تفاصيل المنشور
- المستشكل - راشد مكرم
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 141 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. سؤالي أولاً عن ابي الفرج الاصفهاني هل هو شيعي، وما تقييمكم لكتابه (الأغاني)؟ وإذا كان شيعياً فكيف يقول في كتابه الأغاني أن بيت سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام كان مفتوحا للشعراء والأدباء ، تجالسهم وتناقشهم وتداعبهم وتعطيهم الجوائز، وكانت لها علاقات متعددة بهم، وفي رواية رقم (17/ 42-45) من كتابه بعنوان: سُكينة تُرجع ابن سريج إلى الغناء بعد توبته. ينقل في آخر الرواية ما قالت سُكينة وهي تحلف بالبراءة من جدها رسول (صلى الله عليه وسلم)، فتقول: برئت من جدي، إن برحت داري ثلاثا، وبرئت من جدي، إن أنت لم تغنِ .. فما ردكم آجركم الله تعالى وبارك بكم؟!
المستشكل
راشد مكرم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. سؤالي أولاً عن ابي الفرج الاصفهاني هل هو شيعي، وما تقييمكم لكتابه (الأغاني)؟ وإذا كان شيعياً فكيف يقول في كتابه الأغاني أن بيت سكينة بنت الإمام الحسين عليه السلام كان مفتوحا للشعراء والأدباء ، تجالسهم وتناقشهم وتداعبهم وتعطيهم الجوائز، وكانت لها علاقات متعددة بهم، وفي رواية رقم (17/ 42-45) من كتابه بعنوان: سُكينة تُرجع ابن سريج إلى الغناء بعد توبته. ينقل في آخر الرواية ما قالت سُكينة وهي تحلف بالبراءة من جدها رسول (صلى الله عليه وسلم)، فتقول: برئت من جدي، إن برحت داري ثلاثا، وبرئت من جدي، إن أنت لم تغنِ .. فما ردكم آجركم الله تعالى وبارك بكم؟!
الأخ راشد المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
هذا الكلام الذي قاله الأصفهاني لم يثبت، بل من فيه من الافتراء على السيدة الجليلة (سكينة بنت الحسين عليهما السلام) الشيء الكثير، فقد ذكرها المؤرخون بإنّها سيدة نساء عصرها، ولا يليق بإمرأة تصدر منها هذه الأفعال – التي ذكرها الأصفهاني الأموي – أن تكون سيدة نساء عصرها.
قال ابن كثير في “البداية والنهاية”: ((كانت سكينة بنت الحسين من أحسن النساء حتى كان يضرب بحسنها المثل)) [البداية والنهاية، ج9، ص255]، وفي الأعلام للزركلي: ((سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب: نبيلة شاعرة كريمة، من أجمل النساء وأطيبهن نفساً كانت سيدة نساء عصرها)) [الأعلام، ج3، ص106].
وجاء في مستدركات النمازي أنّها كانت عقيلة قريش، ولها السيرة الجميلة، وهي ذات الفضل والفضيلة والكرم الوافر والعقل الكامل والمكارم الزاخرة والمناقب الفاخرة، وهي سيدة نساء عصرها وأجملهن وأظرفهن وأحسنهن أخلاقاً.[مستدركات علم رجال الحديث، ج8، ص580]،
إنّ السيدة سكينة عليها السلام ورثت هذه الخصال عن أبيها وجدها، كما شهد لها أبوها السبط عليه السلام بقوله: “أما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله” [لاحظ:إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار:21]. ولكن الأقلام المسمومة، والنفوس المريضة المأجورة حولت هذه المكارم إلى عكسها، هروبا من العار الذي غرق فيه آل أمية، وآل مروان، وآل الزبير، والفواحش المعشعشة في بيوتهم وبين نسائهم، وينطبق عليهم المثل: “رمتني بدائها فانسلت”.
وقد ردّ السيد الأمين هذه الدعوى في أعيان الشيعة فقال: في بعض الأخبار أنّها كانت تجالس الأجلة من قريش ويجتمع إليها الشعراء وهو باطل، وإنما كان الشعراء يجتمع على بابها فتخرج إليهم بعض جواريها وتسمع أقوالهم وتسمعهم أقوالها بواسطة جواريها وعلى لسانهن.[أعيان الشيعة، ج3، ص493].
والراوي لهذه الرواية هو الزبير بن بكّار وهو من الوضّاعين للحديث، ولم يقبل حديثه، ولا يوجد لحديثه في الصحيحين عين ولا أثر. وقال ابن أبي حاتم: رأيته ولم أكتب عنه، واعترف ابن حجر أنّ له أشياء منكرة، وجميع أفراد أُسرته معروفون بانحرافهم عن أهل البيت (عليهم السلام).. ولسوء أهوائه ونصبه الظاهر قرّبه المتوكّل العبّاسي ودرّ عليه المعاش.. فلا عجب من هذا الرجل أن يروي اجتماع الشعراء الماجنين عند سكينة بنت الحسين عليه السلام. [لاحظ: تصحيح القراءة، خالد البغدادي، ص110 – 111].
أما أبو الفرج الأصفهاني صاحب “الأغاني” الذي أورد هذه الرواية فهو مرواني أموي ينتهي نسبه إلى بنى أميّة وآل مروان، فهو علي بن الحسين بن محمد بن الهيثم بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الله بن مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الأموي، المعروف بالأصفهاني. ولد في أصفهان سنة 284 هـ، ونشأ في بغداد والكوفة.[لاحظ: الوافي بالوفيات، ج21، ص15، وغيره من كتب التراجم]، وهذه الشجرة التي ينتسب إليها الاصفهاني هي الشجرة الملعونة في القرآن التي توجه إليها اللعن كما في جملة من مصادر أهل السنّة ( تفسير السمعاني 3: 255، تفسير الرازي 20 : 237، وجاء فيه : ومما يؤكد هذا التأويل قول عائشة لمروان لعن الله أباك وأنت في صلبه فأنت بعض من لعنه الله ، تفسير الدر المنثور للسيوطي 4: 191، وجاء فيه : عن عائشة رضي الله عنها انها قالت لمروان بن الحكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأبيك وجدك انكم الشجرة الملعونة في القرآن )، وما صدر منه في كتابه “الأغاني” من إساءة وتوهين لآل محمد صلوات الله عليهم وعلى جدهم، فضلاً عن الإساءة إلى الإسلام وثوابته، يكشف بوضوح تام عن ميوله وعن دساسة العرق الذي انحدر منه.
وقد طعن علماء الشيعة الإمامية في دعوى تشيعه، قال السيد محمد باقر الخوانساري في (روضات الجنات ج٥، ص ٢٢١): ((وكان اشتهار تشيّعه بين جماعة من أصحابنا من جهة مداناة مذهب الشّيعة مع الزيديّة! ومشاركتهما في القول بانّ الإمامة غير خارجة عن الفاطميّة، وفي دعوى كلّ منها الولاية لأمير المؤمنين وعترته الهادية المهدية، أفضل الصّلاة والتّحيّة، ومن جهة اشعار يوجد بذلك في بعض كلماته وأشعاره، وكلاهما ليس بشئ يعوّل عليه في إثبات هذا المرام، حيث انّ الزيديّة إنّما صاروا منشأ تسمية الشيعة بالرافضيّة حيث رفضوا رئيسهم المذكور لما نهاهم عن الطّعن في الصحابة، ولم يظهر البراءة عن الشّيخين. وأمّا ما وجد في كلماته من المديح، ففيه أوّلا أنّه غير صريح؛ ولو سلّم ، فهو محمول على قصد التّقرّب إلى أبواب ملوك ذلك العصر، المظهرين لولاية أهل البيت عليهم السلام غالبا، والطّمع في جوائزهم العظيمة بالنّسبة إلى مادحيهم كما هو شأن كثير من شعراء ذلك الزّمان، فانّ الإنسان من عبيد الإحسان، مع إنّى تصفّحت كتاب أغانيه المذكور إجمالا، فلم ار فيه إلّا هزلا أو ضلالا أو بقصص أصحاب الملاهي اشتغالا وعن علوم أهل بيت الرّسالة اعتزالا، وهو فيما ينيف على ثمانين ألف بيت تقريبا مضافا إلى كون الرّجل من الشّجرة الملعونة في القرآن وداخلا في سلسلة بنى أميّة وآل مروان، فكيف يمكن وجود رجل من أهالي الإيمان في قوم توجّه إلى قاطبتهم الالعان، على أىّ لسان، ومن أىّ إنسان، وفي بعض كتب التّراجم نقلا عن أبي على التّنوخى انّه قال صنّف أبو الفرج لبنى اميّة أقاربه ملوك الأندلس تصانيف وسيّرها إليهم رجاء الإنعام على ذلك)). انتهى
وأما كتابه الموسوم بـ (الأغاني) فقد اشتمل على أخبار خبيثة ماجنة بحق أئمة أهل البيت عليهم السلام، فضلاً عن الطعن بالدين الإسلامي وشعائره ولا سيما الحج والصلاة، فكتابه طافح بالأخبار التي تسئ إلى مقام أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم، وتجرح سيرتهم، وتقدح في سلوكهم، وتهوِّن أمرهم، وتوهِّن شأنهم، وتجعل منهم عُشَّاقاً للهو والطرب والعبث.
