مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

خليفة بايع نفسه وباركته السيوف!!‏

تفاصيل المنشور

السؤال

يقول المؤرخون أنّ خلافة معاوية بن أبي سفيان كانت أمرًا واقعًا لا مجال ‏لإنكاره، حيث إنّ عليًّا (رض) بعد معركة صفّين أقرّ له بولاية الشام، وإنّ الحسن بن علي ‏‏(رض) صالحه وتنازل له عن الحكم تسع سنوات، وإنّ الحسين (رض) عاش تلك الحقبة دون ‏أن يُعلن اعتراضًا عليه، ثم إنّ معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد قبل وفاته بأربع سنواتٍ ولم يُنقل ‏أنّ أحدًا من كبار الصحابة أو أهل البيت رفض ذلك. فما الجدوى من إعادة الخوض في شرعية ‏خلافته بعد مرور القرون؟ ولماذا يتحوّل هذا الموضوع التاريخي إلى قضية معاصرة تُثير ‏الخلاف بين المسلمين؟ وهل من الصواب أن نبقى أسرى لصراعاتٍ مضت، بدل أن نوجّه ‏اهتمامنا إلى حاضر الأمة ومستقبلها؟!‏

السائل

عبد اللطيف

تفاصيل المنشور

السؤال

يقول المؤرخون أنّ خلافة معاوية بن أبي سفيان كانت أمرًا واقعًا لا مجال ‏لإنكاره، حيث إنّ عليًّا (رض) بعد معركة صفّين أقرّ له بولاية الشام، وإنّ الحسن بن علي ‏‏(رض) صالحه وتنازل له عن الحكم تسع سنوات، وإنّ الحسين (رض) عاش تلك الحقبة دون ‏أن يُعلن اعتراضًا عليه، ثم إنّ معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد قبل وفاته بأربع سنواتٍ ولم يُنقل ‏أنّ أحدًا من كبار الصحابة أو أهل البيت رفض ذلك. فما الجدوى من إعادة الخوض في شرعية ‏خلافته بعد مرور القرون؟ ولماذا يتحوّل هذا الموضوع التاريخي إلى قضية معاصرة تُثير ‏الخلاف بين المسلمين؟ وهل من الصواب أن نبقى أسرى لصراعاتٍ مضت، بدل أن نوجّه ‏اهتمامنا إلى حاضر الأمة ومستقبلها؟!‏

