مركز الدليل العقائدي

علمُ الحسين (عليه السلام) بمقتله بين التفصيلِ والإجمال

تفاصيل المنشور

السؤال

قال نعمت الله صالحي نجفي آبادي ‏في كتابه “الشهيد الخالد” ما معناه: (لو كان الحسين يعلم تفصيلًا بأنّ سفره إلى العراق سيؤدي إلى مقتله الحتميّ لما خرج، بالإضافة إلى أنّ هذا يتنافى ‏واتخاذه أسوة. [الشهيد الخالد، ص 44] ‏أرجو الرد والبيان.

السائل

محمد فاضل المدني

تفاصيل المنشور

السؤال

قال نعمت الله صالحي نجفي آبادي ‏في كتابه “الشهيد الخالد” ما معناه: (لو كان الحسين يعلم تفصيلًا بأنّ سفره إلى العراق سيؤدي إلى مقتله الحتميّ لما خرج، بالإضافة إلى أنّ هذا يتنافى ‏واتخاذه أسوة. [الشهيد الخالد، ص 44] ‏أرجو الرد والبيان.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
يعدّ كتاب “الشهيد الخالد” للشيخ نعمة الله صالحي نجفي آبادي قراءة شخصية لأحداث كربلاء ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام). ومع ذلك فالكتاب يعاني من عدة ثغرات علمية، وقام جمعٌ من المراجع والعلماء بالرد على الكتاب، وناقشوا الثغرات العلمية فيه في مؤلفات عديدة، ويذكر مترجم الكتاب أن عدد هذه المؤلفات بلغ 13 كتابًا على الأقل. [ينظر: الشهيد الخالد، ص13].
وسنتطرق في ما يأتي إلى الثغرة التي ذُكِرَت في السؤال، والتي تتعلق بقول المؤلف: ‏(لو كان الحسين يعلم تفصيلًا بأنّ سفره إلى العراق سيؤدي إلى مقتله الحتمي لما خرج، بالإضافة ‏إلى أنّ هذا يتنافى ‏واتخاذه أسوة).
في هذا السياق، يْجدر بنا أن نشير إلى عدم قدرة المؤلّف على التوفيق بين علم الأئمة (عليهم السلام) التفصيلي ببعض المغيَّبات، مثل معرفتهم بموعد موتهم، وبين إقدامهم على الموت في الموعد المذكور. ويمكن الاطلاع على كلامه حول علم الأئمة بالغيب في الصفحة 41 من كتابه المذكور.
بالإضافة إلى ذلك، يحاول المؤلّف الانتصار لدعوى العلم الإجمالي، التي يقول بها بعض علمائنا، مع أنّ دعوى العلم التفصيلي يقول بها جمعٌ آخر من علمائنا أيضًا. ومن المنطقي والمنهجي أن يناقش المؤلّف وقائع الأمور حسب جميع الدعاوى المطروحة، دون الاقتصار على دعوى دون أخرى، وذلك بحسب المنهج العلمي المتّبع.
وإذا نظرنا إلى دعوى العلم التفصيلي بموعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنها لا تتنافى مع نهضته، حيث توجد أمورٌ حتمية لا بدّ من وقوعها لحضور أسبابها، ولا يمكن مخالفة المحتوم. وهذا البحث معروفٌ في باب القضاء والقدر، حيث أن القضاء على نحوين:
قضاء محتوم، وهو ما أخبرنا به الرسل والأنبياء، فإنه لا بد من حدوث هذا القضاء؛ لأن الله لا يُكذِّب أنبيائه ورسله، وما أخبروا به يحصل بالضرورة.
‏وقضاء موقوف، أي غير محتوم، وهو قضاءٌ يخضع لقانون المحو والإثبات، الذي جاء في قوله تعالى: “{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}” [الرعد: 39]. في هذا النوع من القضاء، يجري التغيير بحسب مقتضيات عمل الإنسان وأفعاله التي تبدّل الأقدار، كما نصّت ‏على ذلك ‏الأحاديث الشريفة: بأنّ الدعاء يردّ القضاء، والصدقة تدفع البلاء، وصلة الأرحام ‏تزيد الأعمار، ‏ونحو ذلك. ‏[انظر: سنن الترمذي، ج3، ص304، المستدرك للحاكم، ج1، ص493، شعب ‏الايمان ‏للبيهقي، ج3، ص214].‏
ويروى في هذا الجانب عن الإمام الباقر (عليه السلام) قوله: ((العلم علمان: فعلمٌ عند الله ‏مخزون. لم يطَّلع عليه أحدٌ من خلقه. وعلمٌ علَّمه ملائكته ورسله. فما علَّمه ملائكته ورسله، ‏فإنّه سيكون، لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله. وعلمٌ عنده مخزون، يقدّم منه ما يشاء، ويثبت ‏ما يشاء)).‏ وفي روايةٍ أخرى عن الفضيل، قال: ((سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: “من الأمور أمورٌ ‏موقوفة عند الله، يقدّم منها ما يشاء، ويؤخّر منها ما يشاء”)) [الكافي، ج1، ص147]. وتوجد في هذا المجال أكثر من سبعين رواية، جمعها العلامة المجلسي في بحار الأنوار [بحار الأنوار، ج19، ص35-‏‏38، وج15، ص26، وج20، ص31-38، وج7، ص198-206، وغيرها من الأجزاء، ‏فارجع إليه].‏
وبناء على ذلك، إذا كان مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء من الأمور الحتمية ـ وهو ما ‏تضافر نقله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مصادر الفريقين؛ لأنّ الله لا يكذّب نبيّه ‏على قول الإمام الباقر (عليه السلام) ـ فلا موجب لهذا التوقف وعدم التوفيق بين العلم ‏التفصيلي بموعد مقتله (عليه السلام) – على القائل به – وبين حضوره في مكان القتل في ‏الموعد المذكور بعد اكتمال أسباب الحضور؛ إذ لا توجد منافاة شرعية في الموضوع، فالمقاتل ‏في جبهات القتال مثلًا الذي يقدم على خوض المعارك، والذي يحصل له في بعض الأحيان العلم ‏التفصيلي بمقتله – كأن يؤدي عملية استشهادية معينة يعلم بموته فيها يقينًا – وأحياناً العلم ‏الإجمالي، فهل تراه يمنعه هذا العلم من خوض المعارك والحضور في هذه الأماكن، أو تراه لا ‏يحقّ لنا أن نتأسى ببطولته واستشهاده؟!‏
فكان ما ذكره مؤلف الكتاب يعدّ غريبًا في مضمونه، ولا يتوافق مع معايير البحث العلمي المنهجي.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.