فقد جاء في بعض مرويات كتابه من الطعن والفحش والبذاءة ما يعاف اللسان ذكرها، ففي الفصل الأول أورد الروايات التي تطعن وتسيء إلى الأئمة الهداة عليهم السلام من قبيل إقرار الإمام الحسين عليه السلام ليزيد على شربه الخمر في راوية (15/291). ومنها إظهار مولاتنا السيدة سكينة بنت الإمام الحسين عليهما السلام بمظهر اللاهية التي لا شغل ولا شاغل لها إلا الغناء واللهو والشعر ومجالسة الشعراء كما ورد في نص شبهة المستشكل أعلاه.
وأما طعنه في الدين وشعائر الإسلام لهو أدهى وأقبح، إذ يظهر الحج بلا أي قدسية، وكأنه تجمع للهو والطرب والغناء، أو الاستخفاف بالصلاة، كما في رواية رقم (13/326)، حيث يروي عن تجمع للسكارى يطلبون من جارية أن تأمهم في الصلاة، وكان عليها غلالة رقيقة، مطيّبة … انتهى.
وقد شانه علماء أهل السنة، منهم الخطيب البغدادي، فقد قال: (حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طباطبا العلوي، قال: سمعت أبا محمد الحسين بن الحسين بن النوبختي، كان يقول: كان أبو الفرج الأصفهاني أكذب الناس. كان يشتري شيئا كثيرا من الصحف: ثم تكون كل رواياته منها).
وقال الحموي في معجمه: ((وقد تأملت هذا الكتاب وعنيت به وطالعته مرارا وكتبت منه نسخة بخطّي في عشر مجلدات، ونقلت منه إلى كتابي الموسوم ب «أخبار الشعراء» فأكثرت، وجمعت تراجمه فوجدته يعد بشيء ولا يفي به في غير موضع منه، كقوله في أخبار أبي العتاهية: «وقد طالت أخباره هاهنا وسنذكر خبره مع عتبة في موضع آخر» ولم يفعل. وقال في موضع آخر: «أخبار أبي نواس مع جنان إذ كانت سائر أخباره قد تقدّمت» ولم يتقدم شيء، إلى أشباه لذلك)) [معجم الأدباء، ياقوت الحموي، ج4، ص1708]
وجاء عن ابن الجوزي: ((… ومثله لا يوثق بروايته، ويصرّح في كتبه بما يوجب عليه الفسق، ويهوّن شرب الخمر وربما حكي ذلك عن نفسه، ومن تأمل كتاب الأغاني رأى كل قبيح ومنكر)) [المنتظم في تاريخ الملوك والأمم للإمام، ج14، ص185].
وقال الذهبي: ((صاحب الأغاني العلامة الأخباري أبو الفرج … وكان وسخا زريا، وكانوا يتقون هجاءه)) [سير أعلام النبلاء، ج 16، ص202]، وقال أيضاً: ((علي بن الحسين أبو الفرج الأصبهاني، الأموي، صاحب كتاب الأغاني … يأتي بأعاجيب بحدثنا وأخبرنا)) [ميزان الاعتدال، ج5، ص151، ولاحظ: لسان الميزان، لابن حجر، ج4، ص221].
ودمتم سالمين.