مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

عقيدة الولاية التكوينية في التراث السني

تفاصيل المنشور

السؤال

إحدى أهم المسائل التي غلا فيها الشيعة الاثني عشرية بل اشركوا بالله فيها هي اعتقادهم بالولاية التكوينية بأئمتهم مع أنها لم تثبت لنبي من الأنبياء، ولم يذهب إلى هذا المعتقد الباطل سواهم ولا ارى ان لديهم ما يدفعون به عن انفسهم وأئمتهم.

السائل

مراد محمد 

تفاصيل المنشور

السؤال

إحدى أهم المسائل التي غلا فيها الشيعة الاثني عشرية بل اشركوا بالله فيها هي اعتقادهم بالولاية التكوينية بأئمتهم مع أنها لم تثبت لنبي من الأنبياء، ولم يذهب إلى هذا المعتقد الباطل سواهم ولا ارى ان لديهم ما يدفعون به عن انفسهم وأئمتهم.

الأخ مراد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لو راجعت مصادركم لوجدت أن القول بالولاية التكوينية لغير الأنبياء هو أمر ثابت كتابا وسنة، وقبل الخوض في بيان عقيدة علماء أهل السنة بالولاية التكوينة لمن هم دون الأنبياء، نبين باختصار المراد من الولاية التكوينية، ليتضح محل الكلام، فنقول:
المراد بالولاية التكوينية أن الله سبحانه وتعالى يمنح النبيّ أو الوليّ القدرة على التصرف في الظاهرة الكونيّة خلاف نظام العلّية المتعارف، وذلك كما في إعطاء القدرة لنبي الله داود عليه السلام في تليين الحديد بيديه المجردتين وعمل دروع سابغات يعتاش منها.
قال تعالى: { وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}. [ سورة سبأ: 10-11]
قال ابن كثير في “البداية والنهاية”: (( وأما إلانة الحديد بغير نار كما يلين العجين في يده، فكان يصنع هذه الدروع الداوودية، وهي الزرديات السابغات وأمره الله تعالى بنفسه بعملها، « وقدر في السرد » أي ألا يدق المسمار فيعلق ولا يعظله فيفصم، كما جاء في البخاري )). إنتهى [ البداية والنهاية 6: 318]
وأيضا كما في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمه والأبرص لنبي الله عيسى عليه السلام ، قال تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ}. [ سورة آل عمران : 49].
فالولاية التكوينية هي قدرة إعجازية يمنحها المولى سبحانه لأنبيائه وأوليائه، وهي قد تمنح تفضلا منه سبحانه على المتقين من عباده كما هو مقتضى الحديث الصحيح الوارد في البخاري وغيره: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه). [ صحيح البخاري 7: 190 ، ورواه بلفظه ثقة الإسلام الكليني في أصول الكافي2: 352، الحديث السابع ،بسنده عن الصادق جعفر بن محمد عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل]
قال ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) : (( وقد جاء في الأثر يا عبدي أنا أقول للشيء كن فيكون أطعني أجعلك تقول للشيء كن فيكون يا عبدي أنا الحي الذي لا يموت أطعنى أجعلك حيا لا تموت وفي أثر أن المؤمن تأتيه التحف من الله من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي لا يموت فهذه غاية ليس وراءها مرمى كيف لا وهو بالله يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشي فلا يقوم لقوته قوة )). انتهى [ مجموع الفتاوى 4: 377]
فموضوع الولاية التكوينية والمنح الربانية التي يمنحها الله لعباده المتقين في التصرف في الظاهرة الكونية بخلاف المتعارف هو أمر مسلّم وثابت في القرآن الكريم والسنة الشريفة وأقوال العلماء من الفريقين، ولا مجال للمكابرة فيه من هذه الناحية.
وان ثبوت هذه الولاية التكوينية للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) هو أمر مسلم بين المسلمين جميعا، قال ابن تيمية في كتابه “النبوات”: ((فإذا كان آية نبي إحياء الله الموتى لم يمتنع أن يحيي الله الموتى لنبي آخر أو لمن يتبع الأنبياء كما قد أحيي الميت لغير واحد من الأنبياء ومن تبعهم وكان ذلك آية على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوة من قبله إذا كان إحياء الموتى مختصا بالأنبياء وأتباعهم)).
وقال في الكتاب نفسه: ((فإنه لا ريب أن الله خصَّ الأنبياء بخصائص لا توجد لغيرهم ولا ريب أن من آياتهم ما لا يقدر أن يأتي به غير الأنبياء بل النبي الواحد له آيات لم يأت بها غيره من الأنبياء كالعصا واليد لموسى وفرق البحر فإن هذا لم يكن لغير موسى وكانشقاق القمر والقرآن وتفجير الماء من بين الأصابع وغير ذلك من الآيات التي لم تكن لغير محمد من الأنبياء وكالناقة التي لصالح فإن تلك الآية لم يكن مثلها لغيره وهو خروج ناقة من الأرض بخلاف إحياء الموتى فإنه اشترك فيه كثير من الأنبياء بل ومن الصالحين )). إنتهى [ النبوات : 218]
فابن تيمية كما تلاحظ يقرّ بالولاية التكوينية للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه لا يمتنع أن ما منحه الله عز وجل لغيره من الأنبياء أن يمنحه لنبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بل يمنحه لأتباعه كما في إحياء الموتى .. فقد نقل إبن تيمية وكذلك إبن حجر العسقلاني عن شيبان النخعي أنه كان له حمار فمات في الطريق فقال له أصحابه هلم نتوزع متاعك على رحالنا، فقال لهم أمهلوني هنيهة ثم توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركعتين ودعا الله تعالى فأحيا له حماره فحمل عليه متاعه. [أنظر:مجموع الفتاوى 11: 281، الإصابة في تمييز الصحابة 5: 192].
كما نقلت مصادر أهل السنة موضوع إطاعة العناصر الأربعة (الماء والهواء والتراب والنار) لعمر بن الخطاب، فقد ذكر السخاوي في “التحفة اللطيفة” في ترجمة عمر بن الخطاب: ((وترجمته تحتمل مجلدا ضخما وممن أفردها الذهبي في نعم السمر في سيرة عمر وقد أطاعته العناصر الأربع فإنه كتب لنيل مصر وقد بلغه أن عادته أن لا يوفي إلا ببنت تلقى فيه فقطع الله من كتابه هذه العادة المذمومة، والهواء حيث بلغ صوته إلى سارية والتراب حين زلزلت الأرض فضربها بالدرة فسكنت والنار حيث قال لشخص أدرك بيتك فقد احترق )). إنتهى [التحفة اللطيفة 2: 337]
ونقول: فإذا ثبتت مثل هذه المناقب والكرامات في حق عمر وغيره من الصحابة، بحسب مرويات أهل السنة ومصادرهم، فهذا يعني جواز ثبوتها في حق أئمة العترة الطاهرة وهم من سادة المسلمين وأئمة الدين بشهادة أهل السنة أنفسهم، كما هو ثابت في تراجمهم، وما روته كتب الشيعة ومسانيدهم الحديثية من هذه المناقب والكرامات في باب الولاية التكوينية لا يتعدى ما يرويه أهل السنة من مناقب أئمتهم وساداتهم في هذا الجانب؛ فإن حكم الأمثال فيما يجوز ولا يجوز واحد من هذه الناحية. وبذلك يثبت المطلوب.
ودمتم سالمين