مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الولاية امتدادٌ للرسالة

تفاصيل المنشور

الاشكال

هل تسقط الرسالة ببداية الولاية؟ بمعنى أنه هل انتهت الرسالة بموت النبي عليه الصلاة والسلام، واحتاج الناس للولاية بدل الرسالة لأن صاحبها مات؟ أقنعوني بالدليل يا شيعة!

المستشكل

سامي النمر

تفاصيل المنشور

الاشكال

هل تسقط الرسالة ببداية الولاية؟ بمعنى أنه هل انتهت الرسالة بموت النبي عليه الصلاة والسلام، واحتاج الناس للولاية بدل الرسالة لأن صاحبها مات؟ أقنعوني بالدليل يا شيعة!

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
يظهر أن الكاتب ليس في سياق الاستفهام العابر، بل هو يعبر عن توجُّهه نحو إثارة شك مقصود، يتجلى هذا الأمر بوضوحٍ من ختام عبارته حين يقول (أقنعوني بالدليل يا شيعة)، وعمومًا، تعكس هذه الجمل المكتوبة علاماتٍ، إما على عدم إلمام الكاتب بما ثبت عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من نصوصٍ تؤكد ولاية عليٍّ (عليه السلام) من بعده، أو تجاهله لتلك النصوص والتعامل معها بالرفض والعناد، والعياذ بالله. وبغضِّ النظر عما إذا كان المقصودُ هو استفهامًا بسيطًا، أو تشكيكًا مقصودًا، سنقوم بالردِّ على ما طُرِح.
الولاية هي جوهر الحكم وحقيقته، وليس لحاكمية أحدٍ على آخر معنى غير تقديم إرادة الحاكم ‏على ‏المحكومين وتحكيمها عند تزاحم الإرادات.، وهذه الولاية ثابتةٌ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ‏على الناس، وهي مُقرَّرةٌ من قِبل الله سبحانه‏، يؤكد ذلك قولُه تعالى‏: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ ‏أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب:6]، قال الطبري في تفسيره للآية الكريمة: ((يقول: أحقّ بالمؤمنين به من أنفسهم، أنْ يحكم فيهم بما ‏شاء من حكمٍ، فيجوز ذلك عليهم، كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ‏النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما أنت أولى بعبدك، ما قضى فيهم من أمرٍ جاز، كما كلّما ‏قضيتَ على عبدِك جاز))[تفسير الطبري، ج21، ص127]،‏ ولم يُذكَر لهذه الأولوية اسمٌ غير (الولاية)، ولم يَنفِ أحدٌ هذه (الأولوية) عن ‏ولاية رسول ‏الله ‏‏(صلى الله عليه وآله وسلم) على أمّته. ‏
وهذه الولاية ثابتةٌ أيضًا لأئمة المسلمين وولاة الأمور من بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ‏وسلم)، وهو ما يُفهم من نصِّ حديث (الغدير) المعروف عندما سأل رسول الله (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ‏جموعُ المسلمين في (غدير خمٍّ) عند عودته من حَجة الوداع: «أ لستُ أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا: ‏بلى. قال: «من كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه».‏
وقد شهد كثيرٌ من علماء أهل السُّنة بدلالة هذا الحديث المتواتر على التنصيب، منهم الإمام الغزالي الذي قال في كتابه «سر العالمين» الموجود ضمن رسائل الإمام الغزالي [ص483]، ما نصه: ((لكنْ أسفرتِ الحجة وجهَها، وأجمع الجماهيرُ على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خمٍّ باتفاق الجميع، وهو يقول: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه. فقال عمر: بخٍ بخ يا أبا الحسن، لقد أصبحتَ مولاي ووليَّ كل مؤمنٍ ومؤمنة. فهذا تسليمٌ ورضىً وتحكيم، ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة، وحمْل عمود الخلافة، وعقود البنود، وخفقان الهوى في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتْح الأمصار؛ فسقاهم كأس الهوى، فعادوا إلى الخلاف الأول، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنًا قليلًا)).
وجاء أيضًا في حديثٍ صحيح رواه علماء أهل السُّنة في مجاميعهم الحديثيّة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ((عليٌّ منّي، وأنا منه، وهو وليّ كلِّ مؤمنٍ بعدي) [راجع سلسلة الأحاديث الصحيحة، ج5، ص261].
فما المراد من كلمةِ (وليّ) في هذا الحديث الشريف؟!
نقول: إن كلمة (ولي) هي من الألفاظ المشتركة في اللغة، بمعنى أنَّ لها عدة معانٍ، حالها حال كلمة (عين) التي تدل على عدة معانٍ من: الباصرة والنابعة والجاسوس وعين الذهب ونحوها.. واللفظ المشترك يستفاد معناه بمعونة القرائن اللفظية فيه.. فلو قلتَ مثلًا: رأيتُ عينًا، وسكتَّ.. فأنتَ لا تفهم المراد مني، بأنني: هل رأيت عين الماء او أنني رأيت عينًا باصرة أو أنني رأيت جاسوسًا يتلصَّص علينا، ولكنني عند قولي: رأيت عينًا باكية، تفهم من قولي بأنني رأيت العين الباصرة، بقرينةِ لفظة (باكية) في الكلام، وكذلك لو قلت لك: رأيت عينًا باردة ، تفهم من كلامي بأنني رأيت عين الماء بقرينة لفظة (باردة) في الكلام، وهكذا.
وبالرجوع إلى كتب اللغة نجد عدة معانٍ لكلمة (وليّ) في استعمالات العرب، فقد جاء في‌ «صِحاح‌ اللغة‌»: الولْي ـ القرب‌ والدنوّ . يقال‌: تباعَدَ بَعْدَ وَلْي‌ٍ؛ وكُلْ مِمّا يَليكَ، أي: مِمّا يُقَاربُكَ ؛ إلى أن‌ يقول‌: والولِيُّ ضدّ العدو، يقال:‌ منه‌ تولّوه‌. والمَوْلَى‌ المعتِق‌، وابن‌ العمّ، والناصر، والجار. والولي الصهر؛ وكُلُّ مَنْ وَلِي‌َ أَمْرَ واحِدٍ فَهُوَ وَلِيُّهُ. إلي‌ أن‌ يقول‌: والوِلاَية‌ بالكسر السلطان؛ والوِلاَية‌ بالكسر والفتح‌: النصرة‌؛ وقال‌ سيبويه‌: الوَلاَية‌ بالفتح‌ المصدر؛ وبالكسر الاسم،‌ مثل‌: الإمارة‌ والنِقابَة‌؛ لأنه‌ اسم‌ لما تولّيْته،‌ وقمتَ به‌ ؛ فإذا أرادوا المصدر فتَحوا.
وجاء في‌ «أقرب‌ الموارد»: وَلاَهُ، وَوَلِيَهُ، يَلِيهِ، من‌ باب‌ ضَرَبَ يَضْرِبُ وَحَسِبَ يَحْسِبُ، والأوّل‌ قليل‌ الاستعمال‌ ؛ {والمصدر } وَلِي‌، أي‌ دنا منه‌، وقرب،‌ يقال‌: جَلَسْتُ مِمَّا يَلِيهِ؛ أي‌ يقاربه‌؛ ويقال‌: الْوَلِيُ حُصُولُ الثَّانِي‌ بَعْدَ الأوَّلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ.
وَلِي‌َ الشيء وَعليه وِلاَيَةً وَوَلاَيَةً: ملك‌ أمره‌، وقام‌ به‌. أو الوِلاَيَة‌ بالفتح‌ والكسر الخِطَّة‌ والإمارة‌ والسلطان؛ ووَلِيَ فلاَناً وعليه: نصره‌، ووَلِيَ فُلاَنًا وَلاَيةً: أَحبّه‌ ؛ ووَلِي‌َ الْبَلَدَ: تسلّط‌ عليه.
فبحسب بيانات أهل اللغة نجد أنّ لكلمة (ولي) معانيَ متعددة، منها: الناصر، وابن العم، والجار، والمحب، والمعتق، وولي الأمر.. وغيرها.
فأي من المعاني المتقدمة لكلمة (ولي) هو المعنى المناسب لوضعه محلّ كلمة وليّ في حديث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ((… وهو ولي كل مؤمن بعدي))، حتى يتم الكلام، ويستقيم بنحوٍ صحيح سليم؟
إن قلت: نضع بدلها (ابن العم)!
قلنا: هذا واضح البطلان، لأنه لا معنى لأن يقول النبي ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏ في حق عليّ (عليه السلام): «وهو ابن عم كل مؤمن بعدي»!!.
وإن قلت: نضع محلها (الجار)!
قلنا: وهذا واضح البطلان أيضًا، لأنه أيّ معنى لأن يكون مراد النبي ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏: «وهو جار كل مؤمن بعدي»!!
فإن قلت: نضع محلها كلمة (الناصر أو المحب)!
قلنا: هذا باطل أيضًا، ولا يصح بحال؛ لأنه أي معنى لكلام النبي‏ (صلى الله عليه وآله وسلم)‏: «وهو ناصر ومحب كل مؤمن بعدي» الذي يعني أنه ليس بناصر ولا محب للمؤمنين الآن!!
فهذا الكلام لا يمكن قبوله جزمًا؛ لأن عليًّا (عليه السلام) هو ناصر المؤمنين ومحبهم في حياة رسول الله ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)، فما الوجه من تقييد المحبة والنصرة للمؤمنين بعد النبي‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏ فقط ؟!
بقي عندنا معنى واحد من معاني (الولي) المتقدمة، يناسب المقام، ولا يرِدُ عليه أي إشكال، وهو (ولي الأمر)، أي يكون معنى كلام النبي ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏: «وهو وليُّ أمر كل مؤمن بعدي»، فهذا المعنى لا يرِد عليه أيّ إشكال مطلقًا.
وقد جاء في صحيح مسلم ما يدل على استفادة الإمرة من كلمة (ولي) من دون إضافة كلمة أمر إليها، ‏والقرينة هو السياق، فانظر إلى ما أفاده عمر بن الخطاب في خطابه للعباس عم النبي (صلى الله ‏عليه وآله وسلم) وعليّ (عليه السلام) في منعه إرث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أهل بيته، حيث قال: ((توفي أبو بكر وأنا ولي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وولي أبي بكر)) [‏صحيح مسلم، ج5، ص152، باب حكم الفيء]. ‏
‏وواضح أن المقصود من كلام عمر (وأنا ولي) ‏هو ولاية الأمر، ولم نجد من علماء أهل السنة مَن يقول: إن المراد من كلمة ولي هنا (النصرة والمحبة)!
‏وعليه، فالولاية عرفًا تعني الحاكمية بلا نزاع ولا جدال، فالناس تسمِّي الحاكم والخليفة والملك والأمير ولي الأمر.
وبهذا يثبت أن مراد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه المتقدم هو: أنّ عليًّا (عليه السلام) هو الحاكم والخليفة وولي الأمر من بعده. ومن جميع ذلك يثبت أيضًا أن الولاية هي امتداد للرسالة.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.