تفاصيل المنشور
- السائل - أيامًا معدودات
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 125 مشاهدة
تفاصيل المنشور
لديَّ سؤالٌ حول الرسول (صلى الله عليه وآله) هو: من هي مرضعته؟ وإذا كانت حليمة السعدية فهل صحيح ما قيل عنها: إنها كانتِ امرأةً جاهلية؟ وهل النبيُّ يحتاج لمرضعةٍ دون أمِّه؟ إنْ أمكنكُم الإجابة عقليًّا ونقليًّا بما هو كافٍ ووافٍ. جزاكم اللهُ خيرَ الجزاء، وأشكر حضرتكم، وأرجو المعذرة منكم.
السائل
أيامًا معدودات
لديَّ سؤالٌ حول الرسول (صلى الله عليه وآله) هو: من هي مرضعته؟ وإذا كانت حليمة السعدية فهل صحيح ما قيل عنها: إنها كانتِ امرأةً جاهلية؟ وهل النبيُّ يحتاج لمرضعةٍ دون أمِّه؟ إنْ أمكنكُم الإجابة عقليًّا ونقليًّا بما هو كافٍ ووافٍ. جزاكم اللهُ خيرَ الجزاء، وأشكر حضرتكم، وأرجو المعذرة منكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمدٍ وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
إنَّ كون السيدة حليمة السعدية مرضعةَ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من المسلَّمات التاريخية، وقد صرَّحت بذلك مصادرُ المسلمين – سُنّةً وشيعة – الحديثيّة والتاريخية والكلامية.
فقد جاء في “التنبيه والإشراف”: ((ودُفع عليه الصلاة والسلام إلى حليمة بنت أبي ذؤيب ، وهو عبدُ الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رَزام بن ناصرة بن فُصَيّة بن نصر بن سعد بن بكر ابن هوازن لترضعَه، فأرضعتْه بلبن بنيها عبد الله والشيماء وأنيسة بني الحارث بن عبد العزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فُصَيَّة بن نصر بن سعد بن بكر… وكان مقامه صلى الله عليه وسلم مسترضَعًا فيهم أربعَ سنين ، فلما كان في السنة الخامسة ردَّته حليمة إلى أمِّه آمنة ، فلما كان في السنة السابعة من مولدِه أخرجتْه أمُّه إلى أخوالِ جدِّه عبد المطلب بن هاشم من بني عديّ بن النجار بالمدينة، يزورهم)) [التنبيه والأشراف، للمسعودي، ص١٩٦- ص١٩٧].
وقال أبو الفتح الكراجكي (تـ 449هـ)، في “كنز الفوائد”: ((… وشرَّف الله تعالى حليمةَ بنت أبي ذؤيب السعدية برضاعِه، وخصَّها بتربيته، وكانت ذاتَ عقلٍ وفضلٍ، فروتْ من آياته ما يبهر عقول السامعين، وأغناها اللهُ ببركته في الدنيا والدين، وكان لا يرضَع إلا من ثديها اليمين…)) [كنز الفوائد، لأبي الفتح الكراجكي، ج١، ص١٦٧].
وقال الشيخ الطبرسي (تـ 548هـ)، في “إعلام الورى”: ((… في ذكر قراباته من جهة أمِّه من الرضاعة صلوات الله عليه وآله. لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرابةٌ من جهة أمِّه إلا من الرضاعة، فإن أمَّه آمنة بنت وهب لم يكن لها أخٌ ولا أختٌ، فيكون خالًا له أو خالة… وكان له خالةٌ من الرضاعة يقال لها: سلمى، وهي أختُ حليمة بنت أبي ذؤيب. وله أخوات من الرضاعة)) [إعلام الورى بأعلام الهدى، للشيخ الطبرسي، ج١، ص٢٨٥].
وجاء في “الخرائج والجرائح”: ((أنه لما وُلد النبيُّ صلى الله عليه وآله قدِمتْ حليمة بنت أبي ذؤيب في نسوةٍ من بني سعد بن بكر تلتمس الرُّضَعاء بمكة، قالت: فخرجتُ معهنَّ على أتانٍ، ومعي زوجي… لم تبقَ منّا امرأةٌ إلا عُرِض عليها محمدق صلى الله عليه وآله… وأقبل ثدياي باللبن حتى أرويته)) [الخرائج والجرائح، قطب الدين الراوندي، ج١، ص٨١].
وقال الشيخ البحراني (تـ 605هـ)، في المختصر: ((وأرضعتْه امرأةٌ من بني سعدٍ، وهي : حليمة السعدية ، فلما شبَّ عليه السّلام، وسعى ردّته حليمة إلى أمّه…)) [مختصرٌ في تعريف أحوال سادة الأنام – النبي والاثني عشر إمام -، للبحراني، ص٢٨].
