مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

القراءات المتعددة للقرآن ليست من مصاديق التحريف

تفاصيل المنشور

السؤال

ثبت أن القرآن متواتر وهذا يستلزم تواتر قراءته والحال لا توجد قراءة واحدة متواترة، وإذا كان الأمر كذلك أليس قراءة القرآن وفق القراءات المتعددة نوع من التحريف فكيف نقرأ بها القرآن، إذ بمجرد تغيير المعنى بقراءة من هذه القراءات يؤدي إلى تحريف القرآن فيؤدي إلى خرم تواتره، وأنتم تعلمون أن القراءات متعددة ومختلفة وهذا يلزم منه تعدد المعنى تبعا له.. ارجو بيان هذه المسألة.

السائل

رائد كريم

تفاصيل المنشور

السؤال

ثبت أن القرآن متواتر وهذا يستلزم تواتر قراءته والحال لا توجد قراءة واحدة متواترة، وإذا كان الأمر كذلك أليس قراءة القرآن وفق القراءات المتعددة نوع من التحريف فكيف نقرأ بها القرآن، إذ بمجرد تغيير المعنى بقراءة من هذه القراءات يؤدي إلى تحريف القرآن فيؤدي إلى خرم تواتره، وأنتم تعلمون أن القراءات متعددة ومختلفة وهذا يلزم منه تعدد المعنى تبعا له.. ارجو بيان هذه المسألة.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله المطهرين..
التحريف في اللغة: من “حَرَفَ” تأتي بمعنى الانحراف عن الشيء. يُقال: انحرف عنه ينحرف انحرافاً، وحَرَفْتُه أنا عنه، أي عدلت به عنه، وذلك كتحريف الكلام وهو عدله عن جهته. قال الله تعالى: {يُحَرِّفُون الكَلم عن مَواضِعه} [معجم مقاييس اللغة، ج2، مادّة “حرف”، ص42-43؛ النساء:46].
إذن، فالتحريف لغة هو: تغيير معنى الكلمة والعدول بها عن مقصدها الحقيقي.
وأما في الاصطلاح فهو: وقوع التغيير في ألفاظ القرآن وحروفه وحركاته، تبديلاً وترتيباً، ونقصاً وزيادةً. [انظر: الميزان في تفسير القرآن، ج12، ص108؛ البيان في تفسير القرآن، للخوئي، ص198-190].
وللتحريف عدة أقسام، وهي:
التحريف المعنوي: أي التفسير بغير الوجه المعبّر عنه بالتأويل الباطل. [صيانة القرآن من التحريف، محمد هادي معرفة، ص٢٢٠]
التحريف اللفظي: وهو التغيير والقلب، وهو المعنى الاصطلاحي نفسه. وله مصاديق مختلفة. [راجع: البيان في تفسير القرآن، للخوئي، ص197-198؛ وصيانة القرآن الكريم من التحريف، ص 13-16.]
وأهم مصاديقه: تحريف القرآن بالنقص منه، وتحريفه بالزيادة عليه.
ومعنى التحريف بالزيادة: أنّ بعض المصحف الذي بين أيدينا ليس من الكلام المنزل من الله تعالى.
ومعنى التحريف بالنقص: أنّ المصحف الذي بين أيدينا لا يشتمل على جميع القرآن المنزل من الله تعالى. [ويسألونك عن الأنبياء، ص39-38]
ولا تعدّ القراءات المتعددة من مصاديق التحريف لما بيناه آنفاً، وإنما هي اختلافات نحوية وصرفية لا تغير من المعنى المراد كثيراً. وإلى بيان السبب أشار ابن حجر في فتح الباري عن ابن أبي هاشم بقوله: ((أن الجهات التي وجهت إليها المصاحف كان بها من الصحابة من حمل عنه أهل تلك الجهة وكانت المصاحف خالية من النقط والشكل قال فثبت أهل كل ناحية على ما كانوا تلقوه سماعا عن الصحابة بشرط موافقة الخط وتركوا ما يخالف الخط امتثالا لأمر عثمان الذي وافقه عليه الصحابة لما رأوا في ذلك من الاحتياط للقرآن فمن ثم نشأ الاختلاف بين قراء الأمصار)) [فتح الباري، ج9، ص28].
