تفاصيل المنشور
- المستشكل -مصطفى الدليمي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 42 مشاهدة
تفاصيل المنشور
هل يستطيع الشيعة أن يثبتوا أنهم أخذوا أو (يأخذوا) دينهم من المعصوم حصرا؟
المستشكل
مصطفى الدليمي
هل يستطيع الشيعة أن يثبتوا أنهم أخذوا أو (يأخذوا) دينهم من المعصوم حصرا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
سنفترض أن أنك من المسلمين، وأنك قد قرأت كتاب رب العالمين، ومع ذلك سنقرأ لك بعض الآيات التي لها الأثر البالغ في رفع الغشاوة عن عينيك، فنقول:
لمّا قال الله تعالى: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:7]، وكان قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الآية قائما مقام قول الله عزّ وجلّ، وراجعنا السنة الشريفة وجدنا حديثا صحيحاً، بل متواتراً كما شهد به ابن حجر الهيتمي في “الصواعق المحرقة” وغيره، بأن طريق النجاة يمر عبر الإيمان والتمسك بالعترة الطاهرة، فقد جاء عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا)).[انظر: الصواعق، ص136].
قال القاري في كتابه “مرقاة المفاتيح” لدى شرحه حديث الثقلين: ((والمراد بالأخذ بهم التمسك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم)) [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ج9، ص3974].
والعترة هم (الآل) و (الأهل) كما صرح به أقطاب اللغة، فقد قال ابن منظور: «وآل الله، وآل رسوله، أولياؤه، أصلها (أهل) ثمّ أُبدلت الهاء همزة، فصارت في التقدير (أأل)، فلمّا توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفاً» [لسان العرب، ج1، ص253 مادّة أهل]
فهؤلاء العترة هم أحد الثقلين، والثقل كل نفيس خطير مصون، قال النووي: ((سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما، وقيل: لثقل العمل بها)) [أنظر: شرح مسلم للنووي، ج15، ص175].
كما صرّح في لسان العرب بأنّ (العترة) هم (أهل البيت) مستدلاًّ بحديث: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي» قال: ((فجعل العترة أهل البيت)) [لسان العرب، ج9، ص34].
وقال الزبيدي في (التاج): ((وقال أبو عبيد وغيره: عترة الرجل واسرته وفصيلته: رهطه الادنون، وقال ابن الاثير: عترة الرجل أخص أقاربه، وقال ابن الأعرابي عترة الرجل ولده وذريته وعقبه من صلبه، قال: فعترة النبي صلى الله عليه وسلم ولد فاطمة البتول عليها السلام)). [تاج العروس، ج12، ص521].
وأهل البيت مركب لفظي له معنى لغوي وحقيقة لغوية، وكذلك له معنى شرعي وحقيقة شرعية، وثمة اختلاف بين الحقيقتين، ولا خلاف في تقديم المعنى الشرعي على المعنى اللغوي، قال الشوكاني: ((لا إجمال فيما كان له مسمى لغوي ومسمى شرعي كالصوم والصلاة عند الجمهور بل يجب الحمل على المعنى الشرعي لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لبيان الشرعيات لا لبيان معاني الألفاظ اللغوية والشرع طارئ على اللغة وناسخ لها فالحمل على الناسخ المتأخر أولى)) [ارشاد الفحول، ج2، ص22].
وفي بيان المراد من أهل البيت، قال ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري): ((وفي ذكر البيت معنى آخر؛ لأنّ مرجع أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إليها (أي إلى خديجة)؛ لما ثبت في تفسير قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾، قالت أمّ سلَمة: (لمّا نزلت دعا النبيُّ | فاطمة وعلياً والحسن والحسين فجلّلهم بكساءٍ فقال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي»، الحديث أخرجه الترمذي وغيره، ومرجع أهل البيت هؤلاء إلى خديجة؛ لأن الحسنين من فاطمة، وفاطمة بنتُها، وعليٌّ نشأ في بيت خديجة وهو صغير ثمّ تزوج بنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبويّ إلى خديجة دون غيرها)) [فتح الباري، ج11، ص 134].
وقال فخر الدين الرازي: ((وأنا أقول: آل محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين يؤول أمرهم إليه فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد التعلقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل)) [تفسير الرازي، ج27، ص595].
وقال ابن قيِّمِ الجَوزيّة، في تفسيره: ((قوله في عليٍّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين: اللهم هؤلاء أهل بيتي، رواه مسلم، فإن هذا لا ينفي دخول غيرهم من أهل بيته في لفظ أهل البيت، ولكنّ هؤلاء أحقُّ مَن دخل في لفظ أهل بيته)) [تفسير ابن القيم، ج2، ص275].
وها قد تبين لك من هم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبقي علينا معرفة من الذين تمسكوا بالكتاب والعترة (أهل البيت) بعد النبي (صلى الله عليه وآله)، فنقول:
جاء عن ابن تيمية في “مسألة تعليق الطلاق” وفي معرض كلامه عن بعض الأحكام الشرعية في مسائل الطلاق وممن وافق الشافعي فيها، قال: ((ومن وافقه كابن حزم من السنة، وكالمفيد والطوسي والموسوي وغيرهم من شيوخ الشيعة، وهم ينقلون ذلك عن فقهاء أهل البيت (إلى أن يقول عن الشيعة) لكن جمهور ما ينقلونه عن الشريعة موافق لقول جمهور المسلمين، فيه ما هو من مواقع الإجماع، وفيه ما فيه نزاع بين أهل السنة، فليس الغالب فيما ينقلونه عن هؤلاء الأئمة من مسائل الشرع الكذب، بل الغالب عليه الصدق)). انتهى [مسألة تعليق الطلاق، ص697، 698].
وقال في “منهاج السنّة النبوية” وهو يتحدث عن الشيعة من أين يأخذون أحكام دينهم: ((وأما شرعياتهم فعمدتهم فيها على ما ينقل عن بعض أهل البيت، مثل أبي جعفر الباقر، وجعفر بن محمد الصادق وغيرهما)) [منهاج السنة النبوية 5: 162].
وأما ابن القيم الجوزية فقد جاء عنه في كتابه “الصواعق المرسلة” قوله: ((الوجه التاسع: إن فقهاء الإمامية من أولهم إلى آخرهم ينقلون عن أهل البيت أنه لا يقع الطلاق المحلوف به وهذا متواتر عندهم عن جعفر بن محمد وغيره من أهل البيت وهب أن مكابرا كذبهم كلهم وقال قد تواطئوا على الكذب عن أهل البيت ففي القوم فقهاء وأصحاب علم ونظر في اجتهاد وإن كانوا مخطئين مبتدعين في أمر الصحابة فلا يوجب ذلك الحكم عليهم كلهم بالكذب والجهل وقد روى أصحاب الصحيح عن جماعة من الشيعة وحملوا حديثهم واحتج به المسلمون…)). انتهى [الصواعق المرسلة 1: 616، 617].
ولنقف الآن على تعريف الشيعة الإمامية:
قال الشهرستاني في كتابه “الملل والنحل”: ((الشيعة هم الذين شايعوا عليّاً رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصّاً ووصيّة، إما جليّاً وإما خفيّاً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده)). [الملل والنحل، ج1، ص146].
وقال ابن خلدون: ((اعلم أنّ الشيعة لغةً: الصَّحْب والأتْبَاع، ويُطلَق في عُرْف الفقهاء والمتكلِّمين من الخلَف والسلف على أَتْبَاع عليّ وبنيه رضي الله عنهم)). [مقدمة ابن خلدون، ص196].
وقال الجرجاني: ((الشيعة هم الذين شايعوا عليا رضي الله عنه: قالوا: إنه الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عنه وعن أولاده)). [كتاب التعريفات للجرجاني، ص129].
فالشيعة إذن – بحسب تصريحات ابن تيمية وغيره – هم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) يأخذون دينهم عنهم وأنهم صادقون في النقل عنهم والإتباع لهم، لثبوت الأدلة على عصمتهم (عليهم السلام)، إذ غير المعصوم ليس معلوم الصدق فلا يتبع.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.