السائل
بكر أبو أحمد – الجزائر
السائل
بكر أبو أحمد – الجزائر
ثورة الحسين لم تمنع استمرار شتم أبيه علي بن أبي طالب على منابر الأمويين حتّى عهد عمر بن عبد العزيز الذي تولى الخلافة الاموية عام 99 للهجرة والذي أمر بمنع شتم علي … ولم تمنع اغتصاب النساء وقتل الأبرياء في مجزرة الحرّة عام 63 للهجرة ولم تمنع تفرّق المسلمين … فهل يصح أن نقول إنه لولا قتل الحسين وثورته لما استقام دين محمد؟! فأيّ استقامة هذه؟!!
الأخ بكر المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
لقد أشعلت الثورة الحسينية الجذوة في قلوب المؤمنين بالتصدي للطغاة والظالمين أينما كانوا، ومازالت تشكل نبراساً للأباة والأحرار في كلّ العالم يقتدون بنورها، فليس على الثائر أن يحقّق الغرض المادي من ثورته بشكل مباشر، بل قد يكون للبعد المعنوي من رفض الظلم والاستشهاد في سبيل الله والقيم النبيلة أبلغ الأثر في الدنيا والآخرة ولو على المستوى البعيد، على أنَّ المتتبع لحوادث التأريخ يجد أنّ أغلب الثورات التي تلت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) في العهد الأموي كانت الثورة الحسينية هي قدوتها ومنارها، حتّى انتهت بإسقاط النظام الأموي وإنهاء وجوده إلى الأبد.
فالنظام الأموي كانت له خطة محكمة في هدم الدين بدأها معاوية بحربه الباغية ضد أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمّ استمر بشتمه لصحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على المنابر ثمّ تواصل بوضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يؤكد ذلك جملة من المؤرخين.
ذكر ابن أبي الحديد المعتزلي في كتابه ” شرح نهج البلاغة “: ((ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى … أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير)) .(شرح نهج البلاغة 4: 63)
هذا، وقد أخرج الهيثمي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، والبوصيري وحسنه، عن أبي برزة الأسلمي، قال: كان أبغض الأحياء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنو أمية وبنو حنيفة وثقيف.
المستدرك (4 : 481)، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
وكذلك أخرج البوصيري في “اتحاف الخيرة المهرة”(8: 81) عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (وشرّ قبائل العرب بنو أمية)، قال البويصري: رواه أبو يعلى الموصلي بإسناد حسن. وفي مجمع الزوائد (10 : 71) قال: رواه أحمد وأبو يعلى . . . وكذلك الطبراني، ورجالهم رجال الصحيح غير عبد الله بن مطرف بن الشخير وهو ثقة.
وعن ابن كثير في “البداية والنهاية” يرويه عن محمد بن الحسن، قال: ((قال ابن عدي: محمد بن الحسن له إفرادات، وقد حدث عنه الثقاة، ولم أر بتحديثه بأسا)). (البداية والنهاية 6: 265).
وأخرج الحاكم والبوصيري وحسنه والهيثمي والبيهقي وابن حجر عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا مال الله دولا، ودين الله دغلا، وعباد الله خولا. (المستدرك 4 : 480. مجمع الزوائد 5 : 243 إلّا أنّه قال: بنو أبي الحكم. وقال: رواه الطبراني، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف، وحديثه حسن. دلائل النبوة 6 : 507 . مختصر إتحاف السادة المتقين 10 : 505 وقال: رواه أبو يعلى بسند صحيح. المطالب العالية 4 : 332 . البداية والنهاية 6 : 248).
فكلّ هذا النظام الطاغوتي الأموي أنهى وجوده الإمام الحسين (عليه السلام ) بثورته العظيمة حتّى بات ذكر الأمويين ويزيد سبّة على مرّ التأريخ لموقفهم الشنيع من الإمام الحسين (عليه السلام)، يقول الذهبي في ترجمته ليزيد (عليه لعائن الله) في “سير أعلام النبلاء”: ((كان ناصبياً، فظاً، غليظاً، جلفاً، يتناول المسكر، ويفعل المنكر. افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين، واختتمها بواقعة الحرّة، فمقته الناس، ولم يبارك في عمره، وخرج عليه غير واحد بعد الحسين، كأهل المدينة قاموا لله، وكمرداس بن أدية الحنظلي البصري، ونافع بن الأزرق، وطراف بن معلى السدوسي، وابن الزبير بمكة)). (سير أعلام النبلاء 4: 37).
وجاء عن الإمام الآجري في كتابه “الشريعة” قوله: ((على من قتل الحسين بن علي لعنة الله ولعنة اللاعنين، وعلى من أعان على قتله، وعلى من سبّ علي بن أبي طالب أو سبّ الحسين وآذى فاطمة في ولدها أو آذى أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فعليه لعنة الله وغضبه، لا أقام الله الكريم له وزنا، ولا نالته شفاعة محمد (صلى الله عليه وسلم) )) .(كتاب الشريعة 5 : 2183).
فثورة الإمام الحسين عليه السلام هي الثورة التي أحيت النفوس وأيقظت الضمائر وأعادت للإسلام جذوته وبهاءه بعد أن كاد الأمويون أن يذهبوا به ويحرفونه عن خطّه الأصيل.
يقول الفيلسوف الألماني المسيو ماربين في كتابه “السياسة الاسلامية”: ((لقد حضرت دفعات في المجالس التي يُذكر فيها عزاء الحسين في اسلامبول مع مترجم وسمعتهم يقولون: الحسين الذي كان إمامنا ومقتدانا، ومن تجب طاعته ومتابعته علينا لم يتحمل الضيم، ولم يدخل في طاعة يزيد، وجاد بنفسه وعياله، وأولاده، وأمواله … فعلمت أنّهم في الحقيقة يدرّس بعضهم بعضاً علناً بأنّكم إن كنتم شيعة الحسين، وأصحاب شرف، وإن كنتم تطلبون السيادة والفخر، فلا تدخلوا في أمثال طاعة يزيد، ولا تتحملوا الذلّ، بل اختاروا الموت بعزّة على الحياة بذلّة)) .انتهى
ودمتم سالمين.