تفاصيل المنشور
- السائل - أحمد الياسري
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 24 مشاهدة
تفاصيل المنشور
ما ردُّكم على دعوى أنّ الاعتقاد بعصمة أئمة أهل البيت (ع) شيءٌ استحدثه الشيعة الإمامية في القرون الثلاثة الأولى الهجرية، ولم يكن معروفًا في عصر الأئمة (ع)؟
السائل
أحمد الياسري
ما ردُّكم على دعوى أنّ الاعتقاد بعصمة أئمة أهل البيت (ع) شيءٌ استحدثه الشيعة الإمامية في القرون الثلاثة الأولى الهجرية، ولم يكن معروفًا في عصر الأئمة (ع)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
في البدء لا بد لصاحب هذا الادّعاء أن يدرك تمامًا أنّ الأدلة التي يَعتمد عليها الشيعةُ الإمامية لإثبات عقيدتهم في مسألة عصمة أئمتهم (عليهم السلام) هي الكتاب والسُّنة والعقل، وهذه الأدلة تعدّ المرجع الأساسَ في إثبات تلك العقيدة وغيرها من المسائل العقَدية الأخرى، وما عداه لا يُلتفت إليه نفيًا أو إثباتًا.
وإنّ عدم اعتقاد أو معرفة بعض أصحاب الأئمة بعصمتهم (عليهم السلام)، لا يعدّ دليلًا على أنه هذا الاعتقاد استُحدِث في القرون الثلاثة الأولى للإسلام. فهذا البعض من الأصحاب ربما لم يعرفوا بعصمة الأئمة (عليهم السلام) لأسبابٍ مختلفة، ولكنّ ذلك لا يعني بالضرورة أن الاعتقاد بعصمتهم (عليهم السلام) كان غير موجودٍ في تلك الحقبة الزمنية. وإلا فسيتعيَّن علينا نفي عصمة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ نظرًا لأن بعض أصحابه لم يعتقدوا بعصمته، وكانوا يخالفونه.
بالإضافة إلى ذلك فإن هذا البعض غير المُعتقِد يقابله كثيرٌ من الأصحاب الذين كانوا يعتقدون بعصمة الأئمة (عليهم السلام)، فلماذا لا يعوَّل في إثبات عقيدة عصمة الأئمة (عليهم السلام) في تلك القرون على ما يعتقده كثير من أصحابهم بدلًا من نفيها لعدم اعتقاد البعض منهم؟!
وهناك العديد من الدلائل والشواهد التاريخية التي تشير بوضوحٍ إلى اعتقاد كثير من الأصحاب بعصمة الأئمة (عليهم السلام) في ذلك الوقت، منها:
ما رواه ثقة الإسلام الكليني في كتابه “الكافي” بسنده الصحيح عن سدير، قوله: ((قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن قومًا يزعمون أنكم آلهةٌ، يتلون بذلك علينا قرآنًا: ” وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ” فقال: يا سدير، سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء، وبرئ الله منهم، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، واللهِ، لا يجمعني اللهُ وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم، قال: قلت: وعندنا قوم يزعمون أنكم رسلٌ يقرؤون علينا بذلك قرآنًا ” يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم ” فقال: يا سدير، سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء، وبرئ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، واللهِ، لا يجمعني اللهُ وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم، قال: قلت: فما أنتم؟
قال: نحن خُزّان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، “نحن قومٌ معصومون”، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا، ونهى عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة على مَن دون السماء وفوق الأرض)). [الكافي، ج1، ص179-180].
وفيه – أيضًا – بسندٍ معتبر عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: ((إن الله طهَّرنا، وعصمنا، وجعلنا شهداء على خلقه، وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لا نفارقه، ولا يفارقنا)) [الكافي، ج1، ص239].
ورى الشيخ الصدوق في “علل الشرائع” بسنده عن سليم بن قيس، قال: ((سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: “إنما الطاعة لله عز وجل ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أَمر بطاعة أولي الأمر؛ لأنهم معصومون مطهرون، ولا يأمرون بمعصيته”)) [علل الشرائع، ج1، ص123].
وجاء في عيون أخبار الرضا (عليه السلام)،عن محمد بن علي التميمي، أنه قال: ((قال: حدثني سيدي علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: “من سرّه أن ينظر إلى القضيب، الياقوت الأحمر الذي غرسه الله بيده، ومستمسكًا به فليتولَّ عليًّا والأئمة من ولده؛ فإنهم خيرة الله عز وجل وصفوته، وهم المعصومون من كل ذنب وخطيئة”)) [عيون أخبار الرضا، ج٢، ص٦٢].
وروى الخزاز القمي في “كفاية الأثر” بسندٍ معتبر عن الحسين بن علي عن أبيه علي (عليه السلام)، أنه قال: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة، وقد نزلت هذه الآية {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي، هذه الآية نزلت فيك وفي سبطيَّ والأئمة من ولدك، فقلت: يا رسول الله: وكم الأئمة بعدك؟ قال: أنت يا علي ثم ابناك الحسن والحسين وبعد الحسين علي ابنه وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد جعفر ابنه وبعد جعفر موسى ابنه وبعد موسى علي ابنه وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد علي ابنه وبعد علي الحسن ابنه والحجة من ولد الحسن، هكذا وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش، فسألت الله تعالى عن ذلك، فقال: يا محمد هم الأئمة بعدك مطهرون معصومون، وأعداؤهم ملعونون)) [كفاية الأثر، ص155].
بجانب ذلك، هناك العديد من التقارير التاريخية والروائية التي تشير إلى عقيدة أن الأئمة (عليهم السلام) معصومون مطهرون عند أكثر أصحابهم، وكانوا يعتقدون أن الأئمة (عليهم السلام) مفترضو الطاعة، ويجب الامتثال لأوامرهم، من نحو: محمد بن أبي بكر، فإنه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): ((أشهد أنك إمام مفترض طاعتك)) [اختيار معرفة الرجال، للطوسي، ج1، ص282].
وحمزة بن طيار، فإنه كان يقول للإمام الصادق (عليه السلام): ((جعلني الله فداك، فلو فلقت رمانة، فحلّلت بعضها، وحرمت بعضها لشهدت أن ما حرّمت حرامٌ، وما أحللت حلال…)) [معجم رجال الحديث، ج7، ص210].
وهكذا قال ابن أبي يعفور للإمام الصادق (عليه السلام): ((والله لو فلقت رمانة بنصفين، فقلتَ: هذا حرام، وهذا حلال لشهدت أن الذي قلت: حلال حلال، وأن الذي قلت: حرام حرام…)) [اختيار معرفة الرجال، للطوسي، ج2، ص518].
وكان جابر بن يزيد الجعفي يقول: ((حدثني وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، محمد بن عليّ عليه السلام)) حتى قال عنه الناس: “جُنَّ جابر جنّ جابر”. [خاتمة المستدرك، ج4، ص213].
وكان مؤمن الطاق أيضًا يؤمن بعصمة الأئمة (عليهم السلام)، ولا يسوّغ صدور الذنب عنهم. وقد أجاب عن أحد المخالفين، وردّ الاتهام بصدور الخطأ والكذب عن الإمام عليّ (عليه السلام) ضمن تشبيهٍ جميل، في سياق إثبات العصمة للإمام (عليه السلام). [يُنظر: مناقب آل أبي طالب، ج1، ص274].
فهذه التعابير والظواهر المتعلقة بهذا النوع من التقارير تعكس اعتقاد أصحابها بعصمة الأئمة (عليهم السلام)، وتُظهر تمسكًا قويًّا بتعاليمهم.
وهناك عدد من الروايات تشتمل على مضامين من قبيل: قيام بعض الأصحاب بعرض عقائدهم الكلامية على الأئمة (عليهم السلام)، من نحو قول “عمرو بن حريث” لأبي عبد الله (عليه السلام): ((جعلت فداك، أ لا أقص عليك ديني الذي أدين به ؟ قال : بلى يا عمرو . قلت : إني أدين الله بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدًا عبده ورسوله ، وأن الساعة آتيةٌ لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا ، والولاية لعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين بعد رسول الله صلى الله عليهما ، والولاية للحسن والحسين ، والولاية لعلي بن الحسين ، والولاية لمحمد بن علي ، ولك من بعده ، وأنتم أئمتي، عليه أحيى، وعليه أموت، وأدين الله به . قال : يا عمرو، وهذا ـ والله ـ ديني ودين آبائي الذي ندين الله به في السر والعلانية)) [اختيار معرفة الرجال ، ج2، ص301].
وقبول بعضهم بضمانة أهل البيت (عليهم السلام) بدخولهم إلى الجنة، من نحو قول حمران بن أعين للإمام الباقر (عليه السلام): ((جعلت فداك، إني حلفت ألا أبرح المدينة حتى أعلم ما أنا، قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: فتريد ماذا يا حمران؟ قال: تخبرني ما أنا؟ قال: أنت لنا شيعة في الدنيا والآخرة)) [اختيار معرفة الرجال، ج1، ص454].
وقبول بعضهم الآخر سماع الأخبار الغيبية من الأئمة (عليهم السلام) بشكلٍ طبيعي من نحو “أبي خالد الكابلي” لما دخل على الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) قال له (عليه السلام): ((مرحبًا بك يا كنكر، ما كنت لنا بزائر، ما بدا لك فينا؟ فخر أبو خالد ساجدًا شاكرًا لله تعالى مما سمع من علي بن الحسين عليه السلام، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي، فقال له عليّ: وكيف عرفت إمامك يا أبا خالد؟ قال: إنك دعوتني باسمي الذي سمتني أمي التي ولدتني…)) [اختيار معرفة الرجال، ج1، ص363].
فهذا بأجمعه يعبِّر عن اعتقادهم العصمة في الأئمة الهداة (عليهم السلام).
وها هو الحسين بن سعيد الأهوازي ـ صاحب الأئمة، الرضا والجواد والهادي ـ يصرّح في كتابه “الزهد” بأن عصمة الأئمة موضع إجماع الإمامية، وكلامه يعبِّر عن شيوع هذه العقيدة في تلك المرحلة، الأمر الذي يُكذِّب دعوى استحداثها بعد عصر الأئمة (عليهم السلام)، حيث يقول الأهوازي: ((لا خلاف بين علمائنا في أنهم عليهم السلام معصومون عن كل قبيح مطلقًا، وأنهم عليهم السلام يسمون ترك المندوب ذنبًا وسيئة بالنسبة إلى كمالهم عليهم السلام)) [بحار الأنوار، للمجلسي، ج25، ص207، وسائل الشيعة، ج4، 1080].
وختامًا نقول: إذا افتُرض أن المعيار في نفي شيوع عقيدة عصمة الأئمة (عليهم السلام) في تلك الحقبة الزمنية هو عدد المؤمنين بها، فلا يمكن الاستناد إلى آراء الذين ينكرونها لإثبات عدم شيوعها، لا سيما عندما يوجد كثير من الأصحاب المؤمنين بعصمة الأئمة (عليهم السلام) كما أوضحنا فيما تقدم.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
اللجنة العلمية في مركز الدليل العقائدي.