تفاصيل المنشور
- المستشكل - عباس الحاج
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 37 مشاهدة
تفاصيل المنشور
المهديُّ فرضيةٌ فلسفيةٌ تحوَّلتْ إلى عقيدةٍ راسخة، لاوجودَ لها في أٍثر قرانيٍّ، وهي خرافةٌ انتقلت مِن النصارى.
المستشكل
عباس الحاج
المهديُّ فرضيةٌ فلسفيةٌ تحوَّلتْ إلى عقيدةٍ راسخة، لاوجودَ لها في أٍثر قرانيٍّ، وهي خرافةٌ انتقلت مِن النصارى.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
من السهل أنْ يَدَّعيَ أيُّ مُدَّعٍ دعوى باطلة، فيروِّجها بين القُرّاء مستغلًّا جهلَهم بالمغالطات المنطقية التي يزرعُها في كلامه عمدًا؛ لذا، نودُّ أنْ نؤكِّد للقارئ أنَّ الإثبات والنفي يتطلَّبان دليلًا قاطعًا، وإلا، فإن الدعاوى التي لا يَستند أصحابُها إلى أدلةٍ قاطعة تبقى مجرَّد ادعاءاتٍ عارية عن الصحة.
والخرافةُ عادةً ما تنتشر في أوساط الفئات الأقلّ تعليمًا، أما انتشارُها بين صفوف العلماء والمثقَّفين فهو أمرٌ نادرٌ جدًّا، فبَيَّنَ علماءُ الإسلام على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم أنَّ هناك اعتقادًا راسخًا بظهور الإمام المهديِّ في آخر الزمان، وإنِ اختلفوا في تفاصيل نَسَبه ومولده.. فهل يُعقل أنَّ جميع هؤلاء العلماء – باختلاف آرائِهم الفقهية والعقَدية – آمنوا بخرافةٍ؟! وأنَّ المستشكل هو الوحيدُ الذي تنبَّه إلى أنَّ هذا الاعتقادَ فرضيةٌ فلسفية وخرافة انتقلت من النصارى!! هذا ما لا يمكن أنْ يصدِّقه إلا جاهلٌ أو ماكر.
أما الادِّعاء بأنها عقيدةٌ “لا أثر قرآنيَّ لها”، فجوابه:
أنَّ ثَمة آياتٍ قرآنيةً متعدِّدة اتّفق علماء المسلمين على دلالتها على الإمام المهديِّ المنتظر (عليه السلام)، نذكر بعضًا منها:
1 – قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33، الفتح:28، الصف:9].
جاء في تفسير “البحر المحيط”: ((قال السّدي: ذلك عند خروج المهديّ، لا يبقى أحدٌ إلا دخل في الإسلام، وأدّى الخَراج)) [البحر المحيط في التفسير، لأثير الدين الأندلسي، ج 5، ص 406].
وقال النيسابوري في تفسيره: ((وتمام هذا إنما يَظهر عند خروج المهديِّ ونزولِ عيسى)) [تفسير النيسابوري “غرائب القرآن ورغائب الفرقان”، ج 3، ص 458].
وقال القرطبيُّ في تفسيره: ((ليُظهِر الدينَ دينَ الإسلام على كل دين، قال أبو هريرة والضحاك: هذا عند نزول عيسى عليه السلام، وقال السّدي: ذاك عند خروج المهدي، لا يبقى أحدٌ إلا دخل في الإسلام، أو أدّى الجِزية، وقيل: المهديُّ هو عيسى فقط، وهو غيرُ صحيح؛ لأن الأخبار الصِّحاح قد تواترت على أنَّ المهديَّ من عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز حمْلُه على عيسى)) [تفسير القرطبي “الجامع لأحكام القرآن”، ج 8، ص 121].
قال الطبري في تفسيره للآية الكريمة: ((عن أبي هريرة في قوله: ليُظهِره على الدّين كلّه، قال: حين خروج عيسى بن مريم)) [تفسير الطبري، ج 10، ص 150].
ومعلومٌ أنّ خروج عيسى عليه السلام لا يكونُ إلا عند ظهور المهديِّ عليه السلام، ويؤكِّد ذلك البخاريُّ وغيره.
2 – قوله تعالى: {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ} [التوبة:32].
جاء في تفسير الثعلبي: «{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَن يُتِمَّ نُورَهُ} أي يُعلي دينَه، ويُظهِر كلمته، ويُتمّ الحق الذي بَعث به رسولَه ولو كرِه الكافرون {لِيُظْهِرَهُ} ليُعْلِيَه، وينصره، ويُظفِره {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} على سائر المِلل كلها {وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}. قال السدّي: وذلك عند خروج المهديِّ، لا يبقى أحدٌ إلا دخل في الإسلام، أو أدّى الخراج» [الكشف والبيان عن تفسير القرآن، للثعلبي، ج 5، ص 36].
3 – قوله تعالى: {لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:114].
قال الطبري في تفسيره: ((حدَّثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السّدّي قوله: (لهم في الدنيا خزْيٌ)، أما خزْيهم في الدنيا، فإنهم إذا قام المهديّ، وفُتحت القسطنطينية قتلهم. فذلك الخزي)). [تفسير الطبري، ج2، ص525].
