مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

صوم عاشوراء مسألة خلافية وصيامه تبركاً وفرحاً ينبئ عن خبث فاعله وخلل في مذهبه ودينه

السائل

ليث العاني

تفاصيل المنشور

السؤال

الرافضة يتركون صيام يوم عاشوراء بدعاوى باطلة، فمنهم من يقول: إنَّ الأحاديث الواردة في صيام يوم عاشوراء ضعيفة، ومنهم من يقول: إنَّ هذه الأحاديث وضعها النواصب من الأمويين وغيرهم! وهذا الكلام سخف من القول، فإنَّ في كتب الشيعة أنفسهم ما يدلُّ على ورود صيام يوم عاشوراء عندهم، وما يسوقونه من روايات تنهى عن صيام يوم عاشوراء؛ ضعيفة بأجمعها، بخلاف رواياتهم التي تدل على استحباب صومه فهي معتبرة عندهم؛ فلقد رووا في كتبهم أنَّ زرارة ومحمد بن مسلم سألا أبا جعفر الباقر عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: “كان صومه قبل شهر رمضان فلما نزل شهر رمضان ترك” وروى شيخهم الطوسي بسنده أن علياً رضي الله عنه قال:(صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة)، وجاءت رواية أخرى عن أبي الحسن قال: (صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء)، فهذه الآثار ثابتة في كتبهم كما هي ثابتة بأسانيد صحيحة في كتب أهل السنَّة والجماعة، وهنالك من يزعم منهم عدم صيام يوم عاشوراء حتَّى لا يتَّخذ عيداً، مع العلم أنَّ العيد لا يجوز صومه، فهذا دليل على التناقض والقصور في فهم النصوص والتعامل معها، وكثير منهم يصوم عاشوراء إلى نصف النهار فقط أو العصر، وهذا مناقض لقوله تعالى: {ثمَّ أتموا الصيام إلى الليل}.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..

قد يخفى على المستشكل ولكن لا يخفى على غيره من أبناء جلدته أن مسألة استحباب صوم يوم عاشوراء هي مسألة خلافية بين علماء أهل السنة، كما هي خلافية أيضاً بين علماء الإمامية.

فمن أهل السنة نجد أن ابن الجوزي يقول: ((تمذهب قوم من الجهال بمذهب اهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء)). انتهى [الموضوعات، ج2، ص200]

وقال أيضاً: ((… فمن الأحاديث التي وضعوا: … عن الاعرج، عن ابى هريرة قال: قال رسول الله ان الله عز وجل افترض على بنى اسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم فصوموه ووسعوا على اهليكم، فانه من وسع على اهله من ماله يوم عاشورا وسع عليه سائر سنته، فصوموه فانه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه ادريس مكاناً علياً، وهو اليوم الذي نجى فيه ابراهيم من النار…. إلخ)). [المصدر السابق]

كما نجد أن ابن رجب في “اللطائف” يقرر بعد ذكره لجملة من الأحاديث الواردة في مصادر أهل السنة بأن صوم يوم عاشوراء كان من صوم أهل الجاهلية وعندما جاء فرض صوم رمضان لم ينه عنه رسول الله (ص) ولم يأمر به، فيقول: ((فهذه الأحاديث كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجدد أمر الناس بصيامه بعد فرض صيام شهر رمضان، بل تركهم على ما كانوا عليه من غير نهي عن صيامه، فإن كان أمره صلى الله عليه وسلم بصيامه قبل فرض صيام شهر رمضان للوجوب، فإنه ينبني على أن الوجوب إذا نسخ فهل يبقى الاستحباب أم لا؟ وفيه اختلاف مشهور بين العلماء، وإن كان أمره للاستحباب المؤكد فقد قيل: إنه زال التأكيد وبقي أصل الاستحباب، ولهذا قال قيس بن سعد: ونحن نفعله)). [لطائف المعارف، ص50].

إذن مسألة صوم يوم عاشوراء مسألة خلافية في الفقه السني كما هو واضح، فضلا عن الفقه الشيعي ، فقد  ذهب مشهور الإمامية إلى عدم صومه واستحباب الإمساك فيه حزنا إلى صلاة العصر كما عليه السيد السيستاني (دام ظله) مثلاً، واستحباب الامساك إلى العصر ليس هو الصوم الاصطلاحي، بل هو مجرّد إمساك؛ بينما ذهب السيد الخوئـي إلى استحباب صومه  في بحثه من كتاب الصوم، مع أنه صرح في تعليقته على تقريرات شيخه النائيني (قدس سره) في “أجود التقريرات” بمداومة الأئمة (عليهم السلام) على ترك صومه وأمر أصحابهم بذلك [أجود التقريرات، ج1، ص364]، وهذا ينافي قوله بالاستحباب كما هو واضح، وقد يكون ذلك من تبدل الرأي والفتوى بحسب ما يراه من الأدلة، ولا غضاضة من هذه الناحية، فالفقيه يفتي بلحاظ ما يطرأ عليه من استفادة الأحكام من الأدلة، ولكن الملاحظ على ما أفاده السيد الخوئـي (قدس سره) من قوله بالاستحباب إنما هو من جهة المواساة لأهل البيت (عليهم السلام)، حيث صرح قائلا: ((وأمّا الروايات المتضمّنة للأمر واستحباب الصوم في هذا اليوم فكثيرة ، مثل: صحيحة القدّاح : «صيام يوم عاشوراء كفّارة سنة». وموثّقة مسعدة بن صدقة: «صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنّه يكفّر ذنوب سنة»، ونحوها غيرها. وهو مساعد للاعتبار، نظراً إلى المواساة مع أهل بيت الوحي وما لاقوه في هذا اليوم العصيب من جوع وعطش وسائر الآلام والمصائب العظام التي هي أعظم ممّا تدركه الأفهام والأوهام. فالأقوى استحباب الصوم في هذا اليوم من حيث هو كما ذكره في الجواهر)) [كتاب الصوم، ج2، ص305].

وهو  (قدس سره) قد حرّم صومه من جهة التيّمن والتّبرك كما عليه البدعة الأموية في استحباب هذا الصوم ،حيث قال: ((نعم لا إشكال في حرمة صوم هذا اليوم بعنوان التيمن والتبرك والفرح والسرور كما يفعله أجلاف آل زياد والطغاة من بني أمية من غير حاجة إلى ورود نصّاً به، بل هو من أعظم المحرمات، فانه ينبئ عن خبث فاعله وخلل في مذهبه ودينه وهو الذي أشير إليه في بعض النصوص المتقدمة من أن أجره مع ابن مرجانه الذي ليس هو إلا النار، ويكون من الأشياع والأتباع الذين هم مورد اللعن في زيارة عاشوراء وهذا واضح لا سترة عليه)).[المصدر السابق].

وللاستزادة والتوسع في تفاصيل الموضوع يمكن مراجعة كتاب (صوم عاشوراء بين السنة النبوية والبدعة الأموية) للعلامة نجم الدين الطبسي.

والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.