تفاصيل المنشور
- السائل - أبو عمر
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 387 مشاهدة
تفاصيل المنشور
يا شيعة، اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ، ولم يهتز لمقتل علي بن أبي طالب!! على ماذا يدلكم هذا؟! أ لا يدلكم على أن سعدًا أفضل من عليّ!!
السائل
أبو عمر
يا شيعة، اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ، ولم يهتز لمقتل علي بن أبي طالب!! على ماذا يدلكم هذا؟! أ لا يدلكم على أن سعدًا أفضل من عليّ!!
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
هذه المقارنة باطلةٌ ذاتًا وموضوعًا، فضلًا عن كونها مغالطةً واضحة، فالذي أخبر باهتزاز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا الإخبار بلا شك من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله سبحانه ومن ارتضى من رسول، ولم يكن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيًّا حينما قتل أمير المؤمنين عليٌّ (عليه السلام) ليخبرنا هل اهتز العرش لمقتله أو لم يهتز، فلا يمكن أن نجري مقارنة بين الحدثين، أو نستنتج مماثلة بينهما.
وبناءً على الدليل الذي قدمتَه بالاستناد إلى حديث اهتزاز العرش بموت سعد بن معاذ، يمكن أن يُستنتج بأنه ليس فقط أفضل من عليّ (عليه السلام) ولا يقتصر على ذلك، بل يمكن أيضًا اعتباره – من وجهة نظرك – أفضل من جميع الأنبياء (عليهم السلام)، بما في ذلك النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله وسلم)، حيث لا يوجد حديثٌ واحد، ولو ضعيفًا يَذكر أن عرش الرحمن اهتز لموت واحدٍ من الأنبياء!! هذا من جانب.
ومن جانبٍ آخر، وبناءً على عقيدة أهل السُّنة في شهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعشرةٍ من الصحابة بالجنة، ومن بينهم علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لا يُعدّ الصحابي سعد بن معاذ من ضمن هؤلاء العشرة المبشَّرين بالجنة، وعليه، هو ليس أفضلَ من هؤلاء الصحابة العشرة، وهؤلاء جميعُهم لم يهتزَّ لموت أحدهم العرشُ، في حين اهتز العرشُ لموته، وهو لم يكن من المبشَّرين بالجنة!!
ومن جانبٍ ثالث، فقد أنكر الصحابيُّ عبد الله بن عمر اهتزاز العرش لموت أحد، وبيَّن أن المراد بالعرش الذي اهتز لموت سعد بن معاذ هو سريره الذي حُمل عليه.
قال أبو إسحاق الحربي (تـ 285هـ) في غريب الحديث: ((وذهب ابن عمر إلى وجه آخر، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن مجاهد ، عن ابن عمر أن العرش ليس يهتز لموت أحدٍ، ولكن سريره الذي حُمل عليه)) [غريب الحديث، الحربي، ج1، ص173، تـ. العايد].
وقال الحكيم الترمذي (تـ ٣٢٠هـ) في نوادره: ((عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه، وذكر يوماً عنده أن العرش اهتز لحب الله لقاء سعد، فقال ابن عمر: إن العرش ليس يهتزُّ لموت أحد، ولكن سريره الذي حمل عليه)) [نوادر الأصول في أحاديث الرسول، الحكيم الترمذي، ج1، ص99، تـ. عميرة، ط. دار الجيل].
وقال المحاملي (تـ ٣٣٠هـ) في أماليه: ((حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر، قال: ذكر يومًا سعد بن معاذ حين توفي، قيل: إن العرش اهتز لحب لقاء الله سعدًا. قال ابن عمر: إن العرش ليس يهتز لموت أحدٍ، ولكنه سريره الذي حُمل عليه)) [أمالي المحاملي، رواية ابن مهدي الفارسي، ص80، تـ. السلفي].
هذا، مما يعني وقوع الخلاف بين علماء أهل السُّنة في تأويل اهتزاز العرش لموت سعد، فبعضهم حمله على ظاهره، أي اهتزاز عرش الرحمن، وآخرون على اهتزاز سريره كما في رواية الحربي والترمذي والمحاملي، وغيرهم حملوه على أنه كنايةٌ عن تعظيم شأن موته، قال النووي في شرح مسلم: ((اختلف العلماء في تأويله، فقالت طائفة: هو على ظاهره، وقال الحربي: هو كنايةٌ عن تعظيم شأن وفاته، والعرب تنسب الشيء المعظَّم إلى أعظم الأشياء، فيقولون: أظلمتْ بموت فلان الأرضُ، وقامت له القيامة)). [يُنظر: شرح النووي على مسلم، ج16، ص22، ط. دار إحياء التراث العربي].
وقال السمعاني في تفسيره: ((وقد روي عن النبي أنه قال: “اهتز العرش لموت سعد بن معاذ” قيل: أراد به سريره الذي حُمل عليه)) [تفسير السمعاني، ج3، ص66، ط. دار الوطن].
ومن جانب رابع، وفي سياق الاستدلال على عذاب القبر وضغطته، أورد علماء أهل السُّنة حديثًا صحيحًا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مبيِّنًا فيه أن سعد بن معاذ قد ضغطه القبر ضغطةً، تشابكت منها ضلوعه؛ لأنه كان يقصِّر في التطهير من البول.
قال المناوي في “فيض القدير”: ((وقال السلمي: أما الأخبار في عذاب القبر فبالغة مبلغ الاستفاضة، منها قوله صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ: لقد ضغطته الأرض ضغطة اختلفت لها ضلوعه، قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلم ننقم من أمره شيئًا إلا أنه كان لا يستبرئ في أسفاره من البول. هكذا ذكره القرطبي عنه… وأخرج الحكيم عن جابر بن عبد الله، قال: لما توفي سعد بن معاذ، ووضع في حفرته سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كبر، وكبر القوم معه، فقالوا: يا رسول الله لِمَ سبحت؟ قال: هذا العبد الصالح، لقد تضايق عليه قبره حتى فرجه الله عنه، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: كان يقصِّر في بعض الطهور من البول. اه بحروفه. قال الحكيم: فإن قيل: الذي يهتز العرش لموته كيف يُضيَّق عليه؟ قلنا هذا خبر صحيح، وذاك صحيح، وإنما سبب ضم القبر أنه كان يقصِّر في بعض الطهور)) [فيض القدير، ج5، ص333، ط. الأولى، ١٣٥٦هـ].
وختامًا، يُطرح هذا السؤال، ويظل قائمًا: كيف اهتز عرش الرحمن لموت الصحابي سعد بن معاذ، وهو لم يكن من المبشَّرين بالجنة؟!
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.