المستشكل = عبد الله الكابلي
الإشكال = نقرأ في القرآن قول الله: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6]. فهذه الآية تقول إن الذي بشر به عيسى من بعده هو أحمد لا محمد، لأن اسم محمد ورد صريحا في أربع آيات، فإذا كان أحمد هو رسول الله محمد، فلماذا قال أحمد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
ذُكر اسم نبي الإسلام في القرآن الكريم صريحاً في مواضع خمسة لا أربعة، الأول قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [آل عمران:144]، والثاني، قوله: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40]، والثالث، قوله: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:2]، والرابع، قوله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، والخامس، قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6].
والآية التي ذكرت أن اسمه «أحمد» هي محور السؤال أو الإشكال في نظر المستشكل، وللجواب عن هذه المسالة نقول:
إن الشخص أو أي شيء إذا عظُم أمره، وعلا شأنه؛ كثُرت أسماؤه وصفاته، ألا ترى مثلا إن عظمة السيف عند العرب، جعلتهم يضعون له العديد من الأسماء.. وكذلك الأسد والجبل والبحر.. ونحو ذلك وغيره، فما بالك بعظمة رجل مثل المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) خير خلق الله على الاطلاق؟!
وعن تسميته (صلى الله عليه وآله وسلم) بـ «أحمد» فقد جاء في كتب التأريخ أن لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اسمين منذ الطفولة، حتى أن الناس كانوا يخاطبونه بهما أحدهما «حمد» والآخر «محمد»، الأول اختاره له جده عبد المطلب، والآخر اختارته أمه آمنة. [انظر: السيرة الحلبية، ج1، ص117].
وجاء في دائرة المعارف الفرنسية المترجمة ما نصه: ((محمد مؤسس دين الإسلام ورسول الله وخاتم الأنبياء، إن معنى كلمة «محمد» تعني المحمود كثيرا وهي مشتقة من «الحمد» والتي هي بمعنى التجليل والتمجيد، وتشاء الصدفة العجيبة أن يذكر له اسم آخر من نفس الأصل «الحمد» ترادف لفظ «محمد» يعني «أحمد» ويحتمل احتمالا قويا أن مسيحي الحجاز كانوا يطلقون لفظ «أحمد» بدلا عن «فارقليطا». و«أحمد» يعني: الممدوح والمجلل كثيرا وهو ترجمة لفظ: «پيركلتوس» والذي وضع بديلا عنه لفظ «پاراكلتوس» اشتباها، ولهذا فإن الكتاب المسلمين الملتزمين قد أشاروا مرارا إلى أن المراد من هذا اللفظ هو البشارة بظهور نبي الإسلام، وقد أشار القرآن الكريم – أيضا – بوضوح إلى هذا الموضوع في سورة الصف، الآية:2)) [دائرة المعارف الكبيرة الفرنسية، ج23، ص4176].
والمعروف أن من جملة الأشخاص الذين كانوا ينادون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باسم (أحمد) هو عمه أبو طالب، حيث نجد في كتاب (ديوان أبي طالب) أشعارا كثيرة يذكر فيها الرسول الكريم بهذا الاسم كما في الأبيات التالية:
((أرادوا بقتل أحمد ظالموهم * وليس بقتله فيهم زعيم)) وقال: ((وإن كان أحمد قد جاءهم * بحق ولم يأتهم بالكذب)) [ديوان أبو طالب، ص25-29].
ولأبي طالب شعر آخر في مدح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نقله ابن عساكر في تاريخه:
((لقد أكرم الله النبي محمدا * فأكرم خلق الله في الناس أحمد)) [تاريخ ابن عساكر، ج1، ص275].
والأشعار التي ورد فيه ذكر اسم (أحمد) بدلا عن (محمد) كثيرة، ولا يوجد مجال لذكرها جميعا، ونختمها بما ورد من شعر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قال:
((أتأمرني بالصبر في نصر أحمد * ووالله ما قلت الذي قلت جازعا
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد * نبي الهدى المحمود طفلا ويافعا)). [الغدير، ج7، ص 358].
وعند تتبع الروايات التي جاءت حول معراج الرسول، نجد أن الله سبحانه قد خاطب رسول الإسلام في تلك الليلة الكريمة بـ «أحمد»، ومن هنا يمكن القول أن النبي قد اشتهر في السماء بـ «أحمد»، وفي الأرض بـ «محمد».
وجاء في حديث عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) في هذا الشأن، قوله: ((إن لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشرة أسماء، خمسة في القرآن وخمسة ليست في القرآن، فأما التي في القرآن، محمد، وأحمد، وعبد الله، ويس، ون)) [نور الثقلين، ج5، ص313، الدر المنثور، ج6، ص214]، وغير كثير من الروايات التي وردت بهذا المعنى لا يسع هذا المختصر ذكرها بأجمعها.
وروى البخاري في صحيحه أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر بعض أسمائه فقال: ((إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب)) [صحيح البخاري، ج6، 151، ح4896].
ومن الشواهد على تسميته (صلى الله عليه وآله وسلم) بـ «أحمد»، هو عدم اعتراض أهل الكتاب – وخاصة النصارى منهم – عليه من هذه الناحية، حيث لم يقولوا له: بعد سماع المشركين وسماعهم آيات سورة الصف: إن الإنجيل قد بشر بمجئ «أحمد» وأنت اسمك «محمد»، وعدم الاعتراض هذا دليل على شهرة هذا الاسم بينهم، ولو وجد مثل هذا الاعتراض لنقل لنا، خاصة أن مختلف الاعتراضات قد دونت في كتب التأريخ صغيرها وكبيرها.
ونخلص من جميع ما تقدم إلى أن اسم «أحمد» كان أحد الأسماء المعروفة لرسول الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم).. للإستزادة والتوسع في المطلب راجع تفسير الأمثل [ج18، ص292-293].
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.