مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

“الكاريزما” الاستثنائية لشخصية الإمام عليّ (ع)

تفاصيل المنشور

الاشكال

لم نجد اليوم من يعظِّم عليًّا رضي الله عنه دون الصحابة (أبي بكر وعمر وعثمان) إلا الرافضة؛ لأن عليًّا لا يملك كاريزما كما كان ‏يملكها الصحابة، فما كان الناس يحبُّونه كما كان الأكثر منهم يحبون الصحابة، وهذا يدل على أنهم كانوا ‏يتمتعون بكاريزما ينجذب إليها كلُّ من عرفهم، بخلاف عليٍّ، وحديث “حبّ عليٍّ من الإيمان، وبغضه من النفاق”، الهدف منه هو إسكات ‏الناس عن عليّ بن أبي طالب.. فكفاكم جهلًا وتجاهلًا.‏

المستشكل

سلمان إبراهيم

تفاصيل المنشور

الاشكال

لم نجد اليوم من يعظِّم عليًّا رضي الله عنه دون الصحابة (أبي بكر وعمر وعثمان) إلا الرافضة؛ لأن عليًّا لا يملك كاريزما كما كان ‏يملكها الصحابة، فما كان الناس يحبُّونه كما كان الأكثر منهم يحبون الصحابة، وهذا يدل على أنهم كانوا ‏يتمتعون بكاريزما ينجذب إليها كلُّ من عرفهم، بخلاف عليٍّ، وحديث “حبّ عليٍّ من الإيمان، وبغضه من النفاق”، الهدف منه هو إسكات ‏الناس عن عليّ بن أبي طالب.. فكفاكم جهلًا وتجاهلًا.‏

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهرين..‏
استعمال الكلام العشوائيِّ بغضِّ النظر عن التنظيم هو من العادات الشائعةِ للجالسين في المقاهي، وليس للباحثين عن الحق، وتعمُّد رمْي الكلام بلا أدلةٍ في سطورٍ مضطربة هو للأشخاص المتشبِّثين بآرائهم الشخصية والمتعصبين، وعلى رغم ذلك فنحن سنردُّ على هذه الادعاءات؛ لأننا نسعى للمناقشة البناءة ونفع القراء الباحثين عن الحق.
وقبل أن ننطلق في الجواب، ينبغي أن نوضِّح معنى ‏”الكاريزما”.
“الكاريزما” هي كلمة إنجليزية شاع استعمالها بين المتحدِّثين باللغة العربية. ‏وهي تشير إلى ما يميِّز الشخص، ويمنحه حضورًا قويًّا.‏
ضعْ في علمك أنّ تأثير “الكاريزما” يختلف بين الأفراد، فقد يكون إيجابيًّا في بعض الأحيان، وقد يكون سلبيًّا في أحيانٍ أخرى.
وضعْ في اعتبارك أنّ حبَّ الأكثر والتأييد العامِّ لشخصٍ ما ليسا مقياسًا دقيقًا لتشخيص الكاريزما ‏في تلك الشخصية. فآراء الأكثر واعتقاداتهم قد تتأثر بعوامل خارجية وتأثيرات إعلامية، فيحبون ما هو ضارٌّ لهم في الواقع، ويكرهون ما هو خيرٌ لهم. يؤكِّد القرآن الكريم هذه الحقيقة قائلًا: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَالله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]، وهنا لا يمكننا الاعتماد على آراء الأكثر لتحديد ما إذا كان هذا الشخص يمتلك الجاذبية والتأثير الشخصي المميز أم لا، والقرآن الكريم يشدِّد على هذه الفكرة عندما يقول: {وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [المؤمنون:70]، مما يشير إلى ‏أنّ الأكثر من الناس قد يكونون معارضين للحق، فلا يمكن جعل الأكثر مقياسًا لتشخيص ‏الكاريزما في هذا الشخص أو ذاك.
وإذا فرضنا أنّ أبا بكر وعمر وعثمان كانوا يتمتعون بكاريزما لا تُقاوَم، بحيث تجذب إليهم كل من يعرفهم، ‏فلماذا لم تنجح تلك الكاريزما في جذب الشيعة إليهم؟ هل يعود السبب في ذلك إلى اختلاف الكاريزما نفسها؟ أي أنّ السُّنة يرون في أبي بكر وعمر وعثمان شخصياتٍ تُلهم الآخرين، وتتمتع بـ “كاريزما”، بينما يحدُث تباينٌ في تقدير الشيعة لتلك “الكاريزما”!! ومن هذا يتجلى بطلان زعمِك، وينهار ما بنيتَه على أُسُس ضعيفة وباطلة.
وإذا كنتَ تفتخر بحبِّ الناس للصحابة، فعليٌّ يحبُّه اللهُ ورسوله، وهذا هو الأمر الذي يتعدى الحب ‏البشري المتقلِّب والعابر والمحدود. ونقطع بعدم وجود واحدٍ من الصحابة حظي بمثل هذا الحبِّ ‏الإلهيِّ والنبوي الذي حظي به الإمام عليّ (عليه السلام)، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ واللفظ للأول ـ عن ابن سعدٍ، أنه قال: ((قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: «‌لأعطيَنّ ‌الراية ‌غدًا رجلًا، يفتح على يديه، يحبُّ اللهَ ورسولَه ويحبُّه اللهُ ورسولُه». فبات الناس ليلتهم: أيهم يعطى؟ فغدوا كلهم يرجونه، فقال: «أين علي؟». فقيل: يشتكي عينيه، فبصق في عينيه، ودعا له، فبرأ كأنْ لم يكن به وجعٌ، فأعطاه، فقال: أُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: «انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعُهم إلى الإسلام، وأخبرْهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدي اللهُ رجلًا بك خيرٌ لك من أن يكون لك حُمر النعم»))‏ [صحيح البخاري، ج3، ص1096، تـ: البغا. صحيح مسلم، ج7، ص122، ح2407]، وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة عند جميع المسلمين سُنة وشيعة.
ومعلومٌ أن من أحبه اللهُ ألقى محبته على قلوب الناس، فقد روى الحكيم الترمذي في نوادره عن ابن عباس، قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: … ومن أحبه اللهُ ألقى محبته على قلوب عباده، قال تعالى لموسى عليه السلام: وألقيت عليك محبةً مني، فكان لا يراه أحدٌ إلا أحبَّه حتى فرعون اللعين…)) [نوادر الأصول في أحاديث الرسول، ج2، ص124].
وجاء في الحديث من رواية أبي هريرة، أن ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: ((إذا أحب اللهُ العبد قال لجبريل: قد أحببتُ فلانًا، فيحبّه ‏جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله قد أحب فلانًا فأحبّوه، ثم يوضع له القبول في الأرض…)) ‏‏[البيان والتحصيل، للقرطبي، ج17، ص340].
ويقول ابن تيمية: ((… ومن أحب الله أحب من يحبه، ‌ومن ‌أحبه ‌اللهُ فمحبوبُ المحبوب ‏محبوبٌ، ومحبوب الله يحب اللهَ، فمن أحب اللهَ، فيحبه من أحب الله…)) ‏‏[مجموع الفتاوى، ج11، ص521].
هذا، وإذا كان قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصحيح الذي لاريب فيه لعليّ (عليه السلام): ((يا علي لا يحبك إلّا مؤمنٌ، ولا يبغضك إلّا منافق)) [صحيح مسلم، ج1، ص60، ح78]، بزعم المستشكل أنّ الهدف منه هو ‏إسكات الناس عن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فنتيجة لذلك، يُفسّر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((‌حبُّ ‌أبي ‌بكر وعمر إيمان، وبغضهما كفر)) [فضائل الصحابة، لأحمد بن حنبل، ج1، ص339]، بأنه يسعى إلى إسكات الناس عنهما، وليس غير. وعلى وفق رؤيتك يثبت أن الشيخان لا يتمتعان بأي كاريزما، وهو خلاف مدَّعاك.
وهكذا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في صحيح البخاري: ((الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه اللهُ، ‌ومن ‌أبغضهم أبغضه الله)» [صحيح البخاري، ج3، ص1379]، فإنه على منهجك ورؤيتك يهدف هذا الحديث إلى إسكات الناس عن الأنصار!. وعلى هذا الأساس، يبدو أن الأنصار لا يتمتعون بكاريزما تجذب الناس إليهم!!
وفي هذا السياق، نلفِت الأنظار سريعًا نحو نصٍّ تاريخي يرتبط بالموضوع، وهو المرسوم الذي كتبه معاوية بن أبي سفيان إلى عماله وولاته في جميع المدن، جاء فيه‏: ((أنِ انظروا مَن قامت عليه البينة أنه يحب عليًّا وأهل بيت النبوة فامحوه من ‏الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه)) [موجز دائرة المعارف الإسلامية، ج20، ص6446]، فإذا كان الناس لا يحبون عليًّا (عليه السلام) على الوجه الذي تدّعيه، فلماذا أصدر معاوية هذا ‏المرسوم لعماله وولاته في المدن؟‏ إنّ هذا المرسوم يكشف أنّ حبّ الناس لعليٍّ (عليه السلام) ‏ قد وصل إلى ‏ذروته، مما أثار استفزاز معاوية، إلى درجة أنه فقد توازنه الاجتماعي، وأحدث اضطرابًا في نظامه ‏الحاكم، وعلى إثر ذلك، هدد بقطع العطاء عن أيِّ شخصٍ يُظهر حبَّه لعليّ (عليه السلام).‏
وممن يعظِّم عليًّا (عليه السلام) اليوم، ويحبه ـ بالإضافة إلى المسلمين عمومًا والشيعة خصوصًا ـ أشخاصٌ ينتمون إلى عصورٍ تفصلهم عن عصر الإمام عشرات القرون، ‏ومن بينهم مَن وُلد، ونشأ في بيئات أخرى، لا تؤمن بدينه، ولا تسلك منهجه، ومع ذلك تأثروا ‏بعظمة شخصيته، وانجذبوا إلى سموِّ مواقفه، وسحرتْهم حكمته وبلاغة كلماته. فعشقوه، وأعلنوا ‏حبهم له بكل جرأة واعتزاز، فوق رؤوس الأشهاد، وصدحت أقوالهم العادلة في أروقة التاريخ، ‏وهتفت بها أرجاء الكون‎.‎
منهم الفيلسوف الإنجليزي كارليل، يقول في كتابه “محمد المثل الأعلى”: ((فإن عليًّا لا يمكننا سوى أن ‏نحبه، ونعشقه، إذ هو شابٌّ ذو قدر عظيم، وروحه مرفوعة، ينبض قلبُه بالرحمة والعطف، وتتأجَّج ‏في داخله نجدة وحماسة. إنه أشجع من الأسد، ولكن تلك الشجاعة ممتزجة بالرقة واللين، واللطف ‏والرأفة والحنان)) [محمد المثل الأعلى، ترجمة محمد السباعي، ص34].‏
ويقول ميخائيل نعيمة في تقدمته لكتاب “الإمام علي صوت العدالة الإنسانية” لجورج جرداق: ‏‏((بطولات الإمام ما اقتصرت يومًا على ميادين الحرب، فقد كان بطلًا في صفاء بصيرته، وطهارة ‏وجدانه وسحر بيانه، وحرارة إيمانه، وسموِّ دعَته، ونصرته للمحروم والمظلوم، وتعبُّده للحق أينما ‏تجلى له الحق)) [الإمام علي صوت العدالة ‏الإنسانية، ج1، ص22]. ‏
ويقول شبلي شميل: ((الإمام علي بن أبي طالب عظيم العظماء، نسخة مفردة لم يَرَ لها الشرق ولا ‏الغرب صورة طبق الأصل لا قديمًا ولا حديثًا… فالتاريخ والحقيقة يشهدان أنه الضمير العملاق، ‏الشهيد أبو الشهداء، وشخصية الشرق الخالدة، وماذا عليك يا دنيا لو حشدت قواك فأعطيت في كل ‏زمن عليًّا بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره!)) [صوت العدالة، ج1، ص37 و49].‏
ويقول الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب علم العروض في الإمام عليّ (عليه السلام): ((احتياج ‏الكل إليه، واستغناؤه عن الكل دليلٌ على أنه إمام الكل)) [عبقرية الإمام، للدكتور مهدي محبوبة، ‏ص138].‏
ويقول جبران خليل: ((وما أقول في رجلٍ تحبه أهل الذمة على تكذيبهم بالنبوة، وتعظمه الفلاسفة ‏على معاندتهم لأهل الملة، وتصور ملوك الفرنج والروم صورته في بيعها وبيوت عباداتها، وتصور ‏ملوك الترك والديلم صورته على أسيافها)). [الإمام عليّ صوت العدالة الإنسانية، ج5، ص1213].‏
يقول الواقدي محمد بن إسحاق: ((إن عليًّا عليه السلام كان من معجزات النبي صلى الله عليه وآله ‏وسلم كالعصا لموسى، وإحياء الموتى لعيسى عليه السلام)) [الفهرست، لابن نديم، ص127].‏
قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج: ((انظر إلى الفصاحة كيف تعطي هذا الرجل قيادها، ‏وتملكه زمامها … فسبحان الله مِن منح هذا الرجل هذه المزايا النفيسة والخصائص الشريفة، أن يكون ‏غلام من أبناء عرب مكة لم يخالط الحكماء، وخرج أعرف بالحكمة من أفلاطون وأرسطو، ولم ‏يعاشر أرباب الحكم الخُلقية، وخرج أعرف بهذا الباب من سقراط، ولم يربَّ بين الشجعان؛ لأن أهل ‏مكة كانوا ذوي تجارة، وخرج أشجع من كل بشر مشى على الأرض. قيل لخلف الأحمر: أيما أشجع، ‏علي أم عنبسة وبسطام؟ فقال: إنما يذكر عنبسة وبسطام مع البشر ومع الناس، لا مع من يرتفع عن ‏هذه الطبقة. فقيل له: فعلى كل حال، قال: والله، لو صاح في وجوههما لماتا قبل أن يحمل عليهما)) ‏‏[شرح نهج البلاغة، ج16، ص146].‏
وغيرهم كثير مما لا يسع هذا المختصر ذكرهم.
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.