تفاصيل المنشور
- السائل - إيهاب الرحيمي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 19 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هناك محاولات لعَقلنة الوحي لدى بعض الإسلاميين، وإصباغ الصفة العقلانية عليه، وإخراجه من دائرة الغيب بشقيه الغيب النسبي والغيب المطلق؛ لكي يقربوه إلى أذهان المعاصرين الذين سيطرت على عقولهم المناهج التجريبية، وشاعت فيهم الحسية والمادية، كيف يمكن عرض الوحي وإقناع الناس به وأنه سبيل للمعرفة الإنسانية، ومصدر من مصادر المعرفة، وتوثيقه بالسمع، في حين أن الأمور العلمية الأخرى قد توثق بالتجربة، وما الفرق من حيث الإدراك بين الأمرين؟
السائل
إيهاب الرحيمي
هناك محاولات لعَقلنة الوحي لدى بعض الإسلاميين، وإصباغ الصفة العقلانية عليه، وإخراجه من دائرة الغيب بشقيه الغيب النسبي والغيب المطلق؛ لكي يقربوه إلى أذهان المعاصرين الذين سيطرت على عقولهم المناهج التجريبية، وشاعت فيهم الحسية والمادية، كيف يمكن عرض الوحي وإقناع الناس به وأنه سبيل للمعرفة الإنسانية، ومصدر من مصادر المعرفة، وتوثيقه بالسمع، في حين أن الأمور العلمية الأخرى قد توثق بالتجربة، وما الفرق من حيث الإدراك بين الأمرين؟
الأخ إيهاب المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قبل الإجابة على هذا السؤال نشير إلى أنّه من أكثر الأمور تشويشا في الفكر الإنساني هو الخلط بين المناهج المعرفية في إدراك حقائق الأشياء ، فالبعض يصرّ – على جهل أو عناد منه – إخضاع كلّ شيء في هذا الوجود إلى منهج معرفي واحد كأن يكون: المنهج الحسّي التجريبي فقط ، والحال أنّ هذا الإخضاع سيصطدم بأبسط الأمور في تطبيقاته على معارف وعلوم لا يمكن إدراك حقيقتها من خلال الحسّ والتجربة ، كالأمور التاريخية ، ومعرفة البلدان والحوادث ، فهذه الأمور لا يمكن أن تخضع لعامل الحسّ والتجربة بأيّ حال من الأحوال ، بل هي أمور تعرف من خلال النقل والسمع فقط ، وهذا دليل واضح على بطلان إفراد نظرية المعرفة بمنهج واحد يخضع كلّ العلوم والمعارف الأخرى إليه .
ومعه، كما يوجد منهج حسّي تجريبي تخضع له بعض العلوم التطبيقية، كذلك يوجد منهج سمعي وعقلي تخضع له علوم أخرى كمسائل النبوات والوحي ونحوها، والخلط بين هذه المناهج من الخطأ العلمي بمكان.
أمّا دعوى العقلنة هذه للوحي إن كان المقصود منها إخضاع ما يجود به الوحي إلى ما يمتاز به العقل من التفكير والتشكيك وطلب البرهان على المدّعى، فهذا هو عين ما يطلبه الوحي من الناس، فهو يطلب من الناس عدم الإيمان بالأنبياء قبل ثبوت أدلتهم، ولا يشجع على التقليد لما كان عليه الآباء في عقائدهم، بل وجدناه يذمّ التقليد في العقائد كثيراً.
وأمّا إن كان المقصود أن يكون العقل بديلا عن الوحي والغيب في إدراك حقائق الأشياء فيما يتعلّق بالدين، فمن الواضح لكلّ عاقل أن العقل مهما بلغ من القدرة والقوة فهو لا يمكنه أن يدرك ماذا يريده الخالق من مخلوقه في تفاصيل الإيمان والعبادات، بل غاية ما يدركه العقل هو لزوم إطاعة المنعم لا أكثر ولزوم شكره على نعمه لا أكثر، لكن تفاصيل هذا الشكر وآلياته وما يجب على الإنسان فعله حتّى يتجنب الحساب والعقوبة في آخرته فهذا لا يمكن للعقل إدراكه مطلقا.
ودمتم سالمين