مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

حقيقةُ الإمساك عما جرى بين الصحابة

تفاصيل المنشور

الاشكال

أهل السُّنة يحبّون أصحاب النبي، ويكفّون عما شجر بينهم، ويوكّلون أمرهم إلى الله، فمن كان مصيبًا ‏منهم فله أجران، ومن كان مخطئًا فله أجر، وخطؤه مغفورٌ إن شاء الله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ذكر ‌أصحابيٌّ ‌فأمسكوا”، بخلاف ما تقوله الرافضة عليهم ‏من الله ما يستحقون.‏

المستشكل

وائل عمران

تفاصيل المنشور

الاشكال

أهل السُّنة يحبّون أصحاب النبي، ويكفّون عما شجر بينهم، ويوكّلون أمرهم إلى الله، فمن كان مصيبًا ‏منهم فله أجران، ومن كان مخطئًا فله أجر، وخطؤه مغفورٌ إن شاء الله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا ذكر ‌أصحابيٌّ ‌فأمسكوا”، بخلاف ما تقوله الرافضة عليهم ‏من الله ما يستحقون.‏

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
إننا لم نجد أحدًا من علماء أهل السُّنة كفّ أو أمسك عما جرى بين الصحابة، فها هو التفتازاني من ‏كبار علماء السُّنة الأشاعرة يقول في كتابه (شرح المقاصد): ((وأما ما وقع بين الصحابة من ‏المحاربة والمشاجرات على الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسِنة الثقات يدل ‏بظاهره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد ‏والحسد واللداد والرياسة والميل إلى اللذات والشهوات)) [شرح المقاصد، ج 2، ص 306].‏
وها هو الشيخ ابن عثيمين من كبار علماء السلفية في كتابه (شرح العقيدة الواسطية) في حديثه عن ‏الصحابةِ يقول: ((ولا شك أنه قد حصل من بعضهم سرقةٌ وشرب خمر وقذفٌ وزنى بإحصان ‏وزنى بغير إحصان)) [شرح العقيدة الواسطية، ج2، ص292].‏
وهذه الأُسطورة (الإمساك عما شجر بين الصحابة) تضمنَتْ ثلاثة ألفاظ: (إمساك – شجر – ‏صحابة)، وبيانها كما يأتي: ‏
أما لفظ (الإمساك): فهو بمعنى ترك الكلام في الموضوع مطلقً،ا فكل خلافٍ أو نزاع أو تشاجُر أو ‏حرب وقعتْ بين صحابيٍّ وصحابي آخر، أو بين فئتين من الصحابة، أو فيهما صحابة فلا يجوز ‏‏– حسب هذه الأسطورة – أن تتكلم في هذا النزاع بحرف واحد، فلا تقول: هذا أصاب، ولا هذا ‏أخطأ حتى لو ظهرت لك الأدلة الشرعية أنها مع هذا الطرف دون ذلك.‏
فالإمساك هنا يعني عندهم الإمساك المطلق، وهذا في الواقع يتعارض مع أدلة شرعية وتطبيقات ‏صحابية وتابعية.‏
‏وأما لفظ (شجر): فالشجور والتشاجر هو مطلق النزاع، وعلى هذا يجب ـ حسب هذه القاعدة ‏المحدَثة ـ إن تمسك عن ذكر تنازع الصحابة في شيء، سواءٌ كان تنازعهم باللسان أو السنان، وأنْ لا تعرف المحقَّ من المُبطِل، وهذا يخالف التطبيقات الصحابية والتابعية التي تصوِّب ‏من تراه محقًّا، وتخطِّئ من تراه مخطئًا أو مبطلًا.‏
وأما لفظ (صحابة): فهو عندهم كلّ من لقيَ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من المؤمنين ‏ولو ساعة من نهار، بغضّ النظر عن حُسن إسلامه من عدمه، وبغضّ النظر عن أنه هل أحسن السيرة ‏أم أساءها، اجتنب المحرمات أم ارتكبها.. وهذا التعريف الذي ذكروه كان تعريفًا معتمدًا على ‏اللغة لا على الشرع، مع أن العلماء المتقدمين، بل الصحابة أنفسهم كانوا يفرقون بين الصحبة ‏الخاصة الشرعية والصحبة العامة.‏ [يُنظر: حسن الإجابة في عقيدة الإمساك عما جرى بين الصحابة، حسن بن فرحان المالكي، ص5].
وعلاوة على ذلك فإن هذا الحديث مرويٌّ عن ثلاثةٍ من الصحابة، لا يصح عن واحدٍ منهم، وهم: ثوبان، وابن مسعود، ‏وابن عمر.‏
أما حديث ثوبان: فقد روى الطبراني في “المعجم الكبير” [ج1، ص61]، عن أحمد بن محمد ‏بن يحيى بن حمزة عن إسحاق بن إبراهيم، عن يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث الصنعاني عن ‏ثوبان فذكر الحديث.‏
وهذا الإسناد ضعيف جدًّا إن لم يكن موضوعًا، فيزيد بن ربيعة ـ الراوي عن أبي الأشعث ـ متروكٌ، ‏وقد أنكروا أحاديثه عن أبي الأشعث خاصة، وهذه منها. [يُنظر: السلسلة الصحيحة، ج1، ‏ص44].‏
وأما حديث ابن مسعود: فقد روي بإسنادين:‏
الأول: رواه أبو نعيم في الحلية [ج1، ص631]، والطبراني في المعجم الكبير [ج10، ‏ص243]، وكلاهما من طريق الحسن بن علي، عن سعيد بن سليمان، عن مسهر بن عبد الملك، ‏عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود. ‏
الثاني: رواه ابن عدي في الكامل [ج7، ص25]، والألكائي في السنة [ج1، ص126] كلاهما ‏من طريق النضر أبي قحذم، عن أبي قلابة، عن ابن مسعود.‏
وكلا الطريقين ضعيفان؛ فالأول في إسناده مسهر بن عبد الملك الهمداني، وهو ضعيف الحديث ‏على الأرجح، فقد قال فيه البخاري: (فيه بعض النظر)، وقال أبو داود: (أصحابنا لا يحمدونه)، ‏وقال النسائي: (ليس بالقوي)، وقد قوّاه بعضهم، فوثقه الحسن بن حماد الوراق، وكان الحسن بن ‏علي الخلال يحسن الثناء عليه، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى له النسائي في خصائص ‏علي وفي مسنده.‏
وقد ضعَّف أبو نُعيم هذا الطريق بقوله: (غريب من حديث الأعمش، تفرد به عنه مسهر) وكان ‏يمكن قبول روايته في الشواهد وعند المتابعة، أما كونه تفرد بهذا الحديث عن الأعمش ولم نجد ‏له (للحديث) شاهداً متماسكاً فيبقى في مرتبة (الضعيف)؛ إضافة إلى أن أبا وائل هذا وإن كان ‏ثقة إلا أنه كان عثمانيًّا منحرفًا عن علي رضي الله عنه.‏
أما الإسناد الثاني فضعيف جدًّا؛ لأن في إسناده النضر بن معبد أبو قحذم، وهذا متروك ‏الحديث.[يُنظر: السلسلة الصحيحة، للألباني، ج1، ص44].‏
قال البيهقي في كتابه “القضاء والقدر”: ((تفرد به مسهر بن عبد الملك بإسناده هذا، وروي عن ‏ابن مسعود، وجابر، وثوبان كذلك مرفوعًا، وفي أسانيده ضعف)) [القضاء والقدر، البيهقي، ‏ص291]‏.
أما حديث ابن عمر: فقد روي عنه من طريقين:‏
الأول: رواه ابن عدي [ج6، ص162]، وعنه السهمي في تاريخ جرجان [ص357]، عن ‏الحسن بن الحسين البزاز، عن يحيى بن إسماعيل، عن جده، عن محمد بن الفضل، عن كرز ‏بن وبرة، عن عطاء، عن ابن عمر، وهذا إسناد ضعيف جدًّا، فمحمد بن الفضل (لا يتابع على ‏عامة أحاديثه، وكذّبه بعضهم). [يُنظر: السلسلة الصحيحة، ج1، ص44‏].‏
الثاني: رواه السهمي في تاريخ جرجان عن ابن عدي عن عبد الرحمن بن عبد المؤمن عن ‏عيسى بن محمد عن محمد بن عمر الرومي عن الفرات بن السائب (وهو متروك) عن ميمون ‏بن مهران عن ابن عمر.‏
وكما سبق، ففرات بن السائب متروك، وأكبر ما نقموا عليه أحاديثه عن ميمون بن مهران، وهذا ‏منها. [يُنظر: المصدر السابق].‏
وهذا الحديث من وضع النواصب – حيث لا تخلو أسانيده من ناصبي، كأبي قلابة، وأبي وائل، وميمون بن مهران – غايته إسكات المسلمين عن الخوض في ذكر جرائم معاوية وحربه ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقتله صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كعمار بن ياسر، وغيره، فتشيع المساواة بين الفئة المؤمنة والفئة الباغية، وترتكز في أذهان المسلمين قهراً، فينعدم التمييز بين المحق والمبطل، وقد صرح بهذا المعنى أبو القاسم الملقب بـ “قوام السنة” في كتابه “الحجة”: ((وما جرى بين علي وبين معاوية – رضي الله عنهم – فقال السلف: من السُّنة السكوت عما شجر بين أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال رسول الله: “إذا ذُكر ‌أصحابي ‌فأمسكوا” ومعلومٌ أنه لا يأمرنا بالإمساك في ذكر محاسنهم، وإنما أمرنا بالإمساك عن ذمهم)) [الحجة في بيان المحجة، ج2، ص569]، وهذا مخالف لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم).
فكتاب الله سبحانه أخبرنا عن أصحاب الأنبياء (صلوات الله عليهم) وبيّن لنا خيارهم وشرارهم، فقد أخبرنا عن أصحاب موسى (عليه السلام) الذين جاهد من أجلهم، وأخرجهم من ظلم آل فرعون، ‏وعبر بهم البحر بمعجزة يندر أن يأتي التأريخ بمثلها، فأنعمِ النظر في ما قالوه لموسى (عليه السلام) بعد ‏عبورهم البحر؟
يقول تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ ‏قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ} [الأعراف:138]. ‏
بل وجدنا القرآن الكريم نفسه يحدثنا عن أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن فيهم شبهة الارتداد والانقلاب على الأعقاب، يقول تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ الله شَيْئًا} [آل عمران:144].
فهذه الآية تشير بنحوٍ واضح وصريح‏ إلى إمكان انقلاب أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأعقاب، والوقوع فرع الإمكان كما هو مقرر في علم المعقول.
وأما سُنة رسول الله ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)، ‏فها هو البخاري يروي في صحيحه ما يؤكد وقوع الانقلاب من الصحابة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي تحدثت عنه الآية الكريمة، فقد روى بسنده: ((عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” لَيرِدَنَّ عليَّ ناسٌ من أصحابي الحوض، حتى عرفتُهم اختلجوا دوني، فأقول: أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك “)) [صحيح البخاري، ج8، ص120].
أ فكتاب الله سبحانه وسُنة نبيِّه (صلى الله عليه وآله وسلم) أَولى بالاتباع، أم الخرافات والأساطير؟!
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.