وعن حكم قراءة القرآن بهذه القراءات، يقول السيد الخوئي (قدس سره): ((بالنظر إلى ما ثبت قطعيا من تقرير المعصومين – عليهم السلام – شيعتهم على القراءة، بأية واحدة من القراءات المعروفة في زمانهم، فلا شك في كفاية كل واحدة منها. فقد كانت هذه القراءات معروفة في زمانهم، ولم يرد عنهم أنهم ردعوا عن بعضها، ولو ثبت الردع لوصل إلينا بالتواتر، ولا أقل من نقله بالآحاد، بل ورد عنهم – عليهم السلام – إمضاء هذه القراءات بقولهم: ” إقرأ كما يقرأ الناس. إقرؤا كما علمتم “. وعلى ذلك فلا معنى لتخصيص الجواز بالقراءات السبع أو العشر، نعم يعتبر في الجواز أن لا تكون القراءة شاذة، غير ثابتة بنقل الثقات عند علماء أهل السنة، ولا موضوعة، أما الشاذة فمثالها قراءة “ملك يوم الدين” بصيغة الماضي ونصب يوم، وأما الموضوعة فمثالها قراءة “إنما يخشى الله من عباده العلماء” برفع كلمة الله ونصب كلمة العلماء على قراءة الخزاعي عن أبي حنيفة. وصفوة القول: أنه تجوز القراءة في الصلاة بكل قراءة كانت متعارفة في زمان أهل البيت عليهم السلام)). [البيان في تفسير القرآن، ص168].
وعن كون القرآن الكريم متواتر يستلزم ان تكون القراءات متواترة وإلا فهي تحريف يضر بتواتر القرآن، يقول السيد الخوئي (قدس سره):
1 – ان تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات، لان الاختلاف في كيفية الكلمة لا ينافي الاتفاق على أصلها، ولهذا نجد أن اختلاف الرواة في بعض ألفاظ قصائد المتنبي – مثلا – لا يصادم تواتر القصيدة عنه وثبوتها له، وان اختلاف الرواة في خصوصيات هجرة النبي لا ينافي تواتر الهجرة نفسها.
2 – ان الواصل إلينا بتوسط القراء إنما هو خصوصيات قراءاتهم. وأما أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين، وبنقل الخلف عن السلف. وتحفظهم على ذلك في صدورهم وفي كتاباتهم، ولا دخل للقراء في ذلك أصلا، ولذلك فإن القرآن ثابت التواتر حتى لو فرضنا أن هؤلاء القراء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلا. وعظمة القرآن أرقي من أن تتوقف على نقل أولئك النفر المحصورين. [البيان في تفسير القرآن، الخوئي، ص١٥٨].
ونخلص من كل ما تقدم:
أن القراءات المتعددة – عدا الشاذ منها والنادر – لا تعدّ تحريفا للقرآن، وأن عدم تواتر القراءات لا يضر بتواتر القرآن، لعدم وجود الملازمة بينهما؛ لأن الاختلاف في كيفية الكلمة لا ينافي الاتفاق على أصلها. ومع اتفاق آراء جمهور الفصحاء والبلغاء وأرباب النحو على قراءة عاصم الكوفي، وحيث أن أدق رواته هو حفص دون سائر تلامذته، فقد تداول المسلمون هذه القراءة واتفقوا عليها، ومع ملاحظة أخبار أهل البيت (عليهم السلام) في المقام، لا يبقى اشكال في الأخذ بها حينئذ لخروجها عن الشاذ والنادر.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.