مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

المهديُّ المنتظر خاتم العترة الموصى بالتمسك بها

تفاصيل المنشور

الاشكال

لو كان النبي يقصد بالعترة أن نبرّها، ونحسن إليها فهذا ممكن؛ لأن هذه العترة متروكة فينا لليوم. أما لو كان يريد التمسك بها فهذا باطل؛ لأن العترة التي نتمسك بها لم تعد متروكة فينا كما قال النبي. ومحالٌ أنْ يكلف النبي أمته بالتمسك بمعدومٍ، أو يكذب بالقول (تركت فيكم) وليست هذه العترة متروكة فينا!!.

المستشكل

سني وافتخر

تفاصيل المنشور

الاشكال

لو كان النبي يقصد بالعترة أن نبرّها، ونحسن إليها فهذا ممكن؛ لأن هذه العترة متروكة فينا لليوم. أما لو كان يريد التمسك بها فهذا باطل؛ لأن العترة التي نتمسك بها لم تعد متروكة فينا كما قال النبي. ومحالٌ أنْ يكلف النبي أمته بالتمسك بمعدومٍ، أو يكذب بالقول (تركت فيكم) وليست هذه العترة متروكة فينا!!.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..
نحن نتفق معك على أنه من المستحيل أن يكلف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمته بالتمسك بمعدومٍ، أو يكذب بالقول (تركت فيكم) لمكان عصمته المطلقة، ومع ذلك، فإننا لا نتفق معك بشأن استنتاجك بعدم وجود العترة المتروكة في الأمة، للآتي:
أنه على وفق حديث الثقلين الصحيح الثابت المتواتر المتسالَم عليه المرويّ عن بضع وعشرين صحابيًّا كما في كتاب “الصواعق المحرقة” قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إني تارك أو مخلف فيكم الثقلين، أو: الخليفتين. ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)) [الصواعق المحرقة، ص136]، وفي لفظ آخر لأحد طرقه الصحيحة: ((إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله، حبل ممدود ما بين الأرض والسماء، وعترتي أهل بيتي، وأنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)) [صحيح الجامع الصغير للألباني، ج1، ص482].
يتبين أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ترك للأمة خليفتين: كتاب الله وعترته أهل بيته. هذا يعني أن العترة المتروكة هي من ذرية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
يستفاد من هذا الحديث دلالات ثلاث:
الأولى: أنّ العترة هم الخلفاء بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
الثانية: أنّ العترة تكون هادية مهدية إلى يوم القيامة، وهذا هو معنى عدم الافتراق عن القرآن كما نصّ عليه علماء أهل السُّنة عند شرحهم للحديث المذكور. [انظر: فيض القدير في شرح الجامع الصغير، للمناوي، ج3، ص20؛ شرح المقاصد، للتفتازاني، ج3، ص529].
الثالثة: استمرار خلافة العترة إلى يوم القيامة، كما نصّ عليه علماء أهل السُّنة أيضًا عند شرحهم للحديث. [انظر: فيض القدير، ج3، ص19؛ الصواعق المحرقة، ج2، ص442].
فإذا تأملنا هذا الحديث المبارك بما فيه من دلالات ثلاث، وتأملنا حديثًا آخر متضافرًا مع هذا الحديث، روته صحاح المسلمين ومسانيدهم، وهو حديث الخلفاء من بعدي اثنا عشر ننتهي إلى نتيجة واضحة وضوح الشمس في رائعة النهار:
فحديث “الخلفاء من بعدي اثنا عشر” يشير إلى استمرار خلافتهم إلى يوم القيامة، حيث جاء فيه: ((لا يزال الدين قائمًا حتّى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة، كلّهم من قريش)) [رواه مسلم في صحيحه، ج6، ص4، كتاب الإمارة عن جابر بن سمرة].
يقول ابن كثير في تاريخه “البداية والنهاية”: ((قال ابن تيميّة: وهؤلاء المبشّر بهم في حديث جابر بن سمرة، وقُرّر أنّهم يكونون مفرّقين في الأمّة، ولا تقوم الساعة حتّى يوجدوا)) [البداية والنهاية، ج6، ص249ـ250].
وعن السيوطي في تاريخه: ((وجود اثني عشر خليفة في جميع مدّة الإسلام إلى القيامة يعملون بالحقّ وإن لم يتوالوا)) [تاريخ الخلفاء، للسيوطي، ص12]. وعن ابن حجر في فتح الباري، قال: ((ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة)) [فتح الباري، ج13، ص211].
وأيضا يشير هذا الحديث إلى أنّ هؤلاء الخلفاء هم من الصالحين: ((لا يزال هذا الأمر صالحًا)) [انظر: مسند أحمد، ج5، ص97، 107].
فحديث “الخلفاء من بعدي اثنا عشر” فيه دلالات ثلاث: الصلاح والنصّ على خلافتهم، واستمرار هذه الخلافة إلى يوم القيامة، وأنّهم من قريش. وهي نفسها دلالات حديث الثقلين المتقدمة من دون زيادة ولا نقيصة. ومقتضى الجمع بين الحديثين الشريفين (الثقلين والخلفاء من بعدي اثنا عشر)، ننتهي إلى نتيجة واضحة جدًّا، حاصلها:
أنّ الخلفاء الاثني عشر الذين تستمر خلافتهم إلى يوم القيامة هم من عترة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس غير. وهذا هو التفسير الصحيح لحديث جابر بن سمرة بعد اعتراف أهل السنّة أنفسهم بعدم وجود تفسير صحيح للحديث المذكور على مبانيهم وخلفائهم!
والإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) هو خاتم العترة الموصى بالتمسك بها في حديث الثقلين، يؤكد هذا ابن كثير في تفسيره، حيث يقول: ((ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحًا، يقيم الحق، ويعدل فيهم، ولا يلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم… ولا تقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لا محالة، والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره)) [تفسير ابن كثير، ج2، ص33].
إذن لم ينفرد الشيعة الإمامية بالاعتقاد بأن المهدي المنتظر هو خاتم العترة الموصى بالتمسك بها في حديث الثقلين، بل اعتقده كثيرٌ من علماء السنّة بالإضافة إلى ابن كثير، وإليك بعضًا منهم مع أقوالهم:
الأول: ابن الصباغ المالكي (ت:477هـ)، قال في “الفصول المهمة”: ((ولد أبو القاسم محمد بن الحسن الخالص بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان… وهو أبو القاسم محمد بن الحسن الخالص ابن علي الهادي … وأمّا لقبه فالحجّة، والمهدي، والخلف الصالح، والقائم، والمنتظر، وصاحب الزمان، وأشهرها: المهدي)). ثمّ خرّج أحاديث المهدي. وقال في أول هذا الفصل: ((الفصل الثاني عشر: في ذكر أبي القاسم محمّد الحجّة الخلف الصالح، وهو الإمام الثاني عشر، وتاريخ ولادته، ودلائل إمامته، وذكر طرف من أخباره وغيبته، ومدّة قيام دولته)) [الفصول المهمة، ص282].
الثاني: محيي الدين بن عربي (تـ:638هـ)، نقل عنه الشعراني الشافعي في “اليواقيت والجواهر”، قوله: ((وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنّه لا بدّ من خروج المهدي (عليه السلام)، ولكن لا يخرج حتّى تمتلئ الاَرض جورًا وظلمًا، فيملؤها قسطًا وعدلًا، ولو لم يكن من الدنيا إلّا يوم واحد طوّل الله تعالى ذلك اليوم حتّى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، من ولد فاطمة (عليها السلام) ، وجدّه الحسين بن علي بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري ابن الاِمام علي النقي…)) [اليواقيت والجواهر، ج2، ص562].
الثالث: محمد بن طلحة الشافعي (تـ:652هـ) ـ الذي يصفه الذهبي في “سير أعلام النبلاء” بالعلامة الأوحد عند ترجمته له. [ينظر: سير أعلام النبلاء، ج23، ص239].
قال في كتابه “مطالب السؤول”: ((أبو القاسم محمد بن الحسن الخالص بن عليّ المتوكل بن القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين ابن أبي طالب، المهدي، الحجة، الخلف الصالح، المنتظر عليهم السلام ورحمة الله وبركاته)) [مطالب السؤول، ص89، ط. طهران].
الرابع: سبط ابن الجوزي الحنبلي (تـ:654هـ)، قال في كتابه “تذكرة الخواص”: ((هو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وكنيته أبو عبد الله، وأبو القاسم، وهو الخلف الحجة، صاحب الزمان، القائم، والمنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمة)) [تذكرة الخواص، ص325].
الخامس: الحافظ أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد النَّوفليّ القريشيّ الگنجيّ الشافعيّ (تـ:658هـ)، قال في “البيان في أخبار صاحب الزمان”: ((من الأدلّة على جواز كون المهدي عليه السّلام حيًّا باقيًا مذ غيبته إلى الآن، وأنّه لا امتناع في بقائه بقاء عيسى بن مريم والخضر وإلياس من أولياء الله، وبقاء الأعور الدجّال وإبليس اللعين من أعداء الله، وقد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنّة))، وقال: ((والمهدي هو ولد الحسن العسكري، وهو حيٌّ موجودٌ منذ غيبته إلى الآن)) [البيان في أخبار صاحب الزمان، ص521].
السادس: شمس الدين محمد بن طولون الحنفي مؤرخ دمشق (تـ:953هـ) قال في كتابه “الأئمة الاثنا عشر”: ((كانت ولادته رضي الله عنه يوم الجمعة، منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه المتقدم ذكره رضي الله عنهما، كان عمره خمس سنين)). ثم ذكر الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) في قصيدة له، وقال في آخرها:
((عسكريُّ الحسنُ المطهـر* محمد المهديُّ سوفَ يظهرُ)) [الأئمة الاثنا عشر، ص118].
السابع: ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي (تـ:974 هـ)، قال في “الصواعق المحرقة” في ترجمة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام): ((ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويسمّى القائم والمنتظر)) [الصواعق المحرقة، ج2، ص601].
الثامن: الشبراوي الشافعي (تـ:1171هـ)، قال في “الإتحاف بحبّ الأشراف”: ((الحادي عشر من الأئمة: الحسن الخالص، ويلقّب العسكري، ويكفيه شرفًا أنّ الإمام المهدي المنتظر من أولاده… ولد الإمام محمّد بن الحسن الحجّة بسرّ من رأى، ليلة النصف من شعبان سنة 255)) [الإتحاف بحبّ الأشراف، ص178].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.