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، ‏وهُداة الأنام.‏
إنّ القولَ بشرعيةِ خلافةِ معاويةَ بنِ أبي سفيان قولٌ لا أصلَ له في النقل، ولا يقبله عقل، بل هو ‏من الأباطيل التي روّجتها السياسةُ الأمويةُ لتبرير سلطانها وجبروتها. فإنّ الإمامةَ ليست مقامًا ‏دنيويًا يُنال بالغلبة أو الحيلة، وإنما هي منصبٌ إلهيٌّ يُنصَّب فيه الإمامُ من قِبَلِ اللهِ تعالى على ‏لسانِ نبيّه (صلى الله عليه وآله)، كما نصّ على ذلك في يومِ الغدير بقوله: ((من كنت مولاه فهذا ‏عليٌّ مولاه))، وقد شهد كثيرٌ من علماء أهل السنة بدلالة هذا الحديث المتواتر على التنصيب، ‏منهم الإمام الغزالي الذي قال في كتابه “سر العالمين”، ما نصه: ((لكن أسفرت الحجة وجهها، ‏وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع، وهو يقول: من ‏كنت مولاه فعلي مولاه. فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن، لقد أصبحت مولاي وولي كل مؤمن ‏ومؤمنة. فهذا تسليم ورضى وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة، وحمل عمود ‏الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح ‏الأمصار؛ سقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ‏ثمنًا قليلًا)) ‏[سر العالمين الموجود ضمن رسائل الإمام الغزالي، ص483]‏.‏
فكلّ من نازع الإمامَ المنصوصَ عليه كان باغيًا خارجًا عن الطاعة، ولا تُكسبه الغلبةُ شرعيةً، ‏ولا تُسقط عن الإمام ولايتَه.‏
وأما ما نُقل من أنّ أميرَ المؤمنين عليًّا (عليه السلام) أقرّ لمعاويةَ بولايةِ الشام، فدعوى لا شاهدَ ‏عليها، بل الثابتُ خلافُها؛ فقد كان معاويةُ ـ منذ أيّام عثمان ـ والياً متمرّدًا لا يخضع لأمرِ الخليفةِ ‏الحقّ، واستمرّ في تمرّده بعد تولّي الإمامِ عليٍّ (عليه السلام) منصبَ الخلافة، وقد جرت بينهما ‏وقعةُ صفّين، ولم يثبت في المصادر المعتبرة عند المسلمين جميعًا أنّ الإمام أقرّه على ولايةٍ أو ‏سلطةٍ بعد التحكيم، بل ظلّ يرى خروجه محضَ بغيٍ على الإمام المفترضِ الطاعة، حتى ‏استُشهد الإمامُ (عليه السلام) وهو في جهادِ أهلِ البغي.‏
وأمّا صلحُ الإمامِ الحسنِ (عليه السلام) فليس فيه أدنى اعترافٍ بشرعيةِ معاوية، بل كان صلحًا ‏اضطراريًّا لحقنِ الدماءِ وصَونِ بيضةِ الإسلام، تمامًا كما صالحَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) ‏قريشًا يومَ الحديبية، لا لأنّهم على حقٍّ، بل اتقاءً للفتنة. وقد نصّت بنودُ الصلح على ألّا يُسمّى ‏معاويةُ بأميرِ المؤمنين، وأن تعودَ الخلافةُ إلى الإمامِ الحسن (عليه السلام) بعد موته، وأن لا ‏يتعرّضَ لأحدٍ من شيعةِ عليٍّ (عليه السلام). وكلّها بنودٌ نقضها معاويةُ بلسانه، إذ قال على ‏المنبر: ((يا أهل الكوفة أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحجِّ؟ وقد علمت أنَّكم تصلّون ‏وتزكّون وتحجّون، ولكنّني قاتلتكم لأتأمّر عليكم وعلى رقابكم… وكلُّ شرطٍ شرطته فتحت قدميَّ ‏هاتين)) [شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج١٦، ص١٥‏]، فبكلمتِه هذه أسقطَ بنفسِه كلَّ ‏دعوى شرعيةٍ لخلافته.‏
وأمّا الإمامُ الحسينُ (عليه السلام)، فلم يكن ساكتًا عن الباطل، بل صبرَ على جَورِ معاويةَ تقيّةً ‏وصَونًا لدماءِ المؤمنين، حتى إذا هلك معاويةُ وورّث الحكمَ لابنه الفاسق يزيد، فصدعَ الإمامُ ‏بالحقّ، وأبانَ للعالم أنّ ما كان عند بني أُميّة لم يكن خلافةً راشدة، بل مُلكًا عَضوضًا قائمًا على ‏القهرِ والظلم.‏
وأمّا ما يُقال من أنّ الصحابةَ أو آلَ البيت سلّموا لمعاوية، فباطلٌ كذلك؛ إذ لم يُسلّم أحدٌ منهم ‏بشرعيته قط، وإنما سكتَ بعضُهم اضطرارًا أو خوفًا أو تقيّةً، وليس السكوتُ دليلًا على الرضا، ‏فإنّ الحقَّ لا يُبطَلُ بالسكوت، ولا يُثبَتُ بالرهبة.‏
والنتيجةُ، أنّ خلافةَ معاوية كانت خلافةَ تغلّبٍ لا خلافةَ نصٍّ ولا شورى، وقد انقلبت فيها ‏موازين الحقّ، وصارت وسيلةً للملك لا وسيلةً للهداية.‏
وأمّا الولايةُ التي يتمسّك بها الشيعةُ الإماميةُ الاثنا عشرية، فهي منصبٌ إلهيٌّ ثابتٌ لا تُبطله ‏الظروفُ السياسية، لأنّ الإمامَ المنصوصَ عليه وليٌّ للهِ وإن غُصِبَ سلطانُه، كما قال تعالى: ‏‏{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} ‏‏[المائدة:55]، وهي من الآيات التي أجمع المفسّرون – من السنة والشيعة – على نزولها في أمير ‏المؤمنين (عليه السلام).‏
وليس الحديثُ عن شرعيةِ الخلافة والولاية نزاعًا على أمواتٍ مضَوا، بل هو دفاعٌ عن الحقِّ ‏الذي بُدّل، وعن مبدأِ العدلِ الذي أُهدِر، إذ من شرّع لبني أُميّة بالأمس يشرّع اليومَ لكلّ طاغيةٍ ‏باسم الغلبة، فالقضيةُ ليست طائفية، بل هي قضيةُ دينٍ وعدلٍ وحقٍّ ثابتٍ لا يتبدّل بتبدّل الزمان.‏
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ‏المعصومين المنتجَبين.‏