مركز الدليل العقائدي

حكمُ الإمام المهديّ بحكم داودَ جزءٌ من شريعة رسول الله

تفاصيل المنشور

الاشكال

جاء في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بالسند الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام، ‏قال: سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا – يعني مسجد مكة – إلى أن تقول الرواية.. ‏فيبعث الله تبارك وتعالى ريحًا، فتنادي بكل وادٍ: هذا المهديُّ يقضي بقضاء داود وسليمان (عليهما ‏السلام). فكيف يقضي بقضائهما دون قضاء الشريعة المحمدية، شريعة رسول الله صلى الله عليه ‏وآله، أ لا تُحسب هذه الرواية من الروايات المدسوسة؟

المستشكل

طالب علم

تفاصيل المنشور

الاشكال

جاء في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بالسند الصحيح عن الإمام الصادق عليه السلام، ‏قال: سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا – يعني مسجد مكة – إلى أن تقول الرواية.. ‏فيبعث الله تبارك وتعالى ريحًا، فتنادي بكل وادٍ: هذا المهديُّ يقضي بقضاء داود وسليمان (عليهما ‏السلام). فكيف يقضي بقضائهما دون قضاء الشريعة المحمدية، شريعة رسول الله صلى الله عليه ‏وآله، أ لا تُحسب هذه الرواية من الروايات المدسوسة؟

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..‏
نستعرض الرواية المشار إليها في السؤال بتمامها، فقد روى الشيخ الصدوق (ره) في “كمال الدين وتمام النعمة” بسنده ((عن أبان بن تغلب، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر ‏رجلًا – يعني مسجد مكة – يعلم أهل مكة أنه لم يلِدهم آباؤهم ولا أجدادهم، عليهم السيوف، مكتوبٌ ‏على كل سيف كلمةٌ تفتح ألف كلمة، فيبعث الله تبارك وتعالى ريحًا فتنادي بكل وادٍ: هذا ‏المهدي، يقضي بقضاء داود وسليمان عليهما السلام، ولا يريد عليه بينة))‎ [كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق، ص٧٠١‏].
ويرى العلامة المجلسي (قدس سره) أن هذا الحديث موثق. [مرآة العقول، ج4، ص300].
وبغض النظر عن صحة سند الرواية من عدمها، فقد وردت جملةٌ من الروايات تحمل ذات المضمون ‏الذي تُفيده الرواية، وجميعها تشير إلى أنّ الإمام المهديَّ المنتظر – أرواحنا لمقدمه ‏الفداء – سيحكم، ويقضي بما حكم، وقضى به نبي الله داود (عليه السلام)، ومن تلك الروايات:
ما رواه عمار الساباطي عن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: ((قلت لأبي عبد الله عليه ‏السلام: ‏بما تحكمون إذا حكمتم؟ قال: بحكم الله وحكم داود، فإذا ورد علينا الشيء الذي ليس عندنا، ‏تلقانا به ‏روح القدس)) [الكافي، ج١، ص٤٤٦].‏
وعن الحسن بن طريف، قال: ((كتبت إلى أبي محمد العسكري عليه السلام، أسأله عن القائم إذا ‏قام: ‏بم يقضي بين الناس؟ وأردت أن أسأله عن شيءٍ لحمى الربع، فأغفلتُ ذكر الحمى، فجاء ‏الجواب: ‏سألتَ عن الإمام، فإذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه السلام، لا يسأل ‏البينة)). الكافي، ‏ج١، ص٥٥٧].‏
وما رواه حريز عنه (عليه السلام)، قال: ((سمعت أبا عبد الله عليه السلام، يقول: لن تذهب ‏الدنيا ‏حتى يخرج رجلٌ منا أهل البيت، يحكم بحكم داود وآل داود، لا يسأل الناس بينة)) [بحار ‏الأنوار، ‏ج٥٢، ص٣٢١].‏

