تفاصيل المنشور
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 24 مشاهدة
تفاصيل المنشور
تفاصيل المنشور
من مذكرات العلامة المرحوم الشيخ “خالد السويعدي البغدادي”، أحد أبرز أعضاء اللجنة العلمية في مركزنا.
فبينما كنت أتصفح صفحات بعض كتب العلامة الشيخ “خالد السويعدي البغدادي” (رحمه الله) التي أهديت لمركز الدليل العقائدي، لفت انتباهي ورقة خطية تتضمن رواية مؤثرة عن إحدى محنه في المعتقل كنت قد سمعتها منه شفاها.
يسرد الشيخ (رحمه الله) في هذه الورقة تفاصيل جلسة تحقيق تعرض خلالها لاستجوابٍ قاسٍ حول مسائل عقائدية، حيث واجه فيها أسئلة المحققين بثباتٍ وإيمانٍ راسخ، رافضًا الانصياع لضغوطهم أو التنازل عن قناعاته.
آثرتُ نقل هذه الرواية كما هي، دون أي تصرف أو تعديل، إيمانًا مني بقيمتها العقائدية، حيث تُجسد هذه الشهادة صبر علماء الشيعة الإمامية ورسوخ إيمانهم في أحلك الظروف، وتُقدم لنا درسًا قيماً في الثبات على المبادئ والقيم.
كتب (رحمه الله) الآتي:
((محنة شعب مع جلاده وظالمه – كي لا ننسى ظالمينا.. توثيق جرائم صدام وأزلامه بحق الشعب العراقي – أغرب محاضرة ألقيتها في حياتي.. بيان حقائق العقيدة والمذهب تحت التعذيب وأنا معلق من السقف.
في إحدى جلسات التحقيق والتعذيب المتكررة علقوني من السقف وتركوني اتدلى كحبل يتلوى من شدة الألم والوجع الشديد.. فالتعليق من السقف هو مرحلة متقدمة من مراحل التعذيب يلجأون إليها حين لا تسعفهم الطرق الأخرى في انتزاع الاعتراف من المعتقل.. وهاهنا عرضوا علي عرضا غريبا وأنا اتدلى من السقف.. طلبوا مني أن أقرأ لهم مجلسا حسينيا.. فعرفت أنهم يريدون الاستهزاء بشعائر الحسين (عليه السلام)..
فقلت لهم: أنا لا أجيد القراءة.. لست خطيبا..
قالوا: أنت تكذب علينا.. اقرأ لنا على الحسين..
وحين وجدت الاصرار منهم حول هذا الموضوع قررت الانفتاح عليهم وردهم بما يوقف استهزاءهم وليكن ما يكن..
فقلت لهم: القراءة على الحسين لا يوجد فيها إلا ذكر الله وموعظة الناس.. فلماذا أنتم تتضايقون منها؟؟
قالوا: كلكم خونة..
قلت: نحن عراقيون.. ولدنا في هذا البلد وعشنا فيه..
قالوا: أنتم توالون إيران..
قلت: نحن الشيعة أئمتنا عرب.. أسألوا أنفسكم أنتم أهل السنة من هم أئمتكم.. هل تعرفون جنسية أبي حنيفة أو جنسية البخاري والشافعي ومسلم.. كل أئمتكم فرس ولكنكم لا تعلمون..
قالوا: أنتم تتبعون الخوئي الايراني والسيستاني الايراني.. فكيف تقول كل أئمتنا عرب؟؟
قلت: المذهب أئمته هم الأئمة الأثنا عشر من أهل البيت (عليهم السلام) وهم عرب.. وهؤلاء علماء يوالون أئمة أهل البيت.. أما أنتم فأئمة مذاهبكم فرس وعلمائكم فرس أيضا..
وهنا قد يستغرب البعض من جرأتي هذه في المواجهة مع هؤلاء في مثل هذه الموقف.. لكنها الشهادة لله أنا نفسي كنت استغرب كيف كانت تأتيني الجرأة في الرد عليهم ومواجهتهم.. فقد كنا كمعتقلين نحسب أننا سننهار أمام جبروتهم وطغيانهم ولكنه العون الإلهي في الصبر والتحدي على أية حال.. فقد كان هذا العون هو خير معين لنا في تلك الأماكن الموحشة والظالمة والتي لا يوجد لنا معين فيها سوى الله عز وجل.. والحمد لله على نعمه التي لا تحصى والتي أفاضها علينا في تلك الأماكن.. وفي المقابل كان هؤلاء الأوباش لا يكفون – وهم يسألونني – عن تعذيبي وضربي بالعصا الغليظة وخاصة على منطقة الركبتين.. فقد كان هذا الموضع من المواضع الموجعة جدا عند الضرب.. ومع ذاك قررت ألا أتوقف عن ردهم والدفاع عن المذهب حول أي إشكال يطرحونه وليكن ما يكن..
قالوا: كيف تقلدون؟؟ أخبرنا عن التقليد؟؟
قلت: نقلد أعلم العلماء الموجودين..
قالوا: كيف يعني؟
قلت: يوجد عندنا أهل خبرة يشخصون لنا الأعلم فنقلده..
قالوا: ولماذا لا تقلدون الا الايرانيين؟
قلت: كان السيد محسن الحكيم مرجعا عاما للشيعة وهو عربي عراقي.. لا دخل للجنسية في التقليد.. التقليد للأعلم فقط..
قالوا: حدثنا عن الخمس .. شنو الخمس؟
قلت: حقوق شرعية يدفعها المؤمنون للمرجع..
قالوا: ما هو الدليل على ذلك.. هذه أموال تأخذونها من الناس بالباطل؟
قلت: آية الخمس في القرآن هي الدليل على ذلك وهي واضحة في هذا الجانب.. قال تعالى: ((واعلموا أنما ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ..))…
قالوا: هذه جاءت في وقت الحرب..
قلت: الآية مطلقة وبعض علماء المذاهب قيدوها بوقت النزول وهو مخالف للقاعدة الأصولية التي تقول :المورد لا يخصص الوارد …
قالوا: حدثنا عن المتعة.. ما هو هذا الزواج الي عدكم الي تسمونه زواج المتعة؟؟
قلت: هو زواج شرعي صحيح ودليله ثابت من القرآن والسنة أيضا..
قالوا: يعني هو حلال؟؟
قلت: نعم حلال..
قالوا: يعني انت تزوجت زواج متعة؟
قلت لهم: لا.. أنا لم أتزوج زواج متعة لكنه زواج محلل شرعا ..
قالوا – وهنا عادوا لنبرتهم القومية المتعجرفة وموضوع العرب والفرس -: وشعائركم هذه من اللطم والمشي والركض هي أصلا شعائر فارسية.. أخذتوها عن الفرس… مو شعائر عربية؟؟
وهنا – في الواقع – شعرت بالحسرة في داخلي حين قادتني الدنيا الى محاورة أمثال هؤلاء الهمج الرعاع الذين لا يفقهون من الدين شيئا.. لكن السلطة بأيديهم على أية حال ولا بد من تبصيرهم بالحق.. فعسى أن يبصرون..
قلت لهم: أصل إقامة الشعائر هو القرآن الكريم.. ألم تقرأوا قوله تعالى: ((ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب))، والحسين (عليه السلام)، وكل أئمة أهل البيت هم شعائر الله، فالشعار في الاصطلاح معناه الدال على الله كما هو الحال في القرآن الكريم حين نسميه كتاب الله.. والنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، حين نسميه نبي الله.. والكعبة حين نسميها بيت الله.. وهكذا أئمة أهل البيت نسميهم أئمة منصوبين من الله – حسب عقيدتنا – فهم من شعائر الله أيضا.. واذا رجعنا الى الآية الكريمة وجدناها تأمرنا بتعظيم الشعائر.. فيأتي السؤال هنا: ما هو تعظيم الشعائر؟
والجواب: التعظيم في الآية الكريمة لم يقيد بقيد فهو مطلق من هذه الناحية، وهذا معناه أن الشارع أوكل معناه للعرف فكل ما يصدق عليه تعظيم عرفا ولا يكون محرما شرعا فهو جائز ولا مشكلة فيه.. فالمشي الى الحسين تأسيا برجوع السبايا مشيا على الأقدام هو جائز شرعا.. والركض مهرولا تأسيا باستجابة النداء للنصرة هو جائز شرعا.. والبكاء واللطم تأسيا بالنبي الذي بكى على ولده الحسين قبل استشهاده كما هو ثابت في الروايات الصحيحة هو جائز شرعا.. فكل ذلك جائز شرعا ولا دخل للفرس والعرب في هذه الشعائر مطلقا، بل المقياس هو الدليل الشرعي في الجواز والعدم ..
وهنا عندما وجدوني لا أكف عن جوابهم والرد عليهم قالوا لي: أنت لا فائدة ترجو منك.. كنا نعتقد أنك ستتوب وتعقل بس الظاهر أنت بعدك على عنادك.. فأمروا بإنزالي وتقييدي من الخلف ثم عصبوا عيني واجلسوني على ركبتي وانهالوا على ظهري بالضرب الشديد المبرح.. ضربوني عدة ضربات قوية كافرة على ظهري بعصا غليظة متينة كادت تقلع كتفي من مكانها.. ولا أدري كيف تحملتها.. لكنني صبرت على أية حال.. وكنت أقول في نفسي: هذا الضرب من حقهم.. فهم لابد أن يردون علي ولأنهم لا يملكون الرد العلمي فهذه الضربات هي ردودهم علي.. فكل إنسان إنما يعمل بحسبه.. والحمد لله رب العالمين)).
نسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجزيه خير الجزاء عن صبره ودفاعه عن الدين والمذهب، انه سميع مجيب الدعاء.