مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

تشكيكٌ مضطربٌ في حديث الكساء

تفاصيل المنشور

السؤال

لو كانتِ الغايةُ مِن حديث الكساء هي بيانَ مصداقه في عليٍّ وفاطمةَ والحسن والحسين رضي الله عنهم وإخراجَ أزواجه منه لكانت هذه هي الصيغة المطلوبة (اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا)،‏ ولم يكن هناك حاجةٌ للدعاء لهم؛ إذ إن الآية قد بيَّنت ذهاب الرجس عنهم وطهارتهم. وكذلك مما يعارض فهم الإمامية أن العصمة عندهم هي منذ المولد، فهؤلاء الأربعة كانوا حينها مطهَّرين أساسًا، فلماذا الدعاء لهم؟ ولماذا إذن لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنا الرجس، وطهرنا تطهيرًا؟ فلماذا لم يُدخِل نفسه معهم في الدعاء إذن؟ فهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على اختلاف طهارتهم عن طهارته، وحالهم عن حاله! بينما لو كان الجميع معصومين منذ الولادة لكان حالهم واحد، وبالنتيجة إما أن لا يدعو لأحدٍ؛ لعدم الحاجة أو يدعو للجميع، ومن ضمنهم نفسه إذا كان ذلك جائزًا.

السائل

أبو طالب الشافعي

تفاصيل المنشور

السؤال

لو كانتِ الغايةُ مِن حديث الكساء هي بيانَ مصداقه في عليٍّ وفاطمةَ والحسن والحسين رضي الله عنهم وإخراجَ أزواجه منه لكانت هذه هي الصيغة المطلوبة (اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرًا)،‏ ولم يكن هناك حاجةٌ للدعاء لهم؛ إذ إن الآية قد بيَّنت ذهاب الرجس عنهم وطهارتهم. وكذلك مما يعارض فهم الإمامية أن العصمة عندهم هي منذ المولد، فهؤلاء الأربعة كانوا حينها مطهَّرين أساسًا، فلماذا الدعاء لهم؟ ولماذا إذن لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنا الرجس، وطهرنا تطهيرًا؟ فلماذا لم يُدخِل نفسه معهم في الدعاء إذن؟ فهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على اختلاف طهارتهم عن طهارته، وحالهم عن حاله! بينما لو كان الجميع معصومين منذ الولادة لكان حالهم واحد، وبالنتيجة إما أن لا يدعو لأحدٍ؛ لعدم الحاجة أو يدعو للجميع، ومن ضمنهم نفسه إذا كان ذلك جائزًا.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
اعتراضك بـ (لو كانت الغاية مِن حديث الكساء هي بيان مصداقه في عليَّ وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وإخراج أزواجه ‏منه…) .. جوابه:
أن بيان الغاية مِن حديث الكساء وبيان أن مصاديقه هم عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وإخراج أزواجه، صرح به جملةٌ من علمائكم، منهم:
الآلوسي صاحب التفسير، قال ما نصه: ((وأخبار إدخاله صلى الله عليه وسلم عليًّا وفاطمة وابنيهما (رضي الله تعالى عنهم) تحت الكساء، وقوله عليه الصلاة والسلام: (اللهمّ هؤلاء أهل بيتي) ودعاؤه لهم، وعدم إدخال أُمّ سلمة أكثر مِن أنْ تُحصى، وهي مخصِّصةٌ لعموم أهل البيت بأيّ معنى كان البيت، فالمرادُ بهم مَن شمِلهم الكساء، ولا يدخل فيهم أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم)) [تفسير الآلوسي، ج22، ص15].
وفخر الدين الرازي في تفسيره، قال: ((وأنا أقول: آل محمد صلى الله عليه وسلم هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعليًّا والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل» [تفسير الرازي، ج27، ص595].
وافتراضك صيغةً أخرى لحديث الكساء على هذا النحو (اللهم هؤلاء أهل بيتي الذين أذهبت عنهم الرجس، وطهرتهم تطهيرًا)‏ هو افتراض مناقضٌ للنص الصحيح الثابت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، يقول ابن تيمية عن حديث الكساء: ((وأما حديث الكساء فهو صحيح، رواه أحمد والترمذي من حديث أم سلمة، ورواه مسلمٌ في صحيحه من حديث عائشة، قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداةٍ، وعليه مِرطٌ مرجّلٌ من شَعرٍ أسود، فجاء الحسن بن علي، فأدخله، ثم جاء الحسين، فأدخله معه، ثم جاءت فاطمة، فأدخلها، ثم جاء عليّ، فأدخله، ثم قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} …. )) [منهاج السنة النبوية، ج5، ص13].
وأما اعتراضك بـ (لم يكن هناك حاجة للدعاء لهم؛ إذ إن الآية قد بيَّنت ذهاب الرجس عنهم وطهارتهم. وكذلك مما يعارض فهم الإمامية أن ‏العصمة عندهم هي منذ المولد، فهؤلاء الأربعة كانوا حينها مطهرين أساسًا، فلماذا الدعاء لهم؟).. فجوابه:
قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} أي إنّما يريد اللهُ بالإرادةِ التكوينيّة الحتمية أنْ يُذهب عنكم الرجس، والإذهاب هنا دفعيٌّ لا رفعيٌّ؛ لأنه سبحانه قال (عنكم) الرجس أهلَ البيت، ولم يقل (منكم) الرجس، وفرقٌ بين عنكم ومنكم، فـ (عنكم) تعني دفع الرجس، و (منكم) تعني رفع الرجس، فالأولى لا تقتضي وجود رجسًا فيهم، والثانية بعكسها، فإنها تقتضي وجوده.. وبالنتيجة فإن هذه الآية الكريمة فيها دلالة على أن أهل البيت (عليهم السلام) قد نالوا أعلى مراتب التطهير وأكملَها، وهذا المعنى صرح به ابن حجر في “الصواعق”، حيث قال: ((حكمة ختْم الآية بـ {تَطْهِيرًا} المبالغة في وصولهم لأعلاه، وفي رفع التجوُّز عنه ثم تنويه تنوين التعظيم والتكثير والإعجاز المفيد إلى أنه ليس من جنس ما يتعارف، ويؤلف، ثم أكد ذلك كلَّه بتكرير طلب ما في الآية لهم بقوله: اللهم هؤلاء أهل بيتي إلى آخر ما مرّ، وبإدخاله نفسه معهم في العدِّ لتعود عليهم بركة اندراجهم في سلكه، بل في روايةٍ أنه اندرج معهم جبريل وميكائيل إشارة إلى عَليِّ قدرهم)) [الصواعق، ج2، ص427].
والسؤال هنا: هل آية التطهير عندما نزلت شملت النبي‏ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، أو أنها شملت أهل بيته فقط؟
والجواب أشهر من نارٍ على علم، فقد أجمع المسلمون سنةً وشيعةً على أنّ آية التطهير تشمل النبي ‏(صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، فقد قال أحمد بن محمد الشامي: ((وقد أجمعتْ أمهات كتب السُّنة وجميع كتب الشيعة على أن المراد بأهل البيت في آية ‏التطهير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين؛ لأنهم الذين فَسر بهم رسول الله صلى الله عليه ‏وآله وسلم المراد بأهل البيت في الآية، وكلُّ قولٍ يخالف قولَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعيدٍ أو قريب ‏مضروبٌ به عرض الحائط، وتفسير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أولى من تفسير غيره؛ إذ لا أحد أعرفُ منه ‏بمراد ربه)) [جناية الأكوع، ص125].‏
وابن حجر في “الصواعق” – كما أشرنا – أكد هذا بقوله : ((ثم أكد ذلك كله بتكرير طلب ‏ما في الآية لهم بقوله: اللهم هؤلاء أهل بيتي إلى آخر ما مرّ، وبإدخاله نفسه معهم في العدِّ لتعود عليهم بركة اندراجهم في ‏سلكه، بل في روايةٍ أنه اندرج معهم جبريل وميكائيل إشارة إلى عليِّ قدرهم)) [الصواعق، ج2، ص427].‏
والسؤال هنا: أ لم يكنِ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معصومًا قبل نزول الآية؟
لا إشكال، ولا شبهة في كونه ‏(صلى الله عليه وآله وسلم) معصومًا قبل نزول الآية الشريفة، وهكذا الحال بالنسبة لعصمة أهل بيته (عليهم السلام)، فاعتقاد الشيعة بعصمة أهل البيت (عليهم السلام)، قبل نزول الآية الشريفة، ثابت صحيح.
واعتراضك بـ (لماذا إذن لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهبْ عنا الرجس وطهِّرْنا تطهيرًا؟ لماذا لم يُدخل ‏نفسه معهم في الدعاء إذن، فهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على اختلاف طهارتهم عن طهارته، وحالهم عن حاله!‏).. جوابه:
لا ينكرُ مسلمٌ أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يقرأ سورة الفاتحة في جميع صلواته، ومن ضمنها قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، فهل إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن مهتديًا عندما يقرأ في جميع صلواته: ‏{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، ويطلب من الله الهداية لنفسه، أم هو لغو، وهو منزه عنه؟!
إذاً، فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لمّا جمع عليًّا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وألقى عليهم كساءً، ودعا لهم بقوله: «اللهمّ هؤلاء أهل بيتي، فأذهبْ عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيرًا»، كان يسعى إلى تحديد وتوضيح من هم أهل بيته الذين يريد الله إذهاب الرجس عنهم ويطهرهم تطهيرًا.‏
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.