مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

دعوى أن الكوفة أو العراق كله كان شيعيا يوم قتل الحسين (ع)

تفاصيل المنشور

السؤال

يقول زين العابدين: أتنوحون وتبكون من أجلنا؟ فمن الذي قتلنا؟ يقول محسن الأمين: بايع الحسين عشرون ألفا من أهل العراق، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه. {أعيان الشيعة 34:1}. والصريح بأن هؤلاء شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين!! بدليل أن الكوفة، بل العراق كله يومذاك كان شيعياً فماذا بعد الحق الا الضلال.

السائل

مرام الحديدي

تفاصيل المنشور

السؤال

يقول زين العابدين: أتنوحون وتبكون من أجلنا؟ فمن الذي قتلنا؟ يقول محسن الأمين: بايع الحسين عشرون ألفا من أهل العراق، غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم وقتلوه. {أعيان الشيعة 34:1}. والصريح بأن هؤلاء شيعة الحسين هم الذين قتلوا الحسين!! بدليل أن الكوفة، بل العراق كله يومذاك كان شيعياً فماذا بعد الحق الا الضلال.

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
لم يقل السيد الأمين في عبارته هذه أن شيعته هم الذين قتلوه، بل قال بايعه كذا عدد من أهل العراق فلما أقدم إليهم قتلوه، ولا يلزم أن يكون هؤلاء من شيعته، والدليل على أن هؤلاء ليسوا من شيعته أنه (عليه السلام) خاطبهم بشكل صريح وقال لهم: يا شيعة أبي سفيان.. وهو (عليه السلام) أعرف من غيره بالذين خرجوا عليه، والبحوث التاريخية تؤكد أن الكوفة يوم قدوم الحسين (عليه السلام) لم يكن فيها من شيعته إلاّ القليل، وقد زجهم ابن زياد في السجون، لمنعهم من نصرة الحسين (عليه السلام).
إنّ الذين قاتلوا الإمام الحسين (عليه السلام) هم شيعة أبي سفيان وليسوا من شيعة علي عليه السلام، والدليل هو قول الإمام الحسين عليه السلام في الواقعة ذاتها، وهو أعرف بمن خرج عليه، حين خاطب مقاتليه وقال لهم: ((ويحكم يا شيعة أل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه، وارجعوا الى أحسابكم ان كنتم عرباً كما تزعمون)). [مقتل الحسين للخوارزمي، ج2، ص38].
ويشهد لهذا الكلام ابن تيمية في “منهاج السنّة النبوية ” [ج4، ص368]، الذي صرّح بأنّ قاتلي الإمام الحسين (عليه السلام) هم من النواصب.
وتصريح القوم بأنهم يقاتلونه بغضا لأبيه، دليل صارخ على عدم تشيعهم: ((إنا نقتلك بغضا لأبيك). [ينابيع المودة، ج3، ص80].. بل خطابهم لبرير الهمداني (من أصحاب الحسين عليه السلام) حين خاطبهم قائلا: ((… وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابه قد حيل بينه وبين ابن رسول الله)، فقالوا: ((يا برير قد أكثرت الكلام فاكفف، والله ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله)). ويقصدون بذلك عثمان بن عفّان!!
وبديهي أن مثل هذا الجواب لا يصدر من شيعي قط.
وشهادة ابن كثير في ” البداية والنهاية ” بأن ّالذين خرجوا مع الإمام الحسين (عليه السلام) في أوّل أمره ستين رجلا فقط من أهل الكوفة وكانوا من شيعته وقتلوا معه.
قال: ((وبعث أهل العراق إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجها إليهم في أهل بيته وستين شخصا من أهل الكوفة صحبته، وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة)). [البداية والنهاية، ج 8، ص178].
ثم قال في الجزء نفسه، [ص 208]: ((قال هشام: فحدثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، عن أبيه، عن الغاز بن ربيعة الجرشي من حمير. قال: والله إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس فدخل على يزيد، فقال له يزيد: ويحك ما وراءك؟ فقال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك ونصره، ورد علينا الحسين بن علي بن أبي طالب وثمانية عشر من أهل بيته، وستون رجلا من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال، فغدونا إليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى أخذت السيوف مأخذها من هام القوم)). انتهى
ولم يثبت تاريخيا بأن أحدا من الخارجين لحرب الحسين عليه السلام كأمثال عمر بن سعد وشبث بن ربعي وحصين بن نمير ونحوهم كانوا من شيعة عليّ (عليه السلام)، بل النصوص تدل على أنهم من جمهور المسلمين.
قد يقال: هم كانوا محكومين تحت أمرة أمير المؤمنين عليه السلام أيام حكمه؟
فنقول: ليس بالضرورة ان كل من يكون محكوما بإمرته عليه السلام أو صلى خلفه شيعيا، بل قد يكون يراه خليفة للمسلمين حاله حال بقية الخلفاء، والإمام عليه السلام بهذا الاعتبار مقبول عند الجميع.
كما أن الكوفة لم تكن كلها يومذاك شيعية، كما يتصور البعض، قياسا على واقعها اليوم، بل الشيعة فيها – كما ذكر بعضهم – يمثّلون سبع سكّانها، أي بحدود (15) ألف شخص حسب نقل التأريخ، وقد زج حدود (12) ألف في السجون بأمر زياد بن أبيه، وقسم منهم أعدموا، وقسم منهم سفّروا الى الموصل وخراسان، وقسم منهم شرّدوا، وقسم منهم حيل بينهم وبين الحسين (عليه السلام) مثل بني غاضرة، وقسم منهم استطاعوا أن يصلوا الى الحسين (عليه السلام).
فها هو الطبراني في [المعجم الكبير، ج 3، ص 68]، ينقل بإسناد صحيح، كما يثبت ذلك الهيثمي في [مجمع الزوائد، ج6، ص295]، بأنّ زياد بن أبيه كان يتتبع الشيعة في الكوفة فيقتلهم فبلغ ذلك الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) فدعا عليه.
وقد شهد ابن تيمية بأنّ مجتمع الكوفة لم يكن كلّه شيعة لعلي (عليه السلام)، فقال بصريح العبارة: ((وكانت الكوفة بها قوم من الشيعة المنتصرين للحسين، وكان رأسهم المختار بن أبي عبيد الكذاب، وقوم من الناصبة المبغضين لعلي رضي الله عنه وأولاده، ومنهم الحجاج بن يوسف الثقفي)). [منهاج السنّة النبوية، ج8، ص554].
والتاريخ يخبرنا عن حصول تغير ديموغرافي في الكوفة قام به عبيد الله بن زياد قبل مجيء الإمام الحسين (عليه السلام) إليها ، فقد جاء في [تاريخ الشعوب الإسلامية، ل كارل بروكلمان، ص 123]: ((حتى إذا توفي المغيرة سنة 670 م ، صار زياد أميرا على البصرة والكوفة جميعا ، وكان من تقاعس سلفه وضعفه أن أقدم أتباع علي على ثورة مسلحة جاءت فرصة سانحة لزيادة تصفية الحساب مع العلويين مرّة وإلى الأبد ، وبعد أن أخمد زياد هذه الثورة دونما جهد كبير ، حلّ منظمات المقاتلين القبلية السابقة وأعاد تنظيمهم في جماعات أربع على رأس كلّ منها رجل من الموالين للبيت الأموي ، ثم أنّه أنزل الكوفيين – كانوا أعظم الثوار تشيعا – وأسرهم ، وعددا كبيرا من البدو يبلغون الخمسين ألفا ، في خراسان ، المقاطعة الفارسية الشرقية)).
فدعوى أن الكوفة أو العراق كله كان شيعيا آنذاك هي دعوى باطلة، لا دليل عليها، بل الشواهد والنقل التاريخي على خلافها.
ومن هنا نقول: هذه الشبهة هي أوهن من بيت العنكبوت عند التتبع لها، وحتى لو فرضنا جدلا – وفرض المحال ليس بمحال – بأن شخصا كان شيعيا ثم رفع السيف بوجه إمامه وقاتله فهل يسمى بعد ذلك شيعيا ومواليا؟؟!! من الواضح جدّا أن صفة التشيع ستنسلخ عنه؛ لأنّ العقيدة تدور مدار الإيمان بها وتطبيقها، فإذا خالفها الإنسان لا يكون من أهلها.. ولكن الجاهلين في غيهم يعمهون.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.