تفاصيل المنشور
- السائل - عبد اللطيف عامري
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 58 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هل ورد ذكرُ عيد الغدير صراحةً في القرآن الكريم لتحتفلوا به؟ أجيبوا يا رافضة!!
السائل
أيامًا معدودات
ما حدُّ الاعتقاد بأهل البيت؟ وما الغاية من معرفتهم؟ راجياً من جنابك سيدنا الكريم توضيح الآية الكريمة الواردة في كتاب الله -عزّ اسمه-: بسم الله الرحمن الرحيم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} صدق الله العليّ العظيم.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمدٍ وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
تُعدّ معرفة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) بمثابة الحكمة التي مَن أوتيَها فقد أُوتي خيرًا كثيرًا، كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269].
وقد أوضح الإمام الصادق (عليه السلام) المقصود بالحكمة في هذه الآية بقوله: ((معرفة الإمام)) [وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج15، ص315].
ومعرفة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) نجاةٌ من الضلال، كما ثبت ذلك في حديث الثقلين المرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث قال: ((إني تاركٌ فيكم ما إنْ تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله، حبلٌ ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي ولن يتفرَّقا حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)) [مختصر صحيح الجامع الصغير، للسيوطي والألباني، برقم: 1726- 2458].
ورد هذا الحديث الشريف بألفاظ وطرق متعدِّدة، وقد حظي بالتصحيح من قبل كبار علماء الحديث عند أهل السُّنة والجماعة، ومن أشهرهم:
1 – الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه “المطالب العالية” (ج4، ص65، الحديث رقم 3972).
2 – الإمام الهيتمي المكي في كتابه “الصواعق المحرقة” (ج2، ص439).
3 – الإمام ابن كثير الدمشقي في تفسيره المشهور “تفسير ابن كثير” (ج12، ص271).
4 – الإمام الطحاوي في كتابه “شرح مشكل الآثار” (ج5، ص8).
5 – الإمام الحاكم النيسابوري في كتابه “المستدرك على الصحيحين” (ج3، ص148).
6 – الإمام البوصيري في كتابه “إتحاف الخيرة المهرة” (ج9، ص279).
7 – الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيق “مسند أحمد” (حديث رقم 11104).
وهذا يدل على مكانةِ هذا الحديث العظيمة وثقة العلماء بصحته وسلامة سنده.
وفي الحديث عدّة دلالات نوردُها بشرح علماء أهل السنّة أنفسهم:
الدلالة الأولى: قرن النبيّ (صلى الله عليه وآله) في هذا الحديث الشريف أهل بيته (عليهم السلام) بالكتاب الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكذلك تصريحه (صلى الله عليه وآله) بعدم افتراقهم عنه، ومن البديهي أنّ صدور أية مخالفة للشريعة، سواء كانت عن عمد أم سهو أم غفلة تعدُّ افتراقًا عن القرآن في هذه الحال وإن لم يتحقق انطباق عنوان المعصية عليها أحيانًا، كما في الغافل والساهي، والحديث نصٌّ في عدم افتراق الكتاب والعترة حتّى يردا الحوض، وهذا دليل العصمة الذي لا يماري فيه إلا مكابرٌ معاند.
واستفاد المعنى المذكور – أيضًا – جماعة من كبار علماء أهل السُّنة، وإن اختلفت صياغاتهم، لكنّ مضمونها واحد كما سنرى، فقد قال ابن حجر الهيتمي في “المِنَح المكية”: ((وفي الحديث: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا بعدي, كتاب الله وعترتي»، فليتأمل كونه قرَنهم بالقرآن في أنّ التمسُّك بهما يمنع الضلال، ويوجب الكمال)) [المِنَح المكية في شرح القصيدة الهمزية، ص182، بواسطة نفحات الأزهار، ج1، ص463].
فالّذي يمنع الضلال، ويوجب الكمال عند التمسُّك به لا بدّ أن يكون معصومًا، شأنه في ذلك شأن القرآن المعصوم الّذي اقترن معه، والّذي هو بالإجماع يمنع الضلال، ويوجب الكمال، فتدبّر.
الدلالة الثانية: عُدّ التمسُّك بهما معًا عاصمًا من الضلالة، وهو دليل الوجوب على التمسك، والّذي يعني اتّباعهما وعدم التخلّف عنهما مطلقاً، وهذه الاستفادة من الحديث صرّح بها جملةٌ من علماء أهل السنّة، منهم:
1 – الدهلوي في “التحفة الاثنا عشرية”، قال: ((هذا الحديث – أي: حديث الثقلين- ثابت عند الفريقين: أهل السنّة والشيعة, وقد علم منه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمرَنا في المقدّمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسّك بهذين العظيمين في القدر, والرجوع إليهما في كلّ أمر, فمن كان مذهبه مخالفًا لهما في الأُمور الشرعية اعتقادًا وعملًا فهو ضالٌّ، ومذهبه باطل لا يُعبَأ به, ومَن جحد بهما غوى, ووقع في مهاوي الردى))). [يُنظر: مختصر التحفة الاثني عشرية، ص52]
2 – الحكيم الترمذي، نقل قوله المنّاوي في “فيض القدير”، بأنه قال: ((حضّ على التمسّك بهم؛ لأنّ الأمر لهم معاينة، فهم أبعد عن المحنة)) [فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج2، ص220].
3 – محيي الدين يحيى بن شرف النووي، في شرحه على صحيح مسلم، قال: ((قوله صلى الله عليه وآله: “وأنا تارك فيكم ثقلين”، فذكر كتاب الله وأهل بيته. قال العلماء: “سُمّيا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما”، وقيل: لثقل العمل بهما)).[ صحيح مسلم بشرح النووي، ج15، ص180].
4 – ابن الأثير، في كتابه “النهاية في غريب الحديث” قال: ((“إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي”، سمّاهما ثقلين؛ لأنّ الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل. ويقال لكلّ شيء خطير نفيس: ثُقل، فسماهما ثقلين لقدرهما وتفخيمًا لشأنهما)) [ النهاية في غريب الحديث، ج1، ص216].
5 – السندي في شرحه للحديث، قال: ((وفيه من تأكُّد أخبار كونهم على الحق كالقرآن وصونهم أبدًا عن الخطأ كالوحي المنزَّل ما لا يخفى على الخبير…)) [دراسات اللبيب، ص233].
6 – الملا علي القاري، في “مرقاة المفاتيح”، قال: ((والمراد بالأخذ بهم: التمسّك بمحبتهم, ومحافظة حرمتهم, والعمل برواياتهم, والاعتماد على مقالتهم)) [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج11، ص307].
7 – شهاب الدين الخفاجي، في “نسيم الرياض”، قال: ((أي: تمسّكتم، وعملتم، واتبعتموه)) [نسيم الرياض في شرح شفاء القاضي عياض، ج3، ص410].
8 – المباركفوري، في “تحفة الأحوذي” عند شرحه للحديث الوارد في “سنن الترمذي”، قال: ((“فانظروا كيف تخلفونّي”، بتشديد النون وتُخفّف، أي: كيف تكونون بعدي خلفاء، أي: عاملين متمسّكين بهما)) [ تحفة الأحوذي في شرح الترمذي، ج10، ص197].
9 – المناوي الشافعي في “فيض القدير”، قال: ((وفي هذا مع قوله أوّلًا “إنّي تارك فيكم” تلويح، بل تصريح بأنّهما كتوأمين خلّفهما، ووصّى أمّته بحسن معاملتهما وإيثار حقّهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين…)) [فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج3، ص20].
10 – التفتازاني، في “شرح المقاصد”، بعد أن ذكر الحديث، قال: ((أ لا يرى أنّه صلى الله عليه وآله، قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسّك بهما منقذًا عن الضلالة، ولا معنى للتمسّك بالكتاب إلا الأخذ به بما فيه من العلم والهداية، فكذا في العترة)) [شرح المقاصد، ج3، ص529].
11 – ابن حجر الهيتمي، في “الصواعق المحرقة”، قال: ((تنبيه: سمّى رسول الله صلى الله عليه وآله، القرآن وعترته – وهي بالمثناة الفوقية: الأهل والنسل والرهط الأدنون – ثقلين؛ لأنّ الثقل كلّ نفيس خطير مَصون، وهذان كذلك؛ إذ كلّ منهما معدنٌ للعلوم اللدنِّية والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية؛ ولذا حثّ صلى الله عليه وآله على الاقتداء والتمسُّك بهم والتعلم منهم…)) [الصواعق المحرقة، ج2، ص442].
الدلالة الثالثة: قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض)) دليل على وجودهما وبقائهما إلى يوم القيامة، وأنّ أهل البيت (عليهم السلام) لن يفارقوا القرآن، ولن يفارقهم مدّة عمر الدنيا، وهذا يعني وجود إمام منهم وجب التمسّك به في كلّ زمان، وهو المعنى الّذي أشار إليه النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الحديث المعروف: “مَن مات، ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية”)) [شرح المقاصد، ج3، ص476، ورواه مسلم في صحيحه، ج6، ص22].
وإلى هذا المعنى أيضًا يشير شُرّاح الحديث المذكور، فقد قال “الزرقاني المالكي في “شرح المواهب”: ((قال السمهودي: هذا الخبر- أي: حديث الثقلين – يفهم وجود من يكون أهلًا للتمسك به من عترته في كلّ زمن إلى قيام الساعة حتّى يتوجّه الحثّ المذكور على التمسُّك به كما أنّ الكتاب كذلك؛ فلذا كانوا أمانًا لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض)) [شرح المواهب، ج7، ص8؛ فيض القدير، ج3، ص19].
وهذا المعنى الّذي أشار إليه الزرقاني عن السمهودي هنا هو نفسه الّذي نصَّ عليه أيضًا ابن حجر في “الصواعق المحرقة”، حين قال: ((وفي أحاديث التمسُّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع مستأهل فيهم للتمسك به إلى يوم القيامة، كما أنَّ الكتاب العزيز كذلك؛ ولهذا كانوا أمانًا لأهل الأرض كما سيأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق: “في كلّ خلَفٍ من أُمتي عدول من أهل بيتي”)) [الصواعق المحرقة، ج2، ص442].
وتحصَّل من جميع ما تقدَّم أن هذا الحديث – نعني حديث الثقلين – صرّح بالتلازم الوجودي لأهل البيت (عليهم السلام) مع القرآن الكريم إلى يوم القيامة، ومن ثمّ ملاحظة تصريحه (صلى الله عليه وآله وسلم) في أحاديث أُخر – روتها الصحاح والسنن والمسانيد – بوجود اثني عشر خليفة في الأُمّة يتولّون أعمال قيادة الأُمّة من بعده إلى يوم القيامة، ويتبيّن لنا بوضوح – عند الجمع بين هذه الأحاديث – أنَّ أئمّة أهل البيت هم الخلفاء الاثنا عشر الّذين عناهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحديثه، وبالنتيجة فإنّ معرفتهم في الدنيا سبيلٌ للنجاة في الآخرة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي.