مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

تظافر الأدلة كتاباً وسنـةً على حرمة الغناء

تفاصيل المنشور

السؤال

يحرّم بعض الناس سماع الأغاني مستدلين بقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا أولئك لهم عذاب مهين}، واحتجوا بأن بعض أئمة أهل البيت قالوا: إن لهو الحديث في الآية هو الغناء، فهل هذا الاستدلال بالآية صحيح؟ وما رأيكم في سماع الأغاني؟

السائل

عبد الله أبو صفاء

تفاصيل المنشور

السؤال

يحرّم بعض الناس سماع الأغاني مستدلين بقوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا أولئك لهم عذاب مهين}، واحتجوا بأن بعض أئمة أهل البيت قالوا: إن لهو الحديث في الآية هو الغناء، فهل هذا الاستدلال بالآية صحيح؟ وما رأيكم في سماع الأغاني؟

بسمه تعالى
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
تظافرت الأدلة كتابا وسنة على حرمة الغناء، فمن الكتاب قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان:6].
وأما أدلة السنة:
فعلى مذهب الشيعة الإمامية: روى الشيخ الكليني في “الكافي”: ((علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن علي بن إسماعيل، عن ابن مسكان، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: الغناء مما وعد الله عز وجل عليه النار وتلا هذه الآية: “وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ”)) [الكافي، ج6، ص431].
قال المجلسي: ((الحديث حسن، ويدل على أن الغناء من الكبائر، قوله تعالى: «ومن الناس» قال الطبرسي (رحمه الله): نزلت في النضر بن الحارث كان يتجر فيخرج إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم، ويحدث بها قريشا ويقول لهم: إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن عن الكلبي. وقيل نزلت في رجل اشترى جارية تغنيه ليلا ونهارا عن ابن عباس. وأكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث الغناء، وهو قول ابن عباس وابن مسعود، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن الرضا عليهم السلام)). [مرآة العقول، ج22، ص301].
وأما على مذهب أهل السنة: فقد أورد الترمذي نزولها من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام. في مثل ذلك أنزلت عليه هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِ})). والحديث حسنه الألباني وغيره، وأورده في السلسلة الصحيحة.
وفي “المستدرك على الصحيحين “للحاكم النيسابوري”: ((“حدثنا” أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا بكار بن قتيبة القاضي ثنا صفوان بن عيسى القاضي ثنا حميد الخراط عن عمار الدهني عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله)، قال: هو والله الغناء. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. قال الذهبي في التلخيص: صحيح، حميد هو ابن زياد صالح الحديث)). [المستدرك على الصحيحين، ج2، ص445].
وجاء في “تحفة الأحوذي” للمباركفوري: ((وأخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عبد الله سئل عن قوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث)، قال: الغناء والذي لا إله غيره. وأخرجه الحاكم وصححه والبيهقي كذا في التلخيص)). [تحفة الأحوذي، ج4، ص419].
وجاء في تفسير ابن كثير: ((سأل ابن مسعود عن قول الله: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث) قال: الغناء. وكذا قال ابن عباس وجابر وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول وعمرو بن شعيب وعلي بن نديمة. وقال الحسن البصري: نزلت هذه الآية: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) في الغناء والمزامير)). [تفسير ابن كثير، ج3، ص451].
ومن روايات أهل السنة: ما رواه البخاري: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)). [صحيح البخاري، ج6، ص243].
وقد رد ابن الصلاح في مقدمته ما أفاده ابن حزم في رد الحديث المذكور بالانقطاع، قائلا: ((ولا التفات إلى أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ في رد ما أخرجه البخاري من حديث أبي عامر وأبي مالك الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحرير والخمر والمعازف”، الحديث من جهة أن البخاري أورده قائلا: قال هشام بن عمار وساقه بإسناده فزعم ابن حزم أنه منقطع فيما بين البخاري وهشام وجعله جوابا عن الإحتجاج به على تحريم المعازف وأخطأ في ذلك من وجوه والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر ذلك الحديث في موضع آخر من كتابه مسندا متصلا وقد يفعل ذلك لغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع)) [مقدمة ابن الصلاح، ص57؛ وانظر: فتح الباري، ج10، ص45].
تسالم فقهاء الشيعة على تحريم الغناء:
قال السيد الخوئي (قدس سره) في “منهاج الصالحين”: ((الغناء حرام إذا وقع على وجه اللهو والباطل، بمعنى أن تكون الكيفية كيفية لهوية، والعبرة في ذلك بالصدق العرفي وكذا استماعه ولا فرق في حرمته بين وقوعه في قراءة ودعاء ورثاء وغيرها ويستثنى منه غناء النساء في الأعراس إذا لم يضم إليه محرم آخر من الضرب بالطبل والتكلم بالباطل، ودخول الرجال على النساء وسماع أصواتهن على نحو يوجب تهييج الشهوة، وإلا حرم ذلك)). [منهاج الصالحين، ج2، مسألة: 17].
وقال السيد السيستاني (حفظه الله) في “منهاج الصالحين”: ((الغناء حرام فعله واستماعه والتكسب به)). [منهاج الصالحين، ج2، مسألة:20].
ومن أقوال فقهاء أهل السنة ننقل الإجماع على منع الاستماع إلى المعازف والغناء:
فقد جاء في “الموسوعة الفقهية” الصادرة عن وزارة الأوقاف الكويتية: ((حكم الاستماع للمزمار ونحوه من الآلات النفخية: ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى عدم جواز الاستماع للمزمار وغيره من آلات اللهو المحرمة. جاء في “الزواجر” [لابن حجر الهيثمي الشافعي]: قال القرطبي: أما المزامير والكوبة فلا يختلف في تحريم سماعها، ولم أسمع عن أحد ممن يعتبر قوله من السلف، وأئمة الخلف من يبيح ذلك، وكيف لا يحرم وهو شعار أهل الخمور والفسوق، ومهيج للشهوات والفساد والمجون، وما كان كذلك لم يشك في تحريمه ولا في تفسيق فاعله وتأثيمه)). [الموسوعة الفقهية، ج37، ص107].
وممن حكى الإجماع ابن الصلاح، قال في فتاواه: ((إن الدف والشبابة والغناء إذا اجتمعت فاستماع ذلك حرام عند أئمة المذاهب وغيرهم من علماء المسلمين، ولم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله في الإجماع والإخلاف أنه أباح هذا السماع… وهكذا لا يعتد بخلاف من خالف فيه من الظاهرية لتقاصرهم عن درجة الإجتهاد في أحكام الشريعة، فإذن هذا السماع غير مباح بإجماع أهل الحل والعقد من المسلمين)). [فتاوى ابن الصلاح، ج2، ص501].
ومما تقدم يتضح أن موضوع حرمة الغناء كتابا وسنة وإجماع فتاوى الفقهاء من جميع المذاهب الإسلامية أمر متسالم عليه.
الحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.