مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

زيارة الحسين يوم عرفة من مصاديق تعظيم شعائر الله

تفاصيل المنشور

الاشكال

في مروياتكم دعوة صريحة لإلغاء ركن الحج فأنتم تستبدلون شعائر الله التي قال عنها القرآن الكريم: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} فتستبدلون الوقوف بعرفات بالوقوف عند الحسين!! ألا يعد هذا تحريفا وتزييفا للدين؟!

المستشكل

هشام ساري

تفاصيل المنشور

الاشكال

في مروياتكم دعوة صريحة لإلغاء ركن الحج فأنتم تستبدلون شعائر الله التي قال عنها القرآن الكريم: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} فتستبدلون الوقوف بعرفات بالوقوف عند الحسين!! ألا يعد هذا تحريفا وتزييفا للدين؟!

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
هذا كلام فارغ لا قيمة له، والكذب لا يتحول إلى صدق مهما كُتب أو نُقل، فأي عاقل يصدق إن سمع أن حجاجا من الشيعة لما وصلوا إلى موقف عرفة تركوا الموقف ورجعوا إلى كربلاء لاستبداله بالوقوف عند الحسين (عليه السلام)؟!
نعم، من لم يرزق الحج في عامه يستحب له زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة، لما لها من الفضل العظيم والثواب الجسيم، وبذلك وردت الروايات المعتبرة عن أئمة أهل البيت (عليه السلام).
كما أن زيارة الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة تُعدّ – بلا شك ولا اشكال – من مصاديق تعظيم شعائر الله، ولبيان ذلك لا بدّ من الوقوف على معنى كلمة (شعائر) في الآية الكريمة في قوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:32] لمعرفة ما إذا كان معناها منحصر في دائرة مناسك الحج المعروفة، أو أن الدائرة تتسع فتشمل معالم الدين كله بما فيه رموزه وأعلامه.
فنقول: الشعائر في اللغة جمع شعيرة وهي على وزن فعيلة، مشتقة من قولهم: شعر فلان بهذا الأمر: إذا علم به، فالشعائر هي المعالم.
جاء في ” لسان العرب “: ((وأَشْعَرَه الأَمْرَ وأَشْعَرَه به: أَعلمه إِياه)).
وبهذا المعنى اللغوي جاء المعنى الاصطلاحي لـ (الشعائر) الوارد ذكرها في الآية المباركة.
قال الطبري في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللهِ}: ((إن الله تعالى ذكره أخبر أن تعظيم شعائره، وهي ما جعله أعلاما لخلقه فيما تعبدهم به من مناسك حجهم، من الأماكن التي أمرهم بأداء ما افترض عليهم منها عندها والأعمال التي ألزمهم عملها في حجهم: من تقوى قلوبهم، لم يخصص من ذلك شيئا، فتعظيم كل ذلك من تقوى القلوب، كما قال جل ثناؤه وحق على عباده المؤمنين به تعظيم جميع ذلك)) [تفسير الطبري، ج17، ص207].
هذا من حيث المعنى اللغوي والاصطلاحي لكلمة (شعائر).
والسؤال هنا: هل ما ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم من مصاديق الحجّ في قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158]، وقوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج:32]، هي المصاديق الوحيدة لهذه الشعائر أم أنّ المراد بها أوسع من ذلك؟!!
الجواب: قال ابن أبي حاتم في تفسيره المسمى بتفسير القرآن العظيم: ((قوله تعالى: «ومن يعظَّم شعائر اللَّه» الشّعائر جمع شعيرة، وهو كلّ شيء للَّه – تعالى – فيه أمر أشعر به وأعلم، ومنه شعار القوم في الحرب أي: علامتهم التي يتعارفون بها، ومنه إشعار البدنة وهو الطعن في جانبها الأيمن حتى يسيل الدمّ فيكون علامة، فهي تسمّى شعيرة)) [تفسير القرآن العظيم، ج13، ص706].
وعن الجصاص في ” أحكام القرآن “: ((قوله تعالى: {ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب}، قال أهل اللغة: الشعائر جمع شعيرة، وهي العلامة التي تشعر بما جعلت له، وإشعار البدن هو أن نعلمها بما يشعر أنها هدي، فقيل على هذا: إن الشعائر علامات مناسك الحج كلها، منها رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة. وروى حبيب المعلم عن عطاء أنه سئل عن شعائر الله فقال: ” حرمات الله اتباع طاعته واجتناب معصيته فذلك شعائر الله “. وروى شريك عن جابر عن عطاء: {ومن يعظم شعائر الله} قال: “استسمانها واستعظامها”. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس: {ومن يعظم شعائر الله} قال: “في الاستحسان والاستسمان والاستعظام”، وعن عكرمة مثله، وكذلك قول مجاهد. وقال الحسن: “شعائر الله دين الله”. قال أبو بكر: يجوز أن تكون هذه الوجوه كلها مرادة بالآية لاحتمالها لها)). [أحكام القرآن، ج3، ص315].
فإذا عرفنا ذلك، وعرفنا أن المراد من الشعائر – في وجه من وجوهها – هي معالم الدين وأعلامه، فتندرج زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة وغيره ضمن هذا العموم العام لمعنى الشعائر، لأن الحسين (عليه السلام) هو علم من أعلام الدين وقد أوجب الله علينا سبحانه وتعالى مودّته كما هو مقتضى الحديث الصحيح: ((أحبّ الله من أحبّ حسينا)).
قال المناوي الشافعي في “فيض القدير”: ((“حسين مني وأنا منه”، قال القاضي: كأنّه بنور الوحي علم ما سيحدث بين الحسين وبين القوم فخصّه بالذكر وبيّن أنّهما كشيء واحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة وأكّد ذلك بقوله (أحب اللّه من أحب حسيناً) فإنّ محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة اللّه)) [فيض القدير، ج3، ص513].
كما أوجب علينا إطاعته كما هو مقتضى حديث الثقلين الثابت المشهور: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)) [مختصر صحيح الجامع الصغير، للسيوطي والألباني، رقم الحديث: 1726- 2458].
قال الملا علي القاري في “المرقاة شرح المشكاة” عند شرحه لحديث الثقلين: ((والمراد بالأخذ بهم: التمسّك بمحبتهم، ومحافظة حرمتهم، والعمل برواياتهم، والاعتماد على مقالتهم)). انتهى [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج11، ص307].
وعن الدهلوي في “التحفة الاثنا عشرية”: ((هذا الحديث – أي: حديث الثقلين- ثابت عند الفريقين: أهل السنّة والشيعة، وقد علم منه أنّ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أمرنا في المقدّمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسّك بهذين العظيمين القدر، والرجوع إليهما في كلّ أمر، فمن كان مذهبه مخالفاً لهما في الاُمور الشرعية اعتقاداً وعملاً فهو ضال، ومذهبه باطل لا يعبأ به، ومن جحد بهما غوى، ووقع في مهاوي الردى)). انتهى [مختصر التحفة الاثني عشرية، ص52].
وبهذا اللحاظ تكون زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة وفي غيره من الأيام، من مصاديق تعظيم شعائر الله التي ندبنا الله سبحانه إلى تعظيمها وجعلها من علامات تقوى القلوب.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.