تفاصيل المنشور
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 11 مشاهدة
تفاصيل المنشور
تفاصيل المنشور
إنّ ممّا يُستدَلّ به على أنّ واقعةَ كربلاء لم تخرُج عن حيّز التأثير، ولم تُطوَ في سجلِّ النسيان، ما يَظهر من حال المخالفين كلّما أقبل شهرُ محرّم، وأُقيمتِ الشعائرُ الحسينيّة، وارتفعتْ راياتُ العزاء، واستُعيدتْ ذكرى المظلوميّة الكبرى في تاريخ الإسلام.
فلو كانتِ الواقعة ـ كما يزعُمون ـ قد مضى عليها من الزمانُ ما يُوجِب نسيانَها وانقضاء أثرها، لما بقيَ في نفوسِهم عند ذِكرِها ما يبعثُ على التكدُّر والانزعاج.
إذ أنّ الحوادثَ التي زال أثرُها، لا تُثير في النفوس نفورًا، ولا تستدعي من الطباعِ رفضًا.
فالاضطرابُ الذي يعرض لهم عند رؤيةِ المآتم، والتغيُّر الذي يعتريهم عند سماع اسمِ الحسين (عليه السلام)، لا يُفسَّر في ضوء دعواهم إلّا على أحدِ وجهين:
إمّا أنّ الحادثة لا تزال حيّةً في وجدانهم على جهةٍ من البغضاء المستكنّة، فيتألّمون من تذكير الناس بها؛ لأنّها تنبِش الجرحَ الذي لا يريدونه أنْ يُفتح، وإمّا أنّ في إقامة الشعائر ما يُحرِج موقفَهم العقَديّ والتاريخيّ، ويُظهِر ما لا يرضَون كشفَه، من ميلٍ لم يُعلَن، أو سكوتٍ يُسجَّل عليهم.
وليس ذلك إلّا لأنّ في صدورهم شيئًا من العداء الدفين، وإنْ لم يُصرِّحوا به، فتكون الشعائرُ الحسينيّةُ فاضحةً لسرائرهم، كاشفةً لما انطوتْ عليه نفوسُهم من البغضاء، ويُبتلَون ـ من حيث لا يشعرون ـ بالحسين (عليه السلام)، فيكون حالُهم كحال مَن قال الله تعالى فيهم: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118].
فالحسين (عليه السلام) محنةُ المؤمنين، وبلاءُ المنافقين، وآيةٌ فارقةٌ بين أولياء الله وأعدائهم، لا يَذكرُه عبدٌ خالصُ النيّة إلّا خشع قلبُه، ولا يسمعه ذو ريبةٍ إلّا اضطربَ فؤادُه، وساءت حالُه، وإنْ تظاهرَ بالصلاح، وادّعى الإنصاف، فإنّ ذِكْر الحسين (عليه السلام) يكشف ما تكنّه الصدور، ويَمتحنُ به اللهُ سبحانه طوايا القلوب.
وعلى كلا التقديرَين، فهذا أبلغُ شاهدٍ على بقاء المصاب حيًّا في ضمير الأمّة، وديمومة آثاره في النفوس، واستمرار الحاجة إلى إظهاره، لا من جهة كونِه دمًا مهدورًا فحسب، بل من حيث هو حجّةٌ ناطقةٌ على وجوبِ التمييز بين المظلومِ والظالم، وبين مَن يُوالى ومَن يُتبرّأ منه.
فالمصيبة، ما دامت تفضح المبطلَ، وتُحرِج المنحرفَ، لم يكن في العقل وجهٌ لطيّها، ولا في الشرع مسوِّغٌ لإهمالها؛ إذ السكوت عن الظلم، مع وضوح الجناية، خيانةٌ للحقّ، واشتراكٌ ضمنيٌّ مع الجاني، وإنْ لم يُصرَّحْ به.
فدعوى انقضاء المصيبة دعوًى تُبطِلها آثارُها، وتُناقضُها أفعالُ المدّعين بها، إذ كيف يُدّعى خمودُ النار، وهي لا تزال تحرِق صدورهم عند كلّ ذكْرٍ؟!
فليُعلَمْ إذن أنّ دعوى انقضاء المصيبة دعوًى تُكذّبها آثارها، وينقضها حال من يُنكرُها، فإنّ ما لا يزول موجِبه، لا يُعقَل سقوط أثره، وما بقيَ سببُه ثبت حكمُه، فلا محلّ للغفلة عنه، ولا عذرَ في السكوت عليه.