مركز الدليل العقائدي

المصابُ الأعظم في الكون

المصابُ الأعظم في الكون

تفاصيل المنشور

موضوع الحوار

تُعدّ مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) من أعظم المصائب في تاريخ البشرية لما لها من أبعاد دينية، اجتماعية، وسياسية عميقة، ولما نتج عنها من ثورة إصلاحية عظيمة هزت أركان الظلم والاستبداد.

في هذا الموضوع يُجادل “المخالف” بأن مصيبة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) ليست الأعظم، بينما يُثبت “الإمامي” عظم المصاب وشدة الغضب الإلهي لمقتل الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال الأدلة النقلية الصحيحة من مصادر أهل السنة المعتبرة وبالأسانيد الصحيحة.

تفاصيل المنشور

موضوع الحوار

تُعدّ مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) من أعظم المصائب في تاريخ البشرية لما لها من أبعاد دينية، اجتماعية، وسياسية عميقة، ولما نتج عنها من ثورة إصلاحية عظيمة هزت أركان الظلم والاستبداد.

في هذا الموضوع يُجادل “المخالف” بأن مصيبة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) ليست الأعظم، بينما يُثبت “الإمامي” عظم المصاب وشدة الغضب الإلهي لمقتل الإمام الحسين (عليه السلام) من خلال الأدلة النقلية الصحيحة من مصادر أهل السنة المعتبرة وبالأسانيد الصحيحة.

  • المخالف: قولكم: إنّ مقتل الحسين رضي الله عنه من أعظم المصائب التي حدثت في الكون هو في الواقع مبالغةٌ وغلوٌّ!!

  • الإمامي: المبالغة، هي أنْ يدّعي المتكلم بلوغَ وصفٍ في الشدة أو الضعف حدًّا مستحيلًا أو مستبعَدًا ليدلَّ على أنَّ الموصوف بالغ في ذلك الوصف إلى النهاية. والغلوُّ معناه الارتفاع ومجاوزة الحدِّ للشيء، سواء أ كان في المعتقَدات الدينيّة أو غيرها. واستُعمل اصطلاحًا بمعنى مجاوزة الحدِّ المفترض للمخلوق والارتفاع به إلى مقام الألوهية.

    وكلا الحالين ـ المبالغة والغلو ـ لا يصدقان، ولا ينطبقان على قولنا: إن مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) أعظم مصابٍ في الكون.. ولا أخالك تفقه ما تقول!- –

  • المخالف: بل أفقه، ودليلي على ذلك وجودُ مصاب هو أعظم من مصاب الحسين رضي الله عنه، وهو مقتل النبي يحيى بن زكريا!!

  • الإمامي: من النافع جدًّا أنك ذكرت مصاب نبيِّ الله يحيى بن زكريا (عليهما السلام)، لمقارنته بمصاب الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث وردتِ المقارنة في حديثٍ صحيح، صحَّحه الحاكم في المستدرك، وهو أن الله سبحانه خاطب نبيَّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف أنه تعالى قتل بيحيى بن زكريا سبعين ألفًا، وأنه عز وجل سيقتل بالحسين (عليه السلام) ضعف ما قتل بيحيى، فقد روى الحاكم بسنده عن ابن عباس أنه قال: ((أوحى الله تعالى إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم: “‌أني ‌قتلت ‌بيحيى بن زكريا سبعين ألفًا، وأني قاتلٌ بابن ابنتك سبعين ألفًا وسبعين ألفًا”، هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه)) [المستدرك على الصحيحين، للحاكم، ج3، ص195، ط. العلمية‏]، وقال الحافظ الذهبي في “التلخيص”: “صحيحٌ على شرط مسلم”.

  • المخالف: لكنَّ ابن حبّان في كتابه المجروحين قال عن هذا الحديث: ((هذا لا أصلَ له)) [المجروحين، لابن حبان، ج2، ص215].

  • الإمامي: ابن حبّان عُرف عنه أنه متساهل في باب التوثيق، ومتشدِّد في باب التضعيف، فلا يعوَّل ‏عليه في هذا المجال عند أغلب علمائكم، والحديثُ أورده السخاوي في “المقاصد”، فقال: ((رواه الحاكم في المستدرك مرفوعًا بأسانيد متعدِّدة تدلُّ على أنّ له أصلًا كما قال شيخنا)) [المقاصد الحسنة، للسخاوي، ص484].

    وأورده العجلوني في “كشف الخفاء”، فقال: ((رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس مرفوعًا ‌بأسانيد ‌متعددة ‌تدلّ ‌على ‌أن ‌له ‌أصلًا كما قال الحافظ ابن حجر)) [كشف الخفاء، ج2، ص98، ط. القدسي].

    وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في “لسان الميزان”: ((وقد أخرجه الحاكم في “المُستَدرَك” من طريقِ ستةِ ‏أنفسٍ، عَن أبي نعيم، وقال: صحيح، ووافقه المصنِّف [الذهبي] في تلخيصه)) [لسان الميزان، ‏للعسقلاني، ج6، ص366، تـ. أبي غدة].‏

    وهناك العديد من الأحاديث الصحيحة التي تَعد قتل الحسين (عليه السلام) جريمةً أعظم من قتل ‏النبي يَحيى بن زكريا (عليهما السلام)، وتوضِّح أن هناك اهتمامًا بالغًا من قِبَل الله عز وجل بِهذه ‏الجريمة، وأن الله تعالى سينتقم لِمَقتل الحسين (عليه السلام).‏

  • المخالف: وعلى رغم ذلك، فإن الحديث لا يدلُّ على أنّ مقتل الحسين رضي الله عنه أعظم من مقتل يحيى بن زكريا سوى أن العدد مضاعف؟

  • الإمامي: إن مضاعفة عدد من سيقتلهم الله تعالى بالحسين (عليه السلام) مقارنة بالذين قتلهم بيحيى بن زكريا (عليهما السلام) في الحديث، تدل بوضوح على شدة غضب الله تعالى لمقتل الإمام الحسين (عليه السلام). فهذا الحديث الشريف يجعل من قتل الحسين (عليه السلام) خطرًا عظيمًا، يعادل قتل نبي الله يحيى (عليه السلام)، بل يزيد عليه ضعفًا؛ إذ فيه أن الله سبحانه يقارن مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)، بمقتل يحيى النبي (عليه السلام)، ويغضب له غضبًا يفوق غضبَه لمقتل يحيى وانتقامه له‏!!

  • المخالف: بأيِّ دليلٍ تقول: إن الله يغضب لمقتل الحسين رضي الله عنه غضبًا يفوق غضبه لمقتل يحيى بن زكريا؟!

  • الإمامي: بدليل أنّ مضاعفة عدد مَن سيقتلهم الله تعالى‏ بالحسين (عليه السلام) في الحديث الشريف تُشير بوضوحٍ – لا ينكره غير المتعنِّت – إلى ‏شدة غضبه سبحانه، فإن السبعين ألفًا المقتولين بيحيى بن زكريا إنما كان قتلهم دية سبعين نبيًّا أو كل نبي بما في ذلك يحيى نفسه (عليه السلام) على ما نصت عليه مرويّات أهل السنة، قال القرطبي في تفسيره مُؤكدًا ذلك: ((قال سعيد بن المسيب: هي دية كلِّ نبيٍّ)) [تفسير القرطبي – الجامع لأحكام القرآن -، ج10، ص219].

    وأردفه مُفصِّلًا ذلك بقوله: ((وعن سمير بن عطية، قال: قُتل على الصخرة التي في ‌بيت ‌المقدس ‌سبعون ‌نبيًّا، منهم يحيى بن ‏زكريا)) [تفسير القرطبي – الجامع لأحكام القرآن -، ج10، ص219؛ مختصر تاريخ دمشق، ج27، ص255‏].

    وبالنتيجة، إن مضاعفة عدد من سيقتلهم الله تعالى‏ بالحسين (عليه السلام) في الحديث، تُشير بوضوح لا يقبل الشك إلى شدّة الغضب الإلهي.

  • المخالف: السبعون ألفًا الأولى والسبعون ألفًا الثانية في الحديث، الذين سيُقتلون بالحسين رضي الله عنه، لمن سيكون قتلهم دية، إذا كان السبعون ألفًا المقتولون بيحيى بن زكريا هم دية كل نبي؟!

  • الإمامي: إن كان الله سبحانه قد قَتل بيحيى (عليه السلام) سبعين ألفًا دية لكلِّ نبي بما فيهم يحيى نفسه، فكذلك إنّ السبعين ألفًا الأولى الذين يُقتلون بالحسين (عليه السلام) هم دية لكل نبي. أما السبعون ألفًا الثانية فقتلهم يكون دية للحسين (عليه السلام) فقط، كما هو واضح بقرينة سياق الحديث ((‏‌أني ‌قَتلت ‌بيحيى بن زكريا سبعين ألفًا، وأني قاتلٌ بابن ابنتك سًبعين ألفا))، ثم أردفه بقوله: ((وسبعين ألفًا))، والواو هنا تقتضي المغايرة، فافهم.

  • المخالف: مع ذلك لا أرى مبرِّرًا لاعتبار مقتل الحسين عليه السلام أعظم مصيبة في الكون؟

  • الإمامي: هنا أودُّ أنْ أسألك: هل تشكّ في مكانة رسول الله ‏(صلى الله عليه وآله وسلم) ‏على أنه سيد الكون وسيد ‌الرسل وخاتم الأنبياء وصفيّ الأصفياء وحجّة الجبار على الورى؟!

  • المخالف: هذا سؤال ساذج، بالتأكيد أنا لا أشك!!

  • الإمامي: إذًا، سيد الكون وسيد ‌الرسل وخاتم الأنبياء وصفيّ الأصفياء وحجة الجبار على الخلق، بكى على مصيبة ولده الحسين (عليه السلام) قبل وقوعها، فكيف لا تكون أعظم مصيبة في الكون؟!!

