مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

النبيُّ أوصى بالخلافة لعليٍّ بلسانٍ عربيّ فصيح

السائل = سلام ندا الحمداني

السؤال = لماذا لم يوصِ رسول الله صلى الله عليه وسلم صراحةً بالخلافة لأمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام؟

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى بالخلافة لعليٍّ (عليه السلام) بلسانٍ عربيٍّ فصيح، وذلك في عشرات الأحاديث المرويّة في مصادر المسلمين سنةً وشيعة، وتكررت منه ‏(صلى الله عليه وآله وسلم) ‏عشرات المرات مفرداتٌ وألفاظٌ تُفصح بوضوحٍ عن استخلافه لعليٍّ (عليه السلام)، فتارةً يقول: (وليِّي)، وأخرى: (خليفتي)، وثالثة: (وزيري)، ورابعة: (وصيي)، ومن ذلك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((فأيّكم يؤازرني على أمري هذا، ويكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فقال أمير المؤمنين: يا نبي الله، أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول الله برقبة عليٍّ، وقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له، وأطيعوا، فقام القوم يضحكون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أنْ تَسمع لابنك، وتطيع)).
ونصّ على صحّة هذا الحديث الشهاب الخفاجي في شرحه على الشفاء للقاضي عياض، ففي سياق ذكره معاجز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعرّض لذكر الحديث على أنها واحدةٌ من جملة معاجزه؛ كون الطعام كان صاعًا واحدًا، وعليه رِجلُ شاةٍ فقط، فأكلوا، وكلّهم شبعوا، وهذا من جملة معاجز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال الشهاب الخفاجي: ((إنّ سند هذا الخبر صحيح)) [نسيم الرياض – شرح الشفاء للقاضي عياض -، للشهاب الخفاجي، ج3، ص35].
وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد”: ((رواه أحمد، ورجاله ثقات)) [مجمع الزوائد، للهيثمي، ج8، ص302].
وقال – أيضُا – بعد أن رواه بسندٍ آخر عن بعض كبار علمائهم من أحمد وغيره: ((رجال أحمد وأحد إسنادَي البزّار رجالُ الصحيح غير شريك، وهو ثقة)) [المصدر نفسه، ج8، ص303].
وهذا الحديث الصحيح هو من جملة الأدلة التي تُثبت إمامة أمير المؤمنين عليٍّ (عليه السلام) وخلافته؛ لأنه نصّ صريح على خلافته وإمامته، ويمكن أن يُدَّعى تواتره.
وعلاوة على ذلك، فإنّ ما يلفت النظر، ويضفي على دلالة الحديث قوةً في الاستدلال ما ورد في ذيله من أنّ أتْباع أبي لهب وغيره قالوا لأبي طالب، وهم يضحكون: “قد أمرك أنْ تسمع، وتطيع لابنك عليّ”.

فأُولئك المشركون فهموا من كلام رسول الله‏ (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه يريد أن ينصِّب عليًّا (عليه السلام) إمامًا مطاعًا من بعده لعموم الناس، في حين نجد بعض المتهوِّكين من المسلمين يطالب بنصٍّ صريحٍ عن رسول الله ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)، ‏بخلافة عليّ (عليه السلام)!!
ونجد أن أمير المؤمنين عليًّا (عليه السلام) ـ وهو صاحب الشأن في ما نحن فيه ـ يستدل بهذا الحديث في جواب سائلٍ سأله: ((يا أمير المؤمنين، بِمَ ورثتَ ابن عمّك دون عمّك؟ فقال عليّ: هاؤم! ثلاث مرات، حتى اشرأب الناس، ونشروا آذانهم، ثم قال: جمَع رسول الله – أو دعا رسول الله- بني عبد المطلب، منهم رهطه، كلهم يأكل الجذعة، ويشرب الفرق، قال: فصنع لهم مدًّا من طعام، فأكلوا حتى شبعوا، وبقي الطعام كما هو، كأنه لم يُمسَّ. قال: ثم دعا بغمرٍ، فشربوا حتى رووا، وبقي الشراب كأنه لم يُمس، ولم يشربوا. قال: ثم قال: يا بني عبد المطلب، إني بُعثت إليكم بخاصة، وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذا الأمر ما قد رأيتم، فأيكم يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووارثي؟ فلم يقم إليه أحد، فقمتُ إليه- وكنت أصغر القوم- قال: فقال: اجلس، قال: ثم قال ثلاث مرات، كل ذلك أقوم إليه، فيقول لي: اجلس، حتى كان في الثالثة، فضرب بيده على يدي، قال: فبذلك ورثت ابن عمي دون عمي)) ‏[تاريخ الطبري، ج2، ص322؛ خصائص أمير المؤمنين، للنسائي، ص86؛ الرياض النضرة في مناقب العشرة، للطبري، ج3، ص125].
ويقول أحد أبرز علماء أهل السنة وفقهائها، “محمد بن علي بن محمد الشوكاني”، في كتابه “الفتح الرباني” معقبًا على الحديث: ‏((والواجب علينا الإيمان بأنه – أي عليًّا – عليه السلام وصيّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم)) ‏‏[الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني 2/ 976، ط. مكتبة الجيل الجديد، اليمن]. ‏
فالشوكاني فهِم من الحديث أن الإمام عليًّا (عليه السلام) هو مُنجِزُ الوعد، وقاضي الدين، ووارثه، ووزيره، وخليفته في ‏الصحابة من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)..
وفي حديثٍ صحيح آخر يقول فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باللفظ الصريح: ((إنّه لا ينبغي أن أذهب إلّا وأنت خليفتي))، صححه أحمد شاكر. ‏[مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص331، تـ. أحمد شاكر].‏ وصححه الحاكم في المستدرك، وأقرّه الذهبي في التلخيص. [المستدرك على الصحيحين، للحاكم، ج3، ص143، ط. العلمية].
فهل الخلافة والإمامة غير هذا؟!
وهل ثمة ألفاظ أوضح وأصرح من هذه الواردة في تلكم الأحاديث ‏المروية في مصادر أهل السنة التي نصوا على صحّتها‏؟!‏
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.