وعن المشغري العاملي (تـ 664هـ)، في “الدرِّ النظيم”، قال: ((… أرضعتْه حليمة السعدية، فلبثت فيهم خمس سنين، وكانت أرضعتْ قبله حمزة، وبعده أبا سلمة المخزومي…)) [الدر النظيم، للمشغري العاملي، ص٥٩].
وجاء في “العُدد القويَّة”، للمطهَّر الحلِّي، أنه قال: ((… أرضعتْه حليمة السعدية، فلبث فيهم خمس سنين، وكانت أرضعتْ قبله حمزة، وبعده أبا سلمة المخزومي)) [العُدد القوية لدفع المخاوف اليومية، للحلي، ص١٢٢].
وجاء في “سفينة البحار”: ((أنّ حليمة بنت أبي ذويب جاءت إلى مكّة تلتمس الرضيع، فمنّ اللّهُ عليها بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وآله وسلم، فأخذتْه، فحصل لها من البركة ما لا يُحصى…)) [سفينة البحار، الشيخ عباس القمي، ج٢، ص٣٢٥].
ونحوهم غيرهم، مما لا يسَع هذا المختصر ذكرَ نصوصهم.
وأما السؤال عن صحة ما قيل: بأن السيدة حليمة السعدية كانت امرأة جاهلية!!
فجوابه: أن الجاهلية هي حال العرب قبل الإسلام، وكانت تتّسم بالضلالة والجهالة والوثنية والعصبية القبلية، إلا أنّ هناك فئةً لا يُستهان بها من الحُنفاء الذين كانوا على ملّةِ إبراهيم (عليه السلام)، وكانوا يعتزلون عبادةَ الأصنام؛ لذلك لا يمكن القول بأن السيدة حليمة كانت امرأة جاهلية؛ إذ لا يوجد دليلٌ يثبت ذلك، بل يمكن القول: إنها كانت على دينِ إبراهيم الخليل (عليه السلام)، ويؤيِّد ذلك اختيارُ عبد المطَّلب لها لإرضاع حفيده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، إذ لا يُعقل أنْ يُرسل وراء امرأةٍ مشركة من ثقيف، في حين كان هو رأس المتديِّنين الإبراهيميّين آنذاك، هذا، ناهيك عن صلة نسبها بإبراهيم الخليل (عليه السلام)، فقد أشار الكجوري في “الخصائص” إلى صلة نسب حليمة السعدية بإبراهيم الخليل (عليه السلام)، في سياقِ بيان ما أصاب عبد المطلب من همٍّ وغمٍّ لمّا لم يجدْ مرضعةً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: ((فخرج عبد المطلب مهمومًا، وقعد عند سِتار الكعبة، ورأسُه بين ركبتَيه، كأنّه امرأةٌ ثكلى، وإذا بعقيل بن أبي وقّاص، وقد أقبل، وهو شيخُ قريش وأسَنُّهم، فلمّا رأى عبد المطّلب مغمومًا.. قال: يا أبا الحارث، إنّي لأعرف في أربعةٍ وأربعينَ صنديدًا من صناديد العرب امرأةً عاقلةً، هي أفصح لسانًا، وأجملُ وجهًا، وأشرفُ حسبًا ونسبًا، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب، ينتسبُ نسبها إلى إبراهيم الخليل…)) [الخصائص الفاطمية، ج٢، للكجوري، ص١١٣].
إذًا، ما قيل عن أنّ السيدة حليمة السعدية كانت امرأةً جاهلية، قولٌ غير صحيح؛ إذ لا دليلَ يثبت أنها كانت تعبُد الأوثان، ولو كان كذلك لظهر، وبان.
فتحصَّل مِن جميعِ ما تقدَّم:
أن حليمة السعدية مرضعةُ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو أمرٌ متفَقٌ عليه بين المسلمين سُنةً وشيعة، صرَّحتْ بذلك مصادرُهم، منها: “التنبيه والأشراف” للمسعودي، و”الخرائج والجرائح” للراوندي، و”إعلام الورى” للطبرسي، و”كنز الفوائد” للكراجكي، و”سفينة البحار” للقمي، و”مختصرٌ في تعريف أحوال سادة الأنام” للبحراني، و”العُدد القوية” للحلّي، و”الدرّ النظيم” للمشغري، وغيرها.
ولا يوجد دليلٌ على أنّ حليمة السعدية كانت امًرأة جاهليةً، وتعبُد الأوثان، بل تشير بعض الروايات إلى أنها كانتْ على دين إبراهيم (عليه السلام)، ويَدعم ذلك اختيارُ عبد المطلب لها لإرضاع حفيده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ناهيك عن صلةِ نسبِها بإبراهيم الخليل (عليه السلام) كما ذكرها الكجوري في “الخصائص”.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.