مركز الدليل العقائدي

تجديدُ الحزن على الحسين (ع) وأثرُه في تعزيز القيم الإنسانية وترسيخِ المبادئ الإسلامية

تفاصيل المنشور

السؤال

لماذا يُجَدَّدُ الحزن على قتل الحسين رضي الله عنه، على رغم مضي 1400 سنة على تلك الحادثة؟

السائل

عبد الرحمن ميسر

تفاصيل المنشور

السؤال

لماذا يُجَدَّدُ الحزن على قتل الحسين رضي الله عنه، على رغم مضي 1400 سنة على تلك الحادثة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..

إذا أنعمت النظر في كتب ابن تيمية ستجد جواب ما سألت عنه، فإنه يعلِّل ذلك في كتابه “رأس الحسين” فيقول: ((في المسند وغيره: عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين عن النبي (ص) أنه قال: (ما من مسلمٍ يُصاب بمصيبةٍ، فيَذكر مصيبةً، وإنْ قدمت، ‌فيُحدث ‌لها ‌استرجاعًا، إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أُصيب بها). فهذا الحديث رواه الحسين، وعنه بنته فاطمة التي شهدت مصرعه. وقد علم اللهُ أن مصيبته تُذكر على طول زمان)) [رأس الحسين، لابن تيمية، ص202].

وفي كتابه “حقوق آل البيت” يقول: ((إن اليوم الذي هو يوم عاشوراء الذي أكرم الله فيه سبط نبيه، وأحد سيدي شباب أهل الجنة بالشهادة على أيدي من قَتله من الفجرة الأشقياء، وكان ذلك مصيبةً عظيمة من أعظم المصائب الواقعة في الإسلام. وقد روى الإمام أحمد وغيره عن فاطمة بنت الحسين، وقد كانت قد شهدت مصرع أبيها، الحسين بن علي رضي الله عنهم، عن جده رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما من رجلٍ يُصاب بمصيبةٍ، فيَذكر مصيبته وإنْ قدمت، ‌فيُحدث ‌لها ‌استرجاعًا إلا أعطاه الله من الأجر مثل أجره يوم أصيب بها”. فقد علم الله أن مثل هذه المصيبة العظيمة سيتجدَّد ذكرُها مع تقادم العهد)) [حقوق آل البيت، لابن تيمية، ص44].

وفي منهاج السُّنة يؤكد قائلًا: ((ورواية الحسين وابنته التي شهدت مصرعه لهذا الحديث آية، فإن مصيبة الحسين هي ما يذكر وإن قدمت)) [منهاج السنة النبوية، ج4، ص551].

ومما سبق يتضح وجود مسوِّغٍ شرعي لتجديد الحزن على الحسين (عليه السلام)، وذلك على رغم مرور الزمن وابتعاد الأحداث تاريخيًّا.

فمعركة كربلاء واقعة مأساوية في تاريخ الإسلام؛ حيث قُتل الإمام الحسين (عليه السلام) وجمْعٌ من أهل بيته وأصحابه وأنصاره بطريقةٍ غير إنسانية، لم يُسجل التاريخ مثيلًا لها. وهذه الواقعة تُعَد من بين الأحداث الأكثر أهمية التي شهدت تحديًا ضد الظلم والفساد والاضطهاد الذي حلّ في الإسلام.

والشيعة يجددون الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام) سنويًّا في يوم عاشوراء وفي أوقات أخرى، وذلك لتذكير الناس بقضيته واستلهام الدروس والعِبر التي يمكن استخلاصها من تضحيته وثباته في مواجهة الظلم والطغيان.

ويُمكن ذكر أسباب تجديد الشيعة للحزن على الإمام الحسين (عليه السلام) في عدة أمور:

أولًا: يُعدّ الإمام الحسين (عليه السلام) شخصيةً مؤثرة في تاريخ الإسلام، وقد ارتُكبت بحقه وبحق أهل بيته وأنصاره جرائم مأساوية وظلم جسيم، فتجديد الحزن على استشهاده يُظهِر حبَّه وإكبارَه.

ثانيًا: تُعدّ معركة كربلاء حدثًا تاريخيًّا مهمًّا، يحمل في طياته قيَمًا ومبادئَ يُحتذى بها، وتجديد الحزن يساعد على الاستفادة من تلك القِيم والعِبر وتطبيقها في حياة المسلمين.

ثالثًا: يُعدّ تجديد الحزن على الحسين (عليه السلام) في عاشوراء مناسبةً لتعزيز الوحدة والتلاحم بين المؤمنين، حيث يجمعهم هذا الحدث الأليم، ويجعلهم يتلاقون في ذكراه.

رابعًا: تجديد الحزن على الحسين (عليه السلام) يُعَدّ فرصة للتأمل والتدبر، حيث يحثّ على التفكُّر في قضية العدل ومقاومة الظلم ومقارعة الظالمين، ويعزّز الإحساس بالمسؤولية تجاه مواقف المؤمنين وتحديات الحياة.

خامسًا: إن تجديد الحزن على الحسين (عليه السلام) يساهم في إبراز قيمة الصبر والثبات في وجه الصعاب والمِحن، وهو مفهومٌ بارزٌ يُعزِّز الإيمان والقوة الروحية لدى المؤمنين.

وختامًا، يُعدّ تجديد الحزن على الإمام الحسين (عليه السلام) فرصة لإحياء روح العدالة والمقاومة والتضحية التي جسدتها شخصيته (عليه السلام)، ولتذكير الناس بقيمة الالتفاف حول المبادئ الإسلامية والقيم الإنسانية العُليا.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.