تفاصيل المنشور
- السائل - علي عدنان
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 56 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هل هنالك ردٌّ بخصوص مَن يقول: كلُّ جمْعٍ في القرآن هو محمدٌ وآل محمد، مثل خالقين ورازقين؟
السائل
علي عدنان
هل هنالك ردٌّ بخصوص مَن يقول: كلُّ جمْعٍ في القرآن هو محمدٌ وآل محمد، مثل خالقين ورازقين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمدٍ وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إن من أعظم مظالم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) الغلوَّ في حقِّهم، كأنْ يُنسب إليهم الخلقُ والرزق والإحياء والإماتة، ونحو ذلك، مما يُقرِّبهم من مرتبة الألوهية، وبلغ الأمر مبلغًا إلى الحدِّ الذي أَعلن أمير المؤمنين (عليه السلام) البراءة منهم، ودعا عليهم بالخذلان وعدم النصر، فقال: ((اللهم إني بريءٌ من الغُلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبدًا، ولا تنصُر منهم أحدًا)). [الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٦٨٠].
وفي عيون الأخبار عن مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، أنه قال: ((لعن اللهُ الغلاةَ… لا تقاعدوهم، ولا تُصادقوهم، وابرؤوا منهم، برِئ اللهُ منهم)) [عيون أخبار الرضا، ج2، ص218-219].
وقال العلّامة المجلسي في البحار: ((اعلمْ أنّ الغلوَّ في النبي والأئمة عليهم السلام إنما يكون بالقول بأُلوهيَّتهم أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية أو في الخلق والرزق أو أنّ الله تعالى حلَّ فيهم أو اتّحد بهم ، أو أنهم يعلمون الغيبَ بغير وحيٍ أو إلهامٍ من الله تعالى أو بالقول في الأئمة عليهم السلام أنهم كانوا أنبياءَ أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض ، أو القول بأنّ معرفتهم تُغني عن جميع الطاعات، ولا تكليف معها بترْك المعاصي . والقول بكلٍّ منها إلحادٌ وكفرٌ وخروج عن الدين كما دلّت عليه الأدلة العقلية والآيات والأخبار السالفة وغيرها ، وقد عرفتَ أنّ الأئمة عليهم السلام تبرؤوا منهم، وحكموا بكفرهم، وأمروا بقتلهم ، وإنْ قرع سمعك شيءٌ من الأخبار الموهمة لشيءٍ من ذلك فهي إما مؤوَّلة أو هي من مفترَيات الغُلاة)) [بحار الأنوار، ج٢٥، ص٣٤٨].
وهذا الزعم (كل جمعٍ في القرآن هو محمدٌ وآل محمد، مثل خالقين ورازقين) مما تموْج به كتبُ الغلاة، وهو مستلٌّ من روايةٍ وردتْ في كتاب “صحيفة الأبرار، لمحمد تقي المامقاني”، [ج5، ص234، ط. دار المحجة، لبنان]، ولم تردْ في أيِّ مصدرٍ من مصادر الشيعة الإمامية الاثني عشرية المعتبَرة، ولا يُعرف لها أصلٌ ولا سنَد.
وهذا القول يتناقض مع صريح آيات القرآن الكريم، والأحاديث المتواترة، بأنّ الخالق هو الله سبحانه وتعالى، ومن تلك الآيات المباركة قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [يونس:31-32].
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر:3].
وقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40].
وأما الجمع في غير هذه الآيات، مثل آية: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ} [الواقعة:57]، وآية: {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [الإسراء:70]، وما إلى ذلك من الآيات المباركة فقد يُراد به التعظيم والإجلال، لا التعدُّد، فضمير الجمع يُستخدم في كثيرٍ من الأحيان في لغة العرب للواحد المعظِّم نفسه، وقد درج العربُ على استعماله في خطابهم، قال صاحب المعجم الوسيط: ((نحن: ضميرٌ يعبِّر به الاثنان، أو الجمع المُخْبِرون عن أنفسهم، وقد يعبِّر به الواحدُ عند إرادة التعظيم)) [المعجم الوسيط، ج2، ص907، ط. دار الدعوة]. والقرآن الكريم نزل بلغة العرب، فكانتْ أساليبه في التعبير على نمطِ أساليبهم في الكلام؛ لأنه نزل – كما قال تعالى -: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:195]. ولا أحدَ أعظمُ من الله سبحانه، فيكون إطلاقُ لفظ المفرد لإثبات كونه واحدًا لا شريك له، وإطلاق لفظ الجمع لإثبات عظمته سبحانه. والعلمُ عند الله عزّ وجلّ.
والحمد لله أوّلًا وآخراً، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي.