السائل = يعقوب سالم.
السؤال = السلام عليكم.. هل يفترق تعريف الشيعة لـ (الإمامة) عن تعريف أهل السُّنة لها؟ وما تلك الفروق.. أرجو الجواب على نحوٍ عاجلٍ، وشكرًا.
الأخ يعقوب المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تعريف الإمامة عند علماء أهل السُّنة كما جاء عن التفتازاني ـ وهو من العلماء المبرَّزين في علم الكلام ـ هو: «الإمامة رئاسةٌ عامّة في أمر الدين والدنيا خلافةً عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم» [شرح المقاصد في علم الكلام، ص234].
وأمّا تعريفها عند علماء الشيعة الإمامية، فقد عرّفها العلامة الحلي بقوله: «الاِمامة رئاسةٌ عامّة في أُمور الدين والدنيا لشخصٍ نيابةً عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم» [الباب الحادي عشر مع شرحه النافع يوم المحشر ـ للمقداد بن عبد الله الحلي، ص82].
ومن النظر إلى التعريفين يتضح: أنّ الفريقين – الشيعة والسُّنة – اتّفقوا على تعريف الإمامة من حيث المفهوم، واختلفوا في مَن له الإمامة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهل هي بالنصّ أو الاختيار؟
ومن جرّد ذاته عن العصبية التي تصمُّ السمعَ، وتُعمي البصر والبصيرة، سيجد أن الحق هو ما عليه الشيعة الإمامية، هذا ما صرح به أحد أعلام أهل السُّنة، د. أحمد صبحي في كتابه “نظرية الإمامة”:
((هذه أدلة متكلّمي الشيعة الاثني عشرية في نقد مبدأ الاختيار وإثبات وجود النص على الإمامة، فما كان موقف أهل السُّنة إزاءها… أما إزاء الدفاع عن مبدأ الاختيار فلم يكن موقفهم متماسكًا موحدًا، ويرجع ذلك إلى اختلاف آرائهم في كيفية الاختيار… ومع كل ذلك لا نجد عند متكلمي أهل السنة موقفًا مجمعًا عليه، الأمر الذي يسّر على الشيعة نقد دعوى الاختيار من أساسها وإثبات تهافتها، فضلًا عن عدم انطباقها في الواقع إلا حين اختير أبو بكر… فلقد كان في واقع التاريخ الإسلامي ما التمس فيه الشيعة نقط الضعف لتركيز هجومهم على أسلوب اختيار الخلفاء…)).
ثم يستطرد في القول: ((ولا شك أنّ أدلة الشيعة جديرةٌ بالاعتبار، ولا شك أيضُا أنّ انتقاداتهم المتتالية لمبدأ الاختيار لها ما يبررها… كل ذلك مما يجعل للأدلة الشيعية وانتقاداتهم لمبدأ الاختيار بعض الاعتبار)).
وقد عرض وجهة نظر الشيعة بوجوب صدور استخلافٍ من النبي في ضوء وقائع التاريخ بقوله:
((الحقيقة الأولى التي يجب التسليم بها أنّ النبي كان يعلم أن أمته ستتعرض ـ إذا لم ينصّ هو على من يخلفه ـ إلى الفتن والاضطراب، أما أنه كان يعلم ذلك فإن كل الفرق الاسلامية قد أوردت هذا الحديث: (ستفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فرقة…) فهل كان رسول الله يعلم أنّ الدهر يدخر لأمته صفحة مملوءة بالحوادث والفتن، إذ تختلف أمته من بعده، ويتقاتل أفرادها، وتُراق الدماء، وتُزهق النفوس، ثم يسكت النبي عن ذلك دون أن يقدِم على مشورةٍ تجنِّب أمته شرّ العثار؟ ولنفرض أن الحديث والتاريخ لم يسجلا لنا حديثًا واحدًا يقضي فيه النبي بمن يخلفه في أمر أمته، فهل يصح أن نصدقهما بهذا الإهمال، ونصدقهما أن النبي ترك أمته في فوضويّةٍ لا حدّ لها.
وهل كان دينه خاصًّا بعصره ليترك أمتَه من بعده هملًا من غير راعٍ يسوسهم او طريقةٍ يتبعونها في أمور دينهم ودنياهم، لقد ورد أن عائشة قالت لعمر في أواخر أيام خلافته: (لا تدعْ أمة محمد بلا راعٍ، استخلفْ عليهم، ولا تدعْهم بعدك هملًا، فإني أخشى عليهم الفتنة) فهل إنّ النبي لم يدرك ما أدركته عائشة من أنّ المسلمين يتعرضون للفتنة نتيجة عدم الاستخلاف، أو ليس بين المسلمين وبين صحابته من سأله هذا السؤال الذي سألتْه عائشة لعمر؟
وإذا لم يكن محمد نبيًّا مرسلًا نزل دينه للناس كافة في كل زمان، وإذا لم يكن عالمًا عن وحيٍ فليكن على الأقل سياسيًّا كسائر الساسة الذين لا يخفى عليهم بعض أمور رعاياهم، فلا يتركونهم تحت رحمة هؤلاء واختلاف الآراء.
على أنه قد عُرف عنه أنه لا يترك المدينة من غير أميرٍ يخلّفه عليها إذا خرج لحرب أو غزوة، فكيف نصدِّق عنه أنه أهمل أمر أمته بعده إلى آخر الدهر دون قاعدة يرجع إليها المسلمون أو دون خلفٍ يخلُفه بعده؟ فإنْ قيل: إنه وكل الأمر إلى اتفاق أمّته واختيارهم، وهذا معناه أنه أوقع أمتَه في منازعاتٍ دائمةٍ، تقضي إلى إزهاق النفوس وإضعاف القوى وذهاب الإيمان، إذ كيف يتفق أهل البلد الواحد على حكمِ واحدٍ فضلًا عن أمةٍ كبيرة)). [نظرية الإمامة، أحمد محمود صبحي، ص97-99].
هذا ما ذكره الدكتور أحمد صبحي، وهو جدير بالعناية والانتباه.. وآخر دعوانا أنِ الحمدُ لله رب العالمين، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.