مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

تبدّل السماوات والأرض ورفع توهّم فناء الخلود

تفاصيل المنشور

الاشكال

كيف يمكن الجمع بين قوله تعالى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، الذي قد يُفهَم منه أنّ خلود أهل الجنّة وأهل النار مشروطٌ ببقاء السماوات والأرض، مع أنّ القرآن يصرّح في مواضعَ أخرى بأنّ السماوات والأرض ستزول يوم القيامة، كما في قوله: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}؟ وهل هذا يعني أنّ الخلود المذكور ليس أبديًّا، ويتناقض مع الآيات التي تصرِّح بأنّ أهل الجنّة خالدون فيها أبدًا، وأهل النار كذلك؟

المستشكل

المراقب

تفاصيل المنشور

الاشكال

كيف يمكن الجمع بين قوله تعالى {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ}، الذي قد يُفهَم منه أنّ خلود أهل الجنّة وأهل النار مشروطٌ ببقاء السماوات والأرض، مع أنّ القرآن يصرّح في مواضعَ أخرى بأنّ السماوات والأرض ستزول يوم القيامة، كما في قوله: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}؟ وهل هذا يعني أنّ الخلود المذكور ليس أبديًّا، ويتناقض مع الآيات التي تصرِّح بأنّ أهل الجنّة خالدون فيها أبدًا، وأهل النار كذلك؟

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

إنّ الإشكال المطروح حول قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود:107]، في الجنُّة والنار، قد يَتوهَّم منه البعض أنّ هذا الخلود محدودٌ بزوال السَّماوات والأرض، مما يجعله متناقضًا مع آياتٍ أخرى تصرِّح بأنّ الخلود أبديٌّ بلا انقطاع، ولكنّ الحقيقة التي بيّنها أهلُ البيت (عليهم السلام) تنفي هذا التوهُّم، وتكشف المراد الواقعيّ من الآية.

إنّ المراد بالسماوات والأرض هنا ليس السماوات والأرض الدنيويّة التي ستزول يوم القيامة، وإنما هي سماواتٌ وأرضٌ أخرى تتبدَّل بها هذه العوالم بعد يوم الحساب، كما نصّ القرآن الكريم في قوله: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ} [ابراهيم:48]، أيْ أنّ هناك نظامًا آخر من السماوات والأرض يختلف عن النظام المشهود في الدُّنيا، وهو الذي يكون في عالمِ الآخرة. فالتعبير “ما دامت السماوات والأرض” في هذه الآية لا يعني أنَّهما سيفنيان في يومٍ ما، وينتهي الخلود معهما، بل المقصود أنّ الخلود مستمرٌّ ببقاء عالم الآخرة الذي لا يعتريه الفَناء.

وأيضًا، فإنّ هذا الأسلوب هو من أساليب العرب في التعبير عن التأبيد والدّوام، كما يقال: “سأعبدُ الله ما دامت السماءُ فوق الأرض” أو “الأرضُ منيرةٌ ما دامت الشمس تشرق”، فلا يعني ذلك أنّ الحكم ينتهي بانتهاء هذه الأشياء، بل هو أسلوبٌ مجازيٌّ يرادُ به الاستمرار. وقد أكَّد أهل البيت (عليهم السلام) ذلك، ففي رواية عن الإمام السَّجاد (عليه السلام) أنه قال: «”تبدَّل الأرض غير الأرض” يعني بأرضٍ لم يُكتسَبْ عليها الذنوب، بارزة ليستْ عليها جبال ولا نبات كما دحاها أول مرّة»، وقال العلّامة الطباطبائي في الميزان بعد إيراده هذه الرواية: «وفيه دلالةٌ على حدوث الجبال، وكذا النبات بعد تمام خلقة الأرض». [تفسير الميزان، للطباطبائي، ج12، ص91]، مما يدلّ بوضوحٍ على أنّ المراد عالمُ الآخرة، الذي هو باقٍ ببقاء أمر الله عز وجل.

وبذلك، يتبيَّن أنّ الآية لا تناقض الآيات التي تصرِّح بالخلود الأبديّ، بل تؤكِّد عليه بأسلوب آخر، فلا انفصالَ بين النصوص القرآنية، بل هي يفسِّر بعضُها بعضًا في ضوء بيانات أهل البيت (عليهم السلام)، الذين هم ترجمان الوحي وخزّان العلم.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.