فهذه الروايات تشير إلى أن الإمام المهديَّ‏ (عليه السلام)‏ سيحكم بحكم داود، والمقصود بها هو أن ‏الإمام المهدي ‏(عليه السلام)‏ سيحكم بالطريقة نفسها التي كان يحكم بها النبي داود (عليه السلام).‏
ولعلك تسأل أولًا: ما الطريقة التي كان يحكم بها نبي الله داود ‏(عليه السلام)‏؟
الجواب: تتميز الطريقة التي كان يحكم بها النبي داود ‏(عليه السلام)‏ بأنه كانَ، يقضي ويحكم بالاستناد إلى ‏علمه، دون الاعتماد على الشهود والأيمان، فالإمام المهديّ ‏(عليه السلام)‏، سيحكم بعلمه ‏في جميع القضايا والأحداث، دون الحاجة إلى الشهود والأيمان، ولا يعني ذلك أنه سيتخلى عن ‏شريعة الإسلام، بل سيعمل على وفق أحكام الشريعة الإسلامية. ‏
قال العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار: ((ثم اعلم أن الظاهر من الأخبار أن القائم (عليه السلام) إذا ظهر يحكم بما يعلم في الواقعة لا بالبينة، وأما من تقدمه من الأئمة (عليهم السلام) فقد كانوا يحكمون بالظاهر، وقد كانوا يظهرون ما يعلمون من باطن الأمر بالحيَل كما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يفعله في كثير من الموارد.
وقال الشيخ المفيد في كتاب المسائل: للإمام (عليه السلام) أن يحكم بعلمه كما يحكم بظاهر الشهادات، ومتى عرف من المشهود عليه ضد ما تضمنته الشهادة أبطل بذلك شهادة من شهد عليه، وحكم فيه بما أعلمه اللهُ تعالى، وقد يجوز عندي أن تغيب عنه بواطن الأمور، فيحكم فيها بالظواهر، وإن كانت على خلاف الحقيقة عند الله تعالى، ويجوز أن يدله الله تعالى على الفرق بين الصادقين من الشهود وبين الكاذبين، فلا تغيب عنه حقيقة الحال، والأمور في هذا الباب متعلقة بالألطاف والمصالح التي لا يعلمها ـ على كل حال ـ إلا الله عز وجل. ولأهل الإمامة في هذه المقالة ثلاثة أقوال: فمنهم من يزعم أن أحكام الأئمة على الظواهر دون ما يعلمونه على كل حال، ومنهم من يزعم أن أحكامهم إنما هي على البواطن دون الظواهر التي يجوز فيها الخلاف، ومنهم من يذهب إلى ما اخترتُه أنا من المقال)) [بحار الأنوار، ج26، ص177– 178].
وقد تسال ثانيًا: لماذا لا يحكم الإمام المهدي (عليه السلام) على وفق شريعة الإسلام؟!
الجواب: إن حكم الإمام المهدي ‏(عليه السلام)‏ بحكم النبي داود‏ (عليه السلام)‏ هو جزء من شريعة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بيان ذلك:
تواترت الأخبار بأن المهدي‏ (عليه السلام) ‏ سيملأ الأرض قسطًا وعدلًا بعد أن تُملأ ظلمًا وجورًا، فقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، أنه قال: ((قال رسول الله “صلَّى الله عليه وآله وسلَّم”: “لا ينقضي عمر الدنيا حتى يملك رجلٌ من صلب الحسين، ويملأها عدلًا كما ملئت ظلمًا”)) [دلائل الإمامة، للطبري، ص240].
وجاء عن الإمام الحسين بن علي (عليهما السَّلام)، أنه قال: ((لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل اللّه عزّ وجل ذلك اليوم حتى يخرج رجلٌ من ولدي يملأها عدلًا وقسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا)) [كمال الدين، للصدوق، ج1، ص318].
وجاء عن الإمام الجواد (عليه السَّلام) مخاطبًا عبد العظيم الحسني، قائلًا: ((إنّ القائم منّا هو المهدي الذي يجب أن يُنتظر في غيبته، ويُطاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي، والذي بعث محمدًا بالنبوة، وخصّنا بالإمامة إنّه لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا…)) [المصدر السابق، ج1، ص377؛ بحار الأنوار، ج51، ص156].
فهذه الأحاديث ونحوها تشير إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وعد الأمم بأن الإمام في آخر الزمان سوف يملأ الأرض ‏قسطًا وعدلًا،‏ وبذلك يكون قد أعطى تعهدًا ضمنيًّا بإصابة الواقع في كل ما يقرِّره هذا الإمام وما يقضي به‎..‎ وهذا يحتم على الإمام الاستفادة من الوسيلة التي تضمن له ذلك، والتخلي عن الأيمان والبينات التي ‏قد تخطئ، وقد تصيب‎.‎
وبهذا يتجلى بوضوح أن حكم الإمام (عليه السلام) بحكم داود ‏(عليه السلام)‏، هو جزء من شريعة النبي ‏‏(صلى الله عليه وآله)؛ لأنه قد وعد به الأمم، وجعله من جملة ما جاءهم به‏‎.
وللاستزادة والتوسع يُنظر ميزان الحق، للعاملي، سؤال: حكم آل داود منسوخ، فكيف يحكم المهدي به.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.