تفاصيل المنشور
- الدعوى - فاروق الكن
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 24 مشاهدة
تفاصيل المنشور
الرافضة تزعم زورًا وبهتانًا حبّ آل البيت، وهي أولُ من خانهم، وقَتلت الحسين سيِّد شباب أهل الجنة رضي الله عنه، وأرضاه، ثم دخلت الفلسفة في التشيُّع.
المدَّعي
فاروق الكن
الرافضة تزعم زورًا وبهتانًا حبّ آل البيت، وهي أولُ من خانهم، وقَتلت الحسين سيِّد شباب أهل الجنة رضي الله عنه، وأرضاه، ثم دخلت الفلسفة في التشيُّع.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
يا للعجب من هذا الافتراء الذي لا سنَد له إلا الكذِب والتضليل! كيفَ تُلصِق تهمة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) بشيعته، وهم الذين قُتِلوا معه على رمضاءِ كربلاء، أو سُجِنوا، وقُتِلوا بعد الواقعة؛ لأنهم بقُوا أوفياء له ولنهجه؟ أ ليس الذين خذلوه هم أهل الكوفةِ ممن استمالتْهم تهديدات بني أُميّة ووعودهم بالمال والجاه، فانقلبوا على عهدِهم؟ وهل هؤلاء يُعدّون من شيعته لمجرَّد أنهم أرسلوا له الرسائل، ثم انقلبوا بعد أنْ قَبَض عليهم عبيد الله بن زياد بالترهيب والترغيب؟ بل الشيعة الحقيقيون هم أمثال مسلم بن عقيل، وهانئ بن عروة، وحبيب بن مظاهر، وأصحاب الحسين (عليه السلام) الذين ضَربوا أروع أمثلة الوفاء حتى آخر نفسٍ؟!
ثم إنّ المنطق يأبى هذا الاتّهام؛ إذ كيف يتصوَّر عاقلٌ أنّ شيعة الحسين (عليه السلام) يقتلونه، ثم يبكون عليه قرنًا بعد قرنٍ، ويُحيون ذكراه بكلِّ ما يملكون من دموعٍ ودماء، بل ويجعلون قضيّته محور ولائهم وبراءتهم؟ أ ليس هذا كمن يتّهم أهل بدرٍ بأنهم أنصار قريش، أو يزعم أنّ أتْباع المسيح هم من صلبوه؟ إنّ هذه الفرية لا تنطلي إلا على من أعمتْه العصبيّة العمياء، وأورثتْه الجهالةُ التاريخيّة عجزًا عن التفريق بين الموالين حقًّا والمتخاذلين الذين لم يكونوا في يومٍ من الأيام جزءًا من التشيُّع الأصيل.
قد يُقال: إنّ بكاء الشيعة على الحسين (عليه السلام) ليس ولاءً له، بل هو ندمٌ على خيانتهم له يوم كربلاء، إذ تخلَّوا عنه، وأسلموه لأعدائه، ثم أفاقوا متأخِّرًا، فصاروا يندبون فعْلتهم بالبكاء والعزاء، وكأنهم يحاولون التكفير عن جريمتهم عبر إقامة المآتم وإحياء ذكراه!
وهذه مغالطةٌ مكشوفةٌ لا تقوم على أيِّ دليلٍ، بل هي مجرَّد محاولةٍ يائسة لتشويه الحقيقة وقلْب الواقع! كيف يُقال: إنّ بكاء الشيعة ندَمٌ على خيانتهم، وهم الذين حفظوا ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) وأحيَوا مصيبته جيلًا بعد جيلٍ، وورِثوا الولاء له من آبائهم وأجدادهم الذين قُتلوا معه أو عُذِّبوا في سبيله؟! أيّ عقلٍ يقبل أنْ يبكي الخائنُ قرنًا بعد قرن، ويُحيي ذكرى خيانته بنفسه، ويعلّم أبناءه الولاء للحسين (عليه السلام) والبراءة من قاتليه؟!
إذا كان البكاء ندمًا، فمن المنطقيّ أنْ يكون هؤلاء الباكون قد كفّوا عن البكاء بعد أجيالٍ؛ لأن التائب عن الجريمة لا يبقى يكرِّر ندبه على فعْلته، بل يتوب عنها، ويسعى لمحو أثرها، أما الشيعة فإنهم لم يكتفوا بالبكاء، بل جعلوا من مصيبة الحسين (عليه السلام) قضيّة عقَديّة، يُعلنون فيها البراءة من القتَلة، والولاء المطلق لآل البيت (عليهم السلام)، ويُحيون ذكراه بقلوبٍ دامية، ومسيرات مليونيّة، بل ويضحّون بأنفسهم في سبيل قضيّة الحسين (عليه السلام) ونهجه.
ثم لننظر إلى الواقع، مَن الذي يُبرِّئ يزيد وبني أُميّة اليوم؟ ومَن الذي يُحاول أنْ يُلقيّ التهمة على الشيعة؟ إنّ الذين يُطلقون هذه التّهمة هم أنفسهم الذين يدافعون عن قتَلة الإمام الحسين (عليه السلام) أو يُهوِّنون من جريمتهم، بينما الشيعة هم الذين يلعنون يزيد وأتْباعه، ويبرَؤون إلى الله من فِعلهم، ويتّخذون من الحسين (عليه السلام) قدوة في مقارعة الظلم والطغيان.
أما أهل الكوفة الذين خذلوا الإمامَ الحسين (عليه السلام)، فإنهم بعد مقتله انتفضوا في حركة التوابين، وقاتلوا جيش بني أُميّة حتى استُشهدوا عن بكرة أبيهم، وظهر من بعدهم المختار الثقفيّ الذي أخذ بثأر الحسين (عليه السلام)، فقتل قتَلة الإمام (عليه السلام) واحدًا تلو الآخر، فهل هؤلاء هم مَن يمكن وصفهم بالخونة؟!
إنّ هذه الشُّبهة لا تعدو كونها محاولةً مكشوفة لقلب الحقائق، فبدلًا من إدانة يزيد وبني أُميّة، يُراد أنْ يُلصَق الإجرام بضحاياهم، ولكنّ الحقيقة تبقى واضحةً كالشمس، وهي أنّ الشيعة هم الذين قدموا الأرواح فداءً للإمام الحسين (عليه السلام)، والشيعة هم الذين حفظوا قضيّته، والشيعة هم الذين برَّأهم التاريخ، ولو كان الشيعة خونة لكانوا اليوم في صفِّ أعداء الحسين (عليه السلام)، ولكنهم لا يزالون يردِّدون في كلِّ محفل: يا لثارات الحسين!
وأما ما يُقال عن دخول الفلسفة إلى التشيُّع، فإنْ كان المقصودُ بها التعقُّل والاستدلال، فإنّ التشيع هو الإسلام بعقله وبرهانه، وهو امتدادٌ لمدرسة القرآن والعترة، التي كانتْ وما زالت تحثُّ على النظر العقليّ والتدبُّر، لا التقليد الأعمى والاتِّباع بلا دليل.
وإنْ كان المقصودُ أنّ التشيُّع استورد الفلسفة من الخارج، فإنّ التاريخ يشهد أنّ الخلفاء العباسيين هم الذين ترجموا الفلسفات الأجنبيّة، وأدخلوها في الفكر الإسلامي، بينما بقيتْ مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حريصةً على تنقية العقيدة من الشوائب، فلم تأخذْ من الفلسفة إلا ما انسجم مع العقل والنقل الصحيح.
إنّ هذه الادِّعاءات ليست سوى محاولاتٍ يائسة لتشويه الحقيقة الناصعة، فما أشبه حال قائليها بمن يرمي الناس بدائه، وينسلّ، يفرّون من مواجهة الحقيقة إلى قلبها رأسًا على عقِب، لكنّ الشمس لا تُحجَب بغربال، والتاريخ شاهدٌ لا يُزوَّر، والحقيقة تبقى صامدةً على رغم كل محاولات التشويه والتزييف!
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.