    فقد ورد في روايات صحيحة روتها كتب ‏الفريقين بأن بكاءه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بحرقةٍ وألم، فقد روى البوصيري عن أمِّ المؤمنين أمِّ سلمة قولها: ((كان النبي – صلى الله عليه وسلم – نائمًا ‏في بيتي، فجاء الحسين يدرج. قالت: فقعدتُ على الباب، فأمسكته مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت: ‏ثمّ غفلت في شيءٍ، فدبَّ، فدخل، فقعد على بطنه. قالت: فسمعتُ نحيب رسول الله – صلى الله عليه ‏وسلم – فجئت، فقلت: يا رسول الله ما علمت به. فقال: إنّما جاءني جبريل- عليه السلام- وهو ‏على بطني قاعد، فقال لي: أ تحبه؟ فقلت: نعم. قال: إنّ أمَّتك ستقتله، ألا أريك التربة التي يُقتل ‏بها؟ قال: فقلت: بلى. قال: فضرب بجناحه، فآتاني هذه التربة. قالت: فإذا في يده تربة حمراء، ‏وهو يبكي، ويقول: ليت شعري من يقتلك بعدي؟)).‏ قال البوصيري: ((رواه عبد بن حميد بسند صحيح وأحمد بن حنبل مختصرًا)) [إتحاف الخيرة ‏المهرة، ح6755]‏.

    وفي رواية الطبراني: ((فسمعت نشيج رسول الله)) [مجمع الزوائد، ج9، ص219، قال الهيثمي: ‏رواه الطبراني بأسانيد رجال أحدها ثقات]. ‏

    والنشيج – كما في لسان العرب لابن منظور، حرف النون ، نشج – هو أشدّ البكاء.. وهو ‏صوت معه توجُّع وبكاء كما يردِّد الصبي بكاءه ونحيبه في صدره. [يُنظر: لسان العرب، ج2، ص378، ومعجم مقاييس اللغة، ج5، ص429]‏.

  • المخالف: إذا كنتَ تعني أنّ بكاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على مصيبة الحسين رضي الله عنه، جعلها أعظم مصيبةٍ على الإطلاق، ولكونه سيد الكون سيتأثر الخلق بحزنه وبكائه على مقتل الحسين.. فهذا كلام فارغٌ لا دليل عليه !!

  • الإمامي: بل على العكس، كلامك في شرح مقصدي يُثبت صحّة ما أقول، حيث قام الدليل على أنه لا توجد مصيبةٌ في الكون بكى عليها سيد النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتأثر بها الخلق مثل السماء والأرض ‏والشمس، وناحت الجنُّ عليها، كمصيبة قتل الحسين (عليه السلام).

    فها هي مصادركم تنقل ما صحَّ من الأخبار والآثار في ذلك، فقد ذكر أبو نعيم الأصفهاني في كتابه “معرفة الصحابة” عند ترجمته للحسين (عليه السلام): (‏‏(أحمرَّت السماء لقتله، وكُسفت الشمس يوم موته، وصار الورس في عسكره رمادًا، ‏والمنحور من جذره دمًا، لم يُرفع حجرٌ بالشام إلا رئي تحته دم عبيط، وناحت الجن لرزيَّته ‏وفقْده)) [معرفة الصحابة، للأصفهاني، ص662]. ‏

    وروى الطبراني بسنده عن ابن شهاب، أنه قال: ((ما رُفع بالشام حجرٌ يوم قتل الحسين بن علي إلّا عن ‏دم)) [مجمع الزوائد، ج9، ص196، قال الهيثمي: ورجالُه رجال الصحيح].‏

    وأيضًا روى الطبراني بسنده عن عليّ بن مسهر عن جدته أُم حكيم، أنها قالت: ((قُتل الحسين بن ‏عليّ، وأنا يومئذٍ جويرية، فمكثَت السماءُ أيامًا مثل العلقة)) [مجمع الزوائد، ج9، ص197، قال ‏الهيثمي: ورجاله إلى أُمّ حكيم رجال الصحيح]. ‏

    وهكذا يروي الذهبي في “سِير أعلام النبلاء” عن جملةٍ من أعلام أهل السنة أنّ السماء مطرت ‏دمًا عند مقتل الحسين (عليه السلام): ‏

    فقد روى عن ابن سيرين، قوله: ((لم تبك السماء على أحدٍ دمًا بعد يحيى عليه السلام إلا الحسين. وعن المدائني: عن عليّ بن مدرك، عن جدّه الأسود بن قيس، قال: احمرّت آفاق السماء بعد قتل ‏الحسين ستّة أشهر تُرى كالدم. وعن الفسوي: حدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثتنا أُم سوق العبدية، قالت: حدثتني نضرة ‏الأزدية، قالت: لما أنْ قتل الحسين مطرت السماء دماءً، فأصبحت وكلَّ شيء لنا ملآن دمًا)) [سير ‏أعلام النبلاء، ج3، ج213].‏

    فتحصَّل من جميع ما تقدَّم: أنه لا مبالغة ولا غلو في القول بأن مصيبة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) هي أعظم مصيبةٍ في الكون، فبكاء سيد النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم) وحزن السماء والأرض وتأثرهما الموصوف بالنقل الصحيح، شواهد قويّة على عظم هذه المصيبة وتفرُّدها.

    فسلامٌ على الحسين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيًّا