مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

حبُّ الظالم والمظلوم انسلاخٌ عن الطبيعة الإنسانية وتمرّدٌ على الفطرة‏

تفاصيل المنشور

الاشكال

أنا شخصٌ من أهل السُّنة والجماعة، ولست شيعيًّا، وأحبُّ أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين، وأتّبعهم، فما الميزة التي يتميز بها الشيعة عن السُّنة. هل تظنون أنكم تحبون أهل البيت أكثر منا؟ لا والله، نحن ـ والله ـ أهل السنة نتقرب إلى الله بحبِّهم، ونحبهم بصدق.

المستشكل

عيد سليمان

تفاصيل المنشور

الاشكال

أنا شخصٌ من أهل السُّنة والجماعة، ولست شيعيًّا، وأحبُّ أهل البيت رضوان الله عليهم أجمعين، وأتّبعهم، فما الميزة التي يتميز بها الشيعة عن السُّنة. هل تظنون أنكم تحبون أهل البيت أكثر منا؟ لا والله، نحن ـ والله ـ أهل السنة نتقرب إلى الله بحبِّهم، ونحبهم بصدق.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..

ثمة مثَلٌ يقول: “أسمعُ جَعجعةً، ولا أرى طِحنًا”، وهذا المثَل منطبقٌ تمامًا على شخص المستشكل، غير أننا كنا نتمنى أنْ يكون صادقًا ولو بحرفٍ واحدٍ مما كتبه، ولكنْ مع الأسف، فابن تيمية الذي يصفونه بشيخ الإسلام يشهد في كتابه “منهاج السُّنة النبوية” أنّ أهل السُّنة لا يأخذون فقههم ولا عقائدهم عن العترة الطاهرة، ويؤكِّد على أنّ أئمة المذاهب السُّنية لم يأخذوا من فقه عليّ (عليه السلام) أيَّ شيءٍ يُذكر، فقال ما نصه: ((إن ‏أئمة المذاهب السُّنّية لم يأخذوا من فقهِ عليٍّ عليه السلام أيَّ شيءٍ يُذكر)) [منهاج السنة النبوية، ‏ج7، ص529].‏

وشهادة أخرى – نعتزُّ بها؛ لأن خير شهادةٍ ما شهد به الأعداء – أدلى بها إمامُ أئمة الوهابية وأشهر علماء الحديث الشيخ ناصر الدين الألباني، مفرِّقًا بين السُّنة والشيعة، ومبيِّنًا أن الذين يتابعون أهل البيت هم الشيعة دون السُّنة، حيث قال بصراحةٍ ووضوح في كتابه «الفتاوى المهمة» ‏ما نصه: ((يكفي عندنا القرآن والسُّنة، وهم عندهم القرآن وأهل البيت)) [الفتاوى ‏المهمة في التفرقة بين السنة والشيعة، ص154].‏

فهذه شهادةٌ من ابن تيمية والألباني تُثبت أنّ الذين يتابعون أهل البيت هم الشيعة دون السُّنة!!‏

فهل يريد منا المستشكلُ تصديقَه وتكذيب شيخين، أحدهما يُلقَّب بشيخ الإسلام عند أهل السُّنة، والآخر يُعدّ أشهر علماء الحديث المحقِّقين المعتمَدين في علم الجرح والتعديل؟ّ!‏

ثم إن التشيُّع هو حبُّ عليّ (عليه السلام) وتقديمُه على جميع صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا ما صرّح به ابن حجر العسقلاني في كتابه “فتح الباري”، حيث قال: ((التشيُّع محبة عليّ وتقديمه على الصحابة، فمن قدّمه على أبي بكر وعمر فهو غالٍ في تشيعه، ويطلق عليه رافضي)) [فتح الباري، لابن حجر، ج1، ص459].

فهل يجرؤ المستشكل على القول بتقديم عليّ (عليه السلام) وتفضيله على أبي بكر وعمر وعثمان، وعلى جميع الصحابة؟!

فتقديمه وتفضيله على أبي بكر وعمر وعثمان هو ما عليه أكثر كبار الصحابة، قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: ((والقول بالتفضيل قولٌ قديم، قد قال به كثير من الصحابة والتابعين، ‏فمِن الصحابة عمار، والمقداد، وأبو ذر، وسلمان، وجابر بن عبد الله، وأُبيّ بن كعب، وحذيفة، وبريدة، وأبو ‏أيوب، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وأبو الهيثم بن التيهان، وخزيمة بن ثابت، وأبو الطفيل عامر بن واثلة‏، والعباس بن عبد المطلب وبنوه، وبنو هاشم كافة، وبنو المطلب كافة)) [شرح نهج البلاغة، ج٢٠، ص٢٢١‏].‏

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: ((ورُوي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخبّاب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن ‏الأرقم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من أسلم، وفضّله هؤلاء على غيره)) [الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ‏ج3، ص1090].‏

وقال ابن حزم في الفِصَل: ((اختلف المسلمون في من هو أفضلُ الناس بعد الأنبياء عليهم السلام، فذهب بعض أهل السُّنة ‏وبعض أهل المعتزلة وبعض المرجئة وجميع الشيعة إلى أن أفضل الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن ‏أبي طالب، وقد روينا هذا القول نصًّا عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وعن جماعةٍ من التابعين والفقهاء)) [الفِصَل ‏في الملل والأهواء والنحل، ج4، ص90]. ‏

فالقول بتفضيله وتقديمه على الثلاثة وعلى جميع الصحابة هو من أبرز مصاديق الحب والولاء لعليٍّ وجميع أهل بيت النبوة (عليهم السلام).

وثمة محاذيرُ في دعوى محبة أهل البيت (عليهم السلام) المجردة عن الاتّباع والطاعة، فدعوىً ‏كهذه يَلزم منها أحدُ محذورَين:‏

الأول: هو محذورُ القول بلا عملٍ، وهذا مما شجَبه القرآن الكريم في قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا ‏لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 – 3].‏

والثاني: مخالفة الشرطية في قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران، آية:31]، ‏وهذا بيِّنٌ واضحٌ لمن له أدنى سعة من الاطلاع والعلم.‏

قال عزّ من قائل في سورة الشورى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]، وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مبينًا المراد بـ «القربى» في هذه الآية: هم: عليٌّ وفاطمة الزهراء وابناهما الحسن والحسين (عليهم السلام)، وغدتْ معرفتهم (عليهم السلام) لدى المخالف والمؤالف أشهر من الشمس، وأبيَن من أمس، للأخبار التي تَسالَم الفريقان على تواتر مصادرها، فقد روى الجمهورُ أنّه لمّا نزلتْ هذه الآية قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتك هؤلاء الذين وجبتْ علينا مودّتُهم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: عليٌّ وفاطمة وابناهما.

فدلّ ذلك على عصمتهم وطهارتهم، ولو لم يكونوا طاهرين مطهَّرين معصومين لَما أمر اللهُ تعالى بمودّتهم، ولَكان أمره عبثًا، تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا.

ومودتهم (عليهم السلام) لا تتحقق إلا بطاعتهم واتّباعهم؛ فإذا انتفت الطاعة، وانعدم الاتّباع تكون المودةُ مجرد دعوى لا يعدّ مدّعيها ممتثلًا للفرض؛ لأن شرط المودة الطاعةُ والاتباع، والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه، وآية ذلك ما جاء في محبة الله تعالى المشروطة باتّباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله عزّ وجلّ: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ الله فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31]، فعلّق الله تعالى حصول المحبة على تحقُّق الطاعة والاتّباع، ولازم ذلك أنّ مَن يدّعي حبّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وحبَّ أهل بيته أنْ يكون مطيعًا لأهل بيته (عليهم السلام)، تابعًا لهم؛ فقد صحّ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: «أحِبّوا الله لما يغذوكم من نعمته، وأَحِبوني بحبّ الله، وأحِبوا أهل بيتي بحُبي» [المستدرك على الصحيحين، ج3، ص162، تعليق الذهبي من التلخيص: صحيح]، وغير ذلك عشرات الأحاديث التي تحثّ على حبّهم واتّباعهم والتمسك بهم، وتنهى عن بغضهم وإيذائهم والانحراف عن نهجهم.

وفرْضُ محبتهم ومودتهم (عليهم السلام) – المنصوص عليه في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}، إلى جانب التمسّك والاعتصام بهم الذي جاء على لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: ((إني مخلِّفٌ فيكم الثِّقْلَين، ما إنْ تمسكتُم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي؛ فإنهما لن يفترقا حتى يرِدا عليّ الحوض)) وهذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المتواترة، الذي تنتهي سلسلة أسانيده إلى جماعة من أجلة الصحابة. [رواه مسلم في صحيحه، ج4، ص1883/ 36 و 37، سنن الترمذي، ج5، ص662/ 3786 و 663/ 3788، سنن الدارمي، ج2، ص431، سنن البيهقي، ج2، ص148 وج7، ص30 وج10، ص114، مسند أحمد، ج3، ص14 و17 و26 و59، وج4، ص366 و371، مستدرك الحاكم، ج3، ص109، و148].

وعليه، فما مِن شكٍّ أنّ محبتهم ومودتهم عقيدةٌ مستمدة من الكتاب والسُّنة النبوية المتواترة.

فالاتباع هو أقوى مظهرٍ وأوضح شاهدٍ على صدق المحبة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وبدونه تصبح المحبة دعوىً مجردةً عن الدليل وقولًا لا يصدِّقه عمل، كما هو حال من يدّعي حب أهل البيت (عليهم السلام) وحب أعدائهم في آنٍ واحد! فكيف لعاقلٍ أنْ يجمع بين نقيضين في جوفه، حبّ المظلوم وحبّ الظالم؟! .. وها هو ذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) صاحب الشأن في ما نحن فيه يقول: ((لا يجتمع حبُّنا وحبّ عدوِّنا في جَوْف إنسانٍ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: {مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ})) [بحار الأنوار، ج24، ص318].

فالآية الكريمة التي استشهد بها أمير المؤمنين (عليه السلام) تُثبت أنّ هذه الحالة هي انسلاخٌ عن الطبيعة الإنسانية وتمرّدٌ على الفطرة الثابتة في نفوس البشرية جمعاء.. فأعظمُ الشواهد على صدق المحبة وأجلُّ ثمارها الاتّباع، وهو إنما يتحقق بالمتابعة في أقوال المحبوب وأفعاله كلِّها. [يُنظر: مودة أهل البيت أصل قرآني وفرضية إسلامية، الجابري، ص2 – 5].

‏ونختم بقول الرازي: ((ومن اتخذ عليًّا ‌إمامًا ‌لدينه ‌فقد ‌استمسك ‌بالعروة ‌الوثقى في دينه ونفسه)) ‏[تفسير الرازي، ج1، ‏ص182].‏

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.