تفاصيل المنشور
- السائل - الموسوي
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 35 مشاهدة
تفاصيل المنشور
سيدنا، يدعي البعض أن هذه الآية (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) تدل على أن الله يأمر بالفسق؟ جوابك الشافي الذي تعودنا عليه.
السائل
الموسوي
سيدنا، يدعي البعض أن هذه الآية (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا) تدل على أن الله يأمر بالفسق؟ جوابك الشافي الذي تعودنا عليه.
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
ليس في القرآن الكريم آيةٌ تدلّ على أنّ الله تعالى يأمر بالفسق، بل ذلك ممّا تنزّهت عنه ذاتهُ المقدّسة، لأنّ الأمر بالفسق يناقض حكمتَه وعدلَه، إذ لا يُعقَل أن يأمر الحكيمُ بما يُبطل أصلَ التكليف أو يُسقط استحقاقَ الثواب والعقاب. فاللهُ سبحانه لا يأمر إلّا بالعدل والإحسان، كما صرّح به قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، ولا يأمر بما يناقضهما.
وأمّا قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16]، فقد توهّم بعضُ الجهّال أنّ ظاهرها أنّ اللهَ سبحانه أمر بالفسق، وليس كذلك، بل المرادُ بـ (أمرنا) هنا هو الأمرُ بالطاعة والعدل على ألسنة الأنبياء، لا الأمرُ بالفسق.
فالآيةُ في مقام بيان سُنّةٍ إلهيّةٍ جارية، وهي أنّه إذا أراد اللهُ تبارك وتعالى إهلاكَ قومٍ لتماديهم في الغيّ أرسل إليهم رُسُلَه بالأمر بالطاعة، فخالف المترفون أمرَ الله سبحانه وتمرّدوا، فاستحقّوا العذاب، ولهذا قال سبحانه: {فَفَسَقُوا فِيهَا}، فجعل الفسقَ مترتّبًا على الأمر، لا مأمورًا به، ولو كان الله سبحانه أمرهم بالفسق لقال: (أمرناهم بالفسق ففسقوا)، ولم يَرِدْ ذلك في كتاب الله تعالى.
وقد قال شيخُ الطائفة الطوسي (ره) في “التبيان في تفسير القرآن”: ((وقوله {أمرنا مترفيها}، المأمورُ به محذوف، وليس يجب أن يكون المأمورُ به هو الفسقَ وإنْ وقع بعده الفسقُ، بل لا يمتنع أن يكون التقدير: وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرناهم بالطاعة، ففسقوا فيها فحقّ عليها القول، وجرى ذلك مجرى قولهم: أمرتُه فعصى، ودعوتُه فأبى، والمراد أمرتُه بالطاعة ودعوتُه إلى الإجابة والقبول فعصى)) [التبيان في تفسير القرآن، ج6، ص458].
فالآيةُ على هذا المعنى بيّنةُ الدلالة على أنّ الهلاