مركز الدليل العقائدي

المهديُّ المنتظر ونزول عيسى بين الحقيقة والادِّعاء

تفاصيل المنشور

الاشكال

السلام عليكم ـ ذكَر أحد دُعاة أهل السُّنة: أنّ قضية المهديّ المنتظر هي وسيلةٌ سوَّغت للأُمة الهرب من واقعها العَمَلي وواجبها الإصلاحيّ، فعليها أنْ تجلس، وتنتظر؛ لأنّ ﷲ سبحانه سيبعث لها رجلًا سيتكفَّل بإصلاحها، وهذا أدَّى بها إلى تعطيل واجبها بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر..

ويقول: إنَّ قضية المهديّ ونزول نبيّ الله عيسى في آخر الزمان هي كذبةٌ يهوديّة ناقَضها القرآنُ بآية {وكنتُ عَليهِم شَهيدًا ما دمتُ فيهِم فلما تَوفيتَني كُنتَ أنتَ الرَّقيبَ عَليهِم}.

المستشكل

طالب

تفاصيل المنشور

الاشكال

السلام عليكم ـ ذكَر أحد دُعاة أهل السُّنة: أنّ قضية المهديّ المنتظر هي وسيلةٌ سوَّغت للأُمة الهرب من واقعها العَمَلي وواجبها الإصلاحيّ، فعليها أنْ تجلس، وتنتظر؛ لأنّ ﷲ سبحانه سيبعث لها رجلًا سيتكفَّل بإصلاحها، وهذا أدَّى بها إلى تعطيل واجبها بالأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر..

ويقول: إنَّ قضية المهديّ ونزول نبيّ الله عيسى في آخر الزمان هي كذبةٌ يهوديّة ناقَضها القرآنُ بآية {وكنتُ عَليهِم شَهيدًا ما دمتُ فيهِم فلما تَوفيتَني كُنتَ أنتَ الرَّقيبَ عَليهِم}.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

إنَّ هذا الطرح يفتقر إلى الدقّة في فهْم العقيدة الإسلامية وسياقها التاريخي والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية.

والردّ على هذا الادِّعاء يكون بتفنيد مغالطاته من عدة أوجُه:

أولًا: قضية المهديّ المنتظر ليستْ دعوةً للتواكُل أو ترك العمل، بل هي دعوةٌ للاستعداد والتحضير لمشروعِ الإصلاح الإلهيّ الكبير.. وأنَّ مفهوم الانتظار في الفكر الإسلامي لا يعني الجلوسَ مكتوفي الأيدي، بل هو انتظارٌ إيجابيٌّ يقتضي السعيَ للإصلاح على المستويات كافّة ، الفردية والاجتماعية؛ لأن الروايات عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) تأمر الشيعة بأنْ يكونوا مثالًا يُحتذى في الإصلاح والعمل والتقوى حتى زمن الظهور، فقد رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله: ((مَن سرّه أنْ يكون مِن أصحاب القائم فليَنتظِر، وليَعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظِرٌ)) [كتاب الغيبة للنعماني، ص200، باب 10، حديث رقم 16‏].

فإذا كانتِ الرواياتُ تؤكِّد العمل والإصلاح، فكيف يمكن أنْ تُتهَّم هذه القضيةُ بتعطيل الأمة؟! بل على العكس، هي شحْذٌ لهِمَمها للإصلاح انتظارًا لظهور القيادة الإلهية.

ثانيًا: وجودُ الإمام المهديّ (عليه السلام) ونزولُ نبيِّ الله عيسى (عليه السلام) ثابتان بالنُّصوص الشرعية مِن القرآن الكريم والسُّنة النبوية، وقد اتَّفق على ذلك جمهورُ المسلمين.

أما نزولُ نبيِّ الله عيسى، فقد ورد في قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [الزخرف:61]، وقد فَسَّر جمهورُ المفسِّرين الآية بأنها إشارةٌ إلى عودة عيسى (عليه السلام) في آخر الزمان. [يُنظر: تفسير الطبري، ج21، ص33-34، تفسير سورة الزخرف، الآية 61‏].

وأمّا الإمامُ المهديُّ، فقد وردتْ أحاديثُ كثيرةٌ متواترة عن النبي (صلى الله عليه وآله) في مصادر المسلمين كافّة، منها قوله (صلى الله عليه وآله): ((المهديّ من عترتي من وُلْد فاطمة)) [سنن أبي داود، ج4، ص107، حديث رقم 4284‏]، وقوله: ((لو لم يبقَ من الدُّنيا إلا يوم لطوّل اللهُ ذلك اليوم حتى يَبعث رجلًا من أهل بيتي يواطئ اسمُه اسمي)) [سنن الترمذي، ج4، ص505، حديث رقم 2230‏].

ثالثًا: الآية الكريمة: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة:117]، لا تُناقِض عودة عيسى (عليه السلام) إلى الأرض، فالآيةُ تتحدَّث عن انتهاء وظيفته الأولى في أنه شاهدٌ على قومه خلال وجوده بينهم، ولا تتطرَّق إلى مسألة عودته في آخر الزمان، وقد أوضح القرآنُ الكريم في مواضع أخرى أنَّ عيسى (عليه السلام) لم يُقتل، ولم يُصلب، بل رُفِع إلى السماء، وسيعود في وقتٍ يريدُه الله سبحانه، كما في قوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا* وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء:158-159].

رابعًا: الزعْم بأنَّ قضية المهديّ أدَّت إلى تعطيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مغالطةٌ مكشوفة؛ إذ إنّ الشيعة الإمامية، الذين يؤمنون بقضية الإمام المهديّ بنحوٍ راسخ، كانوا في طليعة الحركات الإصلاحية والثوريّة في العالم الإسلامي، مثل ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وثورات التوّابين ونحوها في مواجهة الظلم والطغيان.

خامسًا: الادِّعاء بأنَّ هذه العقائد مستمَدَّة من اليهوديّة يُناقض الواقع؛ لأن اليهود أنفسَهم لا يعترفون بنزول عيسى (عليه السلام)، بل يُنكرونه أشدَّ الإنكار.. فكيف تكون عقيدةُ نزول عيسى (عليه السلام) كذبةً يهودية، وهم لا يؤمنون بها أصلًا؟!

وخلاصةُ القول أنّ قضية الإمام المهديّ (عجّل الله فرجه) ونزول عيسى (عليه السلام) ليستْ دعوةً للتواكُل، بل هي عقيدةٌ رساليّة تدفع المسلمين للعمل والإصلاح، ومَن يتَّهمها بالتعطيل أو يجعلها كذبة يهودية إنما يجهل حقيقة النصوص القرآنية والحديثية والتاريخ الإسلامي.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.

مركز الدليل العقائدي.