مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

حقيقة موقف الشيعة من الحج وزيارة الإمام الحسين (ع) دحضًا لافتراءات المخالفين

حقيقة موقف الشيعة من الحج وزيارة الإمام الحسين (ع) دحضًا لافتراءات المخالفين

تفاصيل المنشور

موضوع الحوار

يرتكز هذا الموضوع بنحوٍ أساسٍ على دحْض الاعتراض القائل بعدم إمكانِ بكاء الملائكةِ على الحسين ونزولهم عند قبره، وذلك بتقديم أدلّةٍ من السُّنّة النبوية الشريفة، تُثبِت صحة ذلك. ويسعى الموضوع إلى إثبات صحّة عقيدة بكاء الملائكة على الحسين ونزولهم عند قبره، ودحْض أيّ اعتراضات على ذلك.

تفاصيل المنشور

موضوع الحوار

يثير بعضُ المخالفين اتّهامات بأنّ الشيعة الإمامية يفضِّلون زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) على أداء فريضة الحج، مما يدفع للحديث عن المفاهيم الأساسية والضرورات الدينية في المذهب الشيعي الاثني عشري.
هذا الموضوع يتناول هذا الادّعاء، ويستعرض الردود عليه من منظورٍ عقائديٍّ وفقهي، مبرزًا القيمة العظمى لفريضة الحج في الإسلام عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ومكانة زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في أنه فعلٌ مستحبٌّ لا ينوب عن الفرض، ولا يسقطه.
سنستعرض الأحاديث والروايات المتعلِّقة بهذه المسألة، ونوضح الفهْم الصحيح لها، ونستعرض أيضًا فتاوى وآراء أبرز فقهاء الشيعة بشأن ركنيّة الحجّ وأثرها على العقيدة الإسلامية، لنصل في النهاية إلى تفنيد الادّعاء بأنّ الشيعة يفضِّلون الزيارة على الحجِّ، وتبيان أنّ هذا الادّعاء يهدف إلى تشويه الصورة الحقيقيّة للمذهب وعقيدتِه.

  • المخالف: الشيعة يفضِّلون زيارة الحسين على فريضة الحج!!
  • الإمامي: هذه ليستْ إلا مجرَّد دعوًى لا دليل عليها ولا برهان ، وهي من جنس الأقوال التي لا زمام لها ولا خِطام، فالحجُّ ركنٌ من أركان الدين، ووجوبُه من الضروريات عند الشيعة الإمامية، وهو في الأحاديث ‏أفضلُ من الصوم ‏والجهاد، بل أفضلُ من كلِّ عبادةٍ ما عدا الصلاة‏. [الكافي، ج4، ص253، 254‏]، وفي الحديث أيضًا: ((أنَّ الحج ‏من أركان الإسلام)) [وسائل الشيعة، ج1، ص1320، 2628‏]‏.
    ‏وقد ذمّ المعصومون عدمَ أداء الحج أو تأخيره بشدةٍ، وبيّنوا أن لذلك آثارًا وتبعاتٍ سلبيةً في الدنيا ‏والآخرة‏. [نهج البلاغة، الرسالة 47. وسائل الشيعة، ج11، ص29- 32‏]. ‏
    ووصف أمير المؤمنين (عليه السلام)‏ ‎هذه العبادة بـأنها: ((علَم الإسلام وشعاره)) [ينظر: تفسير الأمثل، ج2، ص44‏]، وقال عنها – أيضًا – في ‏وصيته في ‏الساعات الأخيرة من حياته: ((اللهَ الله في بيت ربّكم، لا تُخلوه ما بقيتم؛ فإنّه إن تُرك لم ‏تناظروا)) [الكافي، ج7، ص51‏]‏.‏
    فقولك: تفضيل الشيعة زيارة الإمام ‏الحسين (عليه السلام)‏ على فريضة الحج، ما هو إلا ‏تقوّلٌ على ‏الشيعة مما لم يقل به أحدٌ من أئمتهم ولا علمائهم، و‏يُراد منه تنفير قلوبِ المسلمين منهم وإقصائهم ‏وعزلهم عن ‏العالم الإسلامي.
  • المخالف: بل عليها دليلٌ، فقد روى علماؤكم «عن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: زيارة ‏الحسين عليه السلام تعدِل عشرين حجّة، وأفضل من عشرين حجّة؛ [كامل الزيارات، ص302، ح506].‏
  • الإمامي: حديث زيد الشحام، عن أبي عبد الله (عليه السلام)‏، قوله: «زيارة الحسين عليه السلام ‏تعدل عشرين حجّة، ‏وأفضل من عشرين حجّة»؛ كما جاء في «كامل الزيارات» إنما ‏هو ‏في الحج المستحبّ لا الفرض، ومعلومٌ أن زيارته ‏(عليه السلام)‏ من أوْكد المستحبات، ولم يقل أحدٌ من ‏العلماء بوجوبها البتة، ‏والمستحبُّ لا ينوب عن الواجب قطعًا كما هو معلوم لدى المخالف والمؤالف.‏
    المخالف: لكنّ من يقرأ رواية زيد الشحام ((‏تعدل عشرين حجّة، ‏وأفضل من عشرين حجّة‏)) يفهم أنها تعادل فريضةَ الحج، بل أفضل من عشرين حجة، وبالنتيجة تسقط فريضة الحج، ولا يفهم غيرُ هذا، وهو صريح في ذلك!!
    الإمامي: هذا فهمٌ منكوس مغلوط، فقوله (عليه السلام)‏ ‏((‏تعدل عشرين حجّة، ‏وأفضل من عشرين حجّة‏))، أي: تَعدِلُ الحجّ في الجزاء لا الإجزاء، بمعنى أنّ هذه الأعمال ‏تعدل الحجّ في ‏الفضل، لا أنها تُسقط حجَّة الفَرض، كما لا يخفى على من له قلبٌ سليم وعقل رجيح.
  • المخالف: قد يكون هذا تأويلك، لكنه خلاف ما يعتقده علماؤكم في إسقاط فرض الحجِّ لمن زار قبر الحسين رضي الله عنه!
  • الإمامي: هذَا قول فَاسد، لا شكّ فيه، فقد اتفقتْ كلمة علماء الشيعة الإمامية على ركنيّة الحج في الإسلام، وعدّوه من ضروريات الدين، وأنّ منكره كافرٌ إنْ ‏لم يكن عن شبهة، قال السيد الخوئي (قدس سره)‏: ((والحج ركنٌ من أركان الدين، ووجوبُه من الضروريات، وتركه ـ مع الاعتراف ‏بثبوته ـ معصيةٌ كبيرة، كما أنّ إنكار أصل الفريضة إذا لم يكن مستندًا إلى شبهةٍ كفرٌ)) [مناسك الحج، ص5]، وقال السيد السيستاني (دام ظله): ‏‏((والحج ركنٌ من أركان الدين، ووجوبه من الضروريات، وتركه ـ مع الاعتراف بثبوته ـ معصيةٌ كبيرة، كما أنّ إنكار أصل ‏الفريضة إذا لم يكن مستندًا إلى شبهةٍ كفرٌ))‏ [مناسك الحج، ص6].‏
    وجاء عن الإمام الصادق ‏(عليه السلام)‏ قوله: ((لا يزال الدين قائمًا ما قامت الكعبة))‏ [وسائل الشيعة، ج8، ص 14، ح5]. ‏

    فهذه مصادرنا وأحاديث أئمتنا وفتاوى مراجعنا تُفصح وتصرِّح بأنّ حَجة الإسلام واجبة بنصّ القرآن والسنة، وأنّه ‏لا ينوب عنها غيرها، ولا يسقطها سوى أدائها، وهذه المسألة لا يختلف فيها اثنان من الشيعة، فأين فضّل الشيعةُ زيارةَ ‏الإمام الحسين ‏ (عليه السلام)‏ على فريضة الحج؟!‏
  • المخالف: لكنّ الحديث عن فضل زيارة الحسين رضي الله عنه ـ وإنْ قلتَ: إنها مستحبةٌ ـ يفهم منه أنه أفضل من الواجب، فيُسقط الفرض.
  • الإمامي: حَجة الإسلام واجبة عندنا بنصِّ القرآن والسُّنة، وزيارة مراقد الأئمة الأطهار (عليهم السلام)‏ مستحبّة، وقطعًا المستحبُّ لا ‏ينوب عن الواجب، ولا يَسقط الفرضُ به.
    وإذا اعتمدنا على قولك: “يُفهم منه أنه أفضل من الواجب، فيسقط الفرض”، يمكن أن نفهم كثيرًا من الأحاديث في صحاح أهل السنة ومسانيدهم التي تفضِّل بعض الأعمال على الحج بأنها تسقط الفرض، مثل ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أنه قال: ((جاء الفقراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ذهب أهل ‏الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلُّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموالٍ يحجّون بها، ‏ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدَّقون؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أ لا أحدِّثكم بما لو أخذتم به لحقتم مَن سبقكم، ‏ولم يدرككم أحدٌ بعدكم، وكنتم خيرَ مَن أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله: تسبِّحون، وتحمِّدون، وتكبِّرون خلف كل صلاة ‏ثلاثًا وثلاثين”)) [صحيح البخاري، ج1، ص289، تـ. البغا]. ‏
    وما رواه مسلمٌ في صحيحه عن أبي ذر، أنه قال: ((إن أناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول ‏الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلّون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، فقال النبي صلى الله ‏عليه وسلم: أ وليس قد جعل الله لكم صلاة العشاء في جماعةٍ تعدل حَجة، وصلاة الغداة في جماعة تعدل عمرة)) [صحيح مسلم، ج2، ص697، تـ. عبد الباقي].
    وما رواه البيهقي في “شُعب الإيمان”، بسنده عن أنس بن مالك، أنه قال: ((أتى رجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: إني أشتهي الجهاد وإني لا أقدر عليه. فقال: هل بقي أحد من والديك؟ قال: أمي قال: فاتق الله فيها فإذا فعلت ذلك ‌فأنت ‌حاج ‌ومعتمر ومجاهد فإذا دعتك أمك فاتق الله وبرها)) [شعب الإيمان، ج6، ص179، تـ. زغلول].
    فهذه الأحاديث ـ وغيرها كثير ـ قد يُفهم منها أن بعض الأعمال أفضل من الحج، لكنّ النووي في شرحه على مسلم ‏بيّن الحديث بنفس تفسيرنا لحديث زيد الشحام، فقال‏: ((قوله صلى الله عليه وسلم (فإن عمرة فيه) أي في رمضان (تعدل حجة) ‏أي تقوم مقامها في الثواب لا أنها تعدلها في كل شيء، فإنه لو كان عليه حجة، فاعتمر في رمضان لا تجزئه عن ‏الحجة)) [شرح النووي على مسلم، ج9، ص2، ط. دار إحياء التراث العربي].

فسلامٌ على الحسين يوم وُلد ويوم استشهد ويوم يُبعث حيًّا