وقال ابن أبي حاتم في تفسيره: ((حدثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حماد بن طلحة، ثنا أسباط، عن السدّي “أما خزْيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهديّ فتح القسطنطينية، وقتَلهم فذلك الخزي”، وروي عن عكرمة، ووائل بن داود نحو ذلك)) [تفسير ابن أبي حاتم، ج 1، ص 211].
وقال ابن كثير في تفسيره: ((وفُسّر الخزي من الدنيا بخروج المهدي عند السدي، وعكرمة، ووائل بن داود)) [تفسير ابن كثير، ج 1، ص 271].
4 – قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال:39].
قال الآلوسي في تفسيره: «{وَيَكُونَ الدّينُ كُلُّهُ لِلهِ} وتضمحلّ الأديان الباطلة كلّها إما بهلاك أهلها جميعًا أو برجوعهم عنها خشية القتل، قيل: لم يجئْ تأويل هذه الآية بعدُ، وسيتحقَّق مضمونها إذا ظهر المهديّ، فإنه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلًا» [تفسير الآلوسي “روح المعاني”، ج 5، ص 194].
وأما ادِّعاء أنَّ الاعتقاد بالإمام المهديّ المنتظر (عليه السلام) هو مجرَّد خرافةٍ انتقلت من النصارى، فهو ادِّعاء باطلٌ. فالمهديّ المنتظر (عليه السلام) وعدٌ إلهيٌّ، وحقيقتُه الواقعية نُقِلت عن الصادق الأمين (صلواتُ الله عليه وآله)، وقد اتَّفق علماءُ كثيرون من أهل السُّنة والجماعة على تواتر الأحاديث الواردة فيه، فقد قال محمد بن الحسين الآبُرِّيّ في كتاب “مناقب الشافعي”: ((قد تواترتِ الأخبار، واستفاضت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بذكر المهديِّ، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبعَ سنين، وأنه يملأ الأرض عدلًا، وأنَّ عيسى يخرج، فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤمُّ هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه)) [مناقب الشافعي، للآبرّي، ص95، ط. الدار الأثرية، الأولى ١٤٣٠هـ – ٢٠٠٩م].
وقد نقله عنه جماعةٌ من أكابر العلماء، وأقرّوه، منهم القرطبي في “التذكرة” [التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، للقرطبي، ص1205، ط. الأولى، ١٤٢٥هـ ]، وابن القيِّم في كتابه “المنار المنيف” [المنار المنيف في الصحيح والضعيف، لابن القيم، ص142، تـ. أبي غدة]، والحافظ أبو الحجاج المِزِّي في “تهذيب الكمال”، في ترجمة محمد بن خالد الجندي الصنعاني. [تهذيب الكمال في أسماء الرجال، للمزي، ج25، ص148، ط. الأولى، ١٤٠٠ – ١٤١٣هـ ]، والحافظ ابن حجر في “باب نزول عيسى بن مريم (عليهما السلام)” من “فتح الباري”، قال: ((وقال أبو الحسن الخسعي الآبدي في مناقب الشافعي تواترت…)) [فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، ج6، ص493]، ونقله أيضًا في “تهذيب التهذيب” في ترجمة محمد بن خالد الجندي. [تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، ج9، ص144، ط. ١٣٢٦هـ]، والحافظ السخاوي في “فتح المغيث” [فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، للسخاوي، ج4، ص23، ط. ١٤٢٤هـ – ٢٠٠٣م]، والسيوطي في “الحاوي للفتاوي” [الحاوي للفتاوي، للسيوطي، ج2، ص103، ط. دار الفكر، ١٤٢٤هـ – ٢٠٠٤م]، وكثير غيرهم.
وقال الكتاني في كتابه “نظم المتناثر من الحديث المتواتر”: ((وقد نقل غيرُ واحدٍ عن الحافظ السخاوي أنها متواترة”، والسخاوي ذكر ذلك في “فتح المغيث”، ونقله عن أبي الحسين الآبري، وفي تأليفٍ لأبي العلاء إدريس بن محمد بن إدريس الحسيني العراقي في المهديّ أنَّ أحاديثه متواترة أو كادت، قال: “وجَزم بالأول غيرُ واحدٍ من الحُفّاظ النقّاد”، وفي شرح الرسالة للشيخ جسوس ما نصُّه: “ورد خبر المهديِّ في أحاديث ذَكَرَ السخاوي أنها وصلتْ إلى حدِّ التواتر”، وفي “شرح المواهب” نقلًا عن أبي الحسين الآبُرّي في “مناقب الشافعي” قال: “تواترتِ الأخبار أنَّ المهديَّ من هذه الأمة، وأنَّ عيسى يصلي خلفه”، وفي “مغاني الوفاء بمعاني الاكتفاء” قال الشيخ أبو الحسين الآبُري: “قد تواترتِ الأخبار، واستفاضت بكثرة رُواتها عن المصطفى – صلى الله عليه وسلم – بمجيء المهديّ، وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلًا)) [نظم المتناثر، ص226، ط. دار الكتب السلفية – مصر].
وهذا النقل كافٍ لدحْض ادِّعاء مَن يزعم أنَّ الاعتقاد بالإمام المهدي المنتظر هو مجرَّد خرافة انتقلت من النصارى.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي.