تفاصيل المنشور
- السائل - الموسوي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 739 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هناك إشارات بأن اتصال الوحي بالأنبياء والرسل في المرات الأولى له وقع شديد على أنفسهم، قد يحاول البعض منهم أن يتشبث ببشربته فتظهر عليه أعراض الخوف والقلق، كما حدثنا لقرآن عن سيدنا موسى في قوله (جل شأنه): (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) (القصص:30-31)، وقوله (تعالى): (وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (النمل:10)، وقوله (تعالى) بعد استقرار النبوة له وعرض الاختبار مع سحرة فرعون: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى) (طه:65-68)، فهل يتعارض هذا مع إيمان النبي بنبوته وإدراكه لحقيقة ما يوحى إليه، وبشريته التي يعرفها كذلك?
السائل
الموسوي
هناك إشارات بأن اتصال الوحي بالأنبياء والرسل في المرات الأولى له وقع شديد على أنفسهم، قد يحاول البعض منهم أن يتشبث ببشربته فتظهر عليه أعراض الخوف والقلق، كما حدثنا لقرآن عن سيدنا موسى في قوله (جل شأنه): (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ) (القصص:30-31)، وقوله (تعالى): (وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (النمل:10)، وقوله (تعالى) بعد استقرار النبوة له وعرض الاختبار مع سحرة فرعون: (قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى * فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى) (طه:65-68)، فهل يتعارض هذا مع إيمان النبي بنبوته وإدراكه لحقيقة ما يوحى إليه، وبشريته التي يعرفها كذلك?
الأخ الموسوي المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الجنبة البشرية لا تنفك عن الأنبياء وإلا لم يكونوا مؤهلين لأن يكونوا رسلا بين الله سبحانه والبشر ، يقول تعالى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ }سورة الأنعام : 9.
فالجنبة البشرية لا بدّ منها في سنخ خلق الأنبياء ، إضافة للجنبة النورانية التي تؤهلهم للإتصال بالوحي وعالم الملكوت .
يبقى الكلام عن خوف الأنبياء الوارد ذكره في القرآن الكريم ، فالملاحظ عليه أنّه خوف ايجابي ، فقوله تعالى مثلا : { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِه خِيفَةً مُوسى }سورة طه : 67 ، اتفقت كلمة أهل التحقيق على أنّ خوفه ( عليه السلام ) لم يكن لشكّه بنصر الله له بل كان خوفه على الناس أن تضلّ نتيجة ما رأه من مكر السحرة وكيدهم .
قال تعالى : { قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ( 66 )
فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ( 67 ) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ( 68) }(سورة طه )
جاء في ” متشابه القرآن ومختلفه ” لابن شهر آشوب : (( « فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى » إنه لم يخف إلا من قوة التلبيس وبالتخيل ما أشفق عنده من وقوع الشبهة على من لم ينعم النظر ولا يقتضي شكه في ما أتي به فآمنه الله من ذلك وبين أن حجته يتضح للقوم بقوله ( لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى ) يوافقه قول أمير المؤمنين عليه السلام لم يوجس موسى خيفة على نفسه أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال )). ( متشابه القرآن ومختلفه 1: 241)
وجاء في ” التفسير الكاشف ” للشيخ مغنية : (( ( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ) . قال أكثر المفسرين أو الكثير منهم :
أنَّ موسى خاف على نفسه كما هو مقتضى الطبيعة البشرية . . والصحيح أنّه ما خاف على نفسه ، كيف وهو يعلم أنّ السحرة مفترون ، وأنّ اللَّه قال له ولأخيه :
إنّي معكما ، وإنّما خاف موسى أن يلتبس الأمر على الناس ، وينخدعوا بأباطيل السحرة ( قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلى ) ، لا تخف ان يلتبس الحق على الناس )). ( التفسير الكاشف 5: 229)
وجاء في تفسير “الأمثل” للشيخ مكارم الشيرازي : (( في هذه الأثناء فأوجس في نفسه خيفة موسى وكلمة ” أوجس ” أخذت من مادة ( إيجاس ) وفي الأصل من ( وجس ) على وزن ( حبس ) بمعنى الصوت الخفي ، وبناء على هذا فإن الإيجاس يعني الإحساس الخفي والداخلي ، وهذا يوحي بأن خوف موسى الداخلي كان سطحيا وخفيفا ، ولم يكن يعني أنه أولى اهتماما لهذا المنظر المرعب لسحر السحرة ، بل كان خائفا من أن يقع الناس تحت تأثير هذا المنظر بصورة يصعب معها إرجاعهم إلى الحق .
أو أن يترك جماعة من الناس الميدان قبل أن تتهيأ الفرصة لموسى لإظهار معجزته ، أو أن يخرجوهم من الميدان ولا يتضح الحق لهم ، كما نقرأ في خطبة الإمام علي ( عليه السلام ) الرقم ( 6 ) من نهج البلاغة : ” لم يوجس موسى ( عليه السلام ) خيفة على نفسه ، بل أشفق من غلبة الجهال ودول الضلال ” )). ( الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل 10: 28)
وعن الفخر الرازي في ” تفسيره ” : (( وروى عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه خيل إلى موسى عليه السلام أن حبالهم وعصيهم حيات مثل عصا موسى ، فأوحى الله عز وجل إليه * ( أن ألق عصاك ) قال المحققون : إن هذا غير جائز ، لأنه عليه السلام لما كان نبياً من عند الله تعالى كان على ثقة ويقين من أن القوم لم يغالبوه ، وهو عالم بأن ما أتوا به على وجه المعارضة فهو من باب السحر والباطل ، ومع هذا الجزم فإنه يمتنع حصول الخوف .
فإن قيل : أليس أنه تعالى قال : * ( فأوجس في نفسه خيفة موسى ) ( طه : 67 ) .
قلنا : ليس في الآية أن هذه الخيفة إنما حصلت لأجل هذا السبب ، بل لعله عليه السلام خاف من وقوع التأخير في ظهور حجة موسى عليه السلام على سحرهم .
ثم إنه تعالى قال في صفة سحرهم : * ( وجاؤا بسحر عظيم ) )). ( تفسير الرازي 14: 203)
وعن ابن كثير في ” تفسيره ” : (( وقوله ” فأوجس في نفسه خيفة موسى ” أي
خاف على الناس أن يفتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقى ما في يمينه ، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ألق ما في يمينك يعني عصاك فإذا هي تلقف ما صنعوا وذلك أنها صارت تنينا عظيما هائلا ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته والسحرة والناس ينظرون )). ( تفسير ابن كثير 3: 166)
والنتيجة : أنّ هذا الخوف المشار إليه في الآيات الكريمة – كما يذهب إليه أهل التحقيق – هو خوف ايجابي ، غايته الحرص على دين الناس وخشية ضلالهم ، لا الخوف السلبي الذي يرجع إلى عدم الثقة بالله وخذلانه لأنبيائه – والعياذ بالله – .
ودمتم سالمين.