تفاصيل المنشور
- السائل - الشيخ طالب
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 17 مشاهدة
تفاصيل المنشور
ما ردُّكم على تصوير الإعلام الغربيّ لشهر رمضان على أنه وقتٌ لكسل المسلمين.
السائل
الشيخ طالب
ما ردُّكم على تصوير الإعلام الغربيّ لشهر رمضان على أنه وقتٌ لكسل المسلمين.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إنّ تصوير الإعلام الغربيّ لشهر رمضان على أنه شهرُ الكسل والخمول ليس مجرَّد طرحٍ عفْويٍّ أو تحليلٍ موضوعيٍّ، بل هو امتدادٌ لحربٍ فكريّةٍ تُشَنّ ضدَّ الإسلام بهدف تفريغه من محتواه العقَديّ وتحجيم تأثيره في نفوس المسلمين. هذه الصورة النمطيّة ليستْ جديدةً، بل تأتي في سياقٍ طويلٍ من التشويه المتعمَّد لكلّ ما يرتبط بالهُوِيّة الإسلاميّة، وخصوصًا العبادات التي تربط الإنسان بالله، وتجعل منه كائنًا يرتقي فوق المادّة، ويعيش في أفقٍ روحيٍّ يسمو به عن الحيوانيّة التي يريدها له النظام المادِّي الغربيّ.
إنّ القول بأنّ رمضان شهر الكسل يتنافى مع حقائق التاريخ والواقع، فالصِّيام لم يكن يومًا عاملًا معطِّلًا للحضارة الإسلاميّة، بل كان محرِّكًا للعزيمة، ودافعًا للعمل والجهاد، وأيّ مراجعة للتاريخ الإسلاميّ تكشف أنَّ أعظم الانتصارات الإسلاميّة وقعت في هذا الشهر المبارك، بدءًا من غزوة بدر الكبرى التي غيّرتْ موازين القوى في الجزيرة العربيّة، وفتْح مكة الذي كان إيذانًا بنهاية الحقبة الجاهليّة، إلى انتصارات المسلمين في الأندلس، ومعركة عين جالوت التي دحَرت التتار. فهل كان أولئك المسلمون الذين صاموا، وخاضوا المعارك الكبرى في التاريخ الإسلاميّ غارقين في الكسل والخمول؟
ثم إنّ هذه الشُّبهة تكشف عن تناقضٍ واضحٍ في الطرح الغربيّ، فالإعلام ذاته الذي يصوّر شهر رمضان بأنه زمنٌ للخمول هو نفسُه الذي يمجِّد الصِّيام المتقطِّع في الأنظمة الصحيّة الحديثة، ويعُدُّه وسيلةً لتحسين الأداء الذهنيّ والجسديّ، بل ويروِّج له على أنه علاجٌ فعّال للسّمنة والأمراض المزمنة. فلماذا يكون الامتناع عن الطّعام لساعات طويلة عملًا صحيًّا إذا كان في سياقٍ دنيويّ، لكنه يصبح دليلًا على التخلُّف والكسل إذا كان في سياقٍ تعبُّدي شرعيّ؟! أ ليس هذا إلا ازدواجيّةً في المعايير تدلُّ على أنَّ المستهدَف ليس الصيامَ ذاته، بل ارتباطه بالإسلام؟!
أمّا إذا كان بعض المسلمين في عصرنا يعانون من سوء الفهم للصيام، ويحوِّلونه إلى موسم كسلٍ وسهرٍ ولهوٍ، فهذه ليستْ مشكلةً في الإسلام، بل هي مشكلةٌ في الالتزام، تمامًا كما أنّ مَن يدّعون المسيحيّة، ولا يطبّقون تعاليم الإنجيل لا يُعَدّون حجّة على الدين المسيحيّ. إنّ الإسلام واضحٌ في رؤيته للصيام، فهو ليس مجرَّد امتناعٍ عن الطعام، بل هو مجاهدةٌ للنفس، وتزكيةٌ للروح، وتقويةٌ للإرادة؛ ولذا كان النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهلُ بيته الطاهرون عليهم السلام يرَون في شهر رمضان فرصةً لإحياء الروح وتكريس الجهد في العبادة والعمل والجهاد.
إنّ الغرب الذي يريد تصوير المسلمين على أنهم شعوبٌ عاجزةٌ ومتواكلةٌ، يدرك أنّ في رمضان سرًّا يبعث الحياة في الأمّة، سرًّا يجعل المسلم يراجع حساباته، ويكسر قيود العادة، ويتحرَّر من عبوديّته لشهواته؛ ولذلك يسعَون بكلِّ الطرق إلى تحجيم تأثيرِه عبر الترويج لفكرة أنّ شهر رمضان يعطِّل الإنتاج، وكأنّ الإنتاج عندهم هو القيمة العُليا التي يُقاس بها الإنسان، وكأنّ هدف الإنسانِ في الحياة أنْ يكون مجرَّد آلةٍ استهلاكيّةٍ تعمل بلا روحٍ ولا معنى!
إنّ هذه الدعاية الإعلاميّة ليستْ إلا امتدادًا لمشروعٍ استعماريٍّ فكريٍّ يسعى إلى قتل الروح الإسلاميّة، لكنّ الواقع والتاريخ يكذِّبان هذه الأكاذيب، والمسلمُ الواعي يعرف أنّ شهر رمضان هو شهر العمل لا الكسل، شهرُ العزيمة لا التخاذل، شهرُ الجهاد لا الركون إلى الراحة؛ ولذا سيظلّ هذا الشهر شوكةً في حلق أعداء الإسلام، مهما حاولوا تشويهَه وتحريف صورته.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.