنيا، وهو النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك حصول الأثر التكويني لهذا النداء، كما في رواية الحربي: ((قلت: ادع أحبّ الناس إليك، قال: يا محمد، فبسطها)) [غريب الحديث، للحربي، ج2، ص674].
فتلخص مما سبق:
1 – أن العلم بالغيب عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما هو تعلُّمٌ من الله سبحانه، وعلم الأئمة (عليهم السلام) هو علمٌ يتعلمونه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليس هو علمًا مطلقًا بالغيب.
2 – الأحاديث والآثار الصحيحة تُثبت سماع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأولياء للمستغيثين والمستغفرين.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.