مركز الدليل العقائدي

تكاملُ النبوّة والإمامة ودور الحسين في حفظ الشريعة

تفاصيل المنشور

السؤال

قد تواتر الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) : حسينٌ مني، وأنا من حسينٍ . ما اللمسات الإلهيّة والفروق التي أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيانها للأمّة، سيما في عبارة (وأنا من حسينٍ) من هذا الحديث الذي ظاهِرُه المحبّة.

السائل

طالب علم

تفاصيل المنشور

السؤال

قد تواتر الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) : حسينٌ مني، وأنا من حسينٍ . ما اللمسات الإلهيّة والفروق التي أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيانها للأمّة، سيما في عبارة (وأنا من حسينٍ) من هذا الحديث الذي ظاهِرُه المحبّة.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

لقد جاء في الحديث المتواتر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: «حسينٌ منّي، وأنا من حسين»، وهذه ليست مجرَّد عبارةٍ تفيد النسبة العائليّة أو القرابة الدنيويّة، بل هي بيانٌ لعقيدة إلهيّة وسُنّة ربانيّة تحكم مسيرة الدين وأهله.. فقول النبيّ (صلى الله عليه وآله) «حسينٌ مني» واضحٌ في انتماء الإمام الحسين (عليه السلام) إلى النبيّ نسبًا وروحًا، فهو ابنه وريحانته، ولكنّ قوله «وأنا من حسين» يكشف عن بُعدٍ إلهيٍّ في غاية الأهميّة؛ إذ لا يُتصوَّر أنْ يكون خاتم النبيِّين وسيّد الخلق متوقِّفًا على شخصٍ آخر إلا إذا كان ذلك الشخص هو الضامن لاستمرار الدين وبقائه خالصًا من التحريف.

إنّ الإسلام ـ منذ اللحظة التي بُعِث بها النبي (صلى الله عليه وآله) ـ كان مستهدفًا من قِبَل قوى النفاق والشرك، التي لم تستطع مواجهة نورِه إلّا عبر التغلغُل في جسده، فدخل النفاق في صفوف المسلمين، وبات التآمُر على الرسالة يجري تحت غطاءِ الخلافة والسلطة الشرعيّة. وبلغَ هذا التآمُر أوجه عندما آلَ الأمر إلى بني أميّة، فوقف يزيدُ بن معاوية ليعلن هدْم الإسلام جهارًا، قائلًا:

               «لعبتْ هاشمُ بالملك فلا      خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل»

 وهنا كان لا بدّ من نهضةٍ إلهيّة تحفظ بيضة الدين، وتصون كيان التوحيد.

ولهذا كان الحسين (عليه السلام) هو الامتحان الإلهيَّ للأمة، وكان دمُه الطاهر هو الذي رسم حدود الولاء الحقيقيّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله). فإنْ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد أرسى دعائم الإسلام ببعثته، فإنّ الحسين (عليه السلام) قد حمى هذه الدعائم بدمه يوم الطفِّ؛ ولذلك قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) «وأنا من حسينٍ»، أيْ أنّ بقائي وبقاء ديني واستمرار دعوتي قد تعلّق بالحسين ونهضته. فلو لم تكن كربلاءُ لتحوَّل الإسلامُ إلى صورةٍ مشوَّهة من دينِ بني أُميّة، ولأصبح الدين مجرَّد أداةٍ بيد الطُّغاة والمستبدِّين، كما أرادوا له أنْ يكون.

فالحديث يكشف بوضوحٍ عن تكامل النبوّة والإمامة، فالإمامةُ ليستْ مجرَّد منصبٍ سياسيٍّ أو تشريف اجتماعيّ، بل هي الامتداد الإلهيّ للنبوّة، وهي القوة التي تحفظ الدين من الانحراف بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله). فالنبيُّ جاء بالشريعة، والأئمةُ (عليهم السلام) هم حفَظتها؛ ولذلك لم يكن الإمامُ الحسين (عليه السلام) مجرَّد شخصيّة عظيمة في التاريخ، بل كان هو الميزان الذي يُميَّز به الإسلام الحقيقيُّ من الإسلام المزوَّر، وهو الحاجزُ الذي وقف بين الأمة وبين الانحراف المطلق.

ولهذا نجد أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يربط بقاء الدين بأحدٍ كما ربطه بالحسين (عليه السلام)، ولم يجعل الامتحان الأعظم للأمّة إلا في قضيّة الحسين ‏(عليه السلام)‏، فمن أحبّ الحسين فقد أحبّ النبيّ، ومن والى الحسينَ فقد والى النبيّ، ومن خذل الحسين فقد خذل النبيّ، ومن قاتل الحسينَ فقد قاتل النبيّ؛ لأنّ الإمام الحسين ‏(عليه السلام)‏ هو الامتحان الذي أظهر حقيقة القلوب، وكشَف عن المنافقين والمتخاذلين، وأسقط كلَّ الأقنعة الزائفة.

إذن، «وأنا من حسين» تعني أنّ رسالة النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد استمدَّت بقاءها من ثورة الحسين (عليه السلام)، وأنّ الإسلام الذي نؤمِن به اليوم قد خُطَّ بدماء الطفِّ، وأنَّ شهادة الحسين (عليه السلام) كانت القاعدةَ التي قام عليها صرْح التوحيد بعد أنْ أراد بنو أميّة هدْمَه. فكلُّ مَن يدّعي الإسلام اليوم ـ وهو لا يعرف حقَّ الإمام الحسين ‏(عليه السلام)‏، أو يتغافل عن ظلامته ـ فهو في الحقيقة مِن أتْباع إسلامِ يزيد، وليس من أتْباع الإسلام المحمديّ الأصيل.

فالسلامُ على الحسين، وعلى عليِّ بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، الذين جعلوا من دمائهم سيفًا يذود عن رسالة النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله)، وجعلوا من تضحياتهم قنديلَ هدايةٍ يضيء طريق السائرين نحو الحقِّ، حتى قيام قائم آل محمد (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، الذي سيُكمل مسيرة جدِّه الحسين (عليه السلام)، ويثأرُ له من أعدائه، ويرفع راية العدل الإلهيّ في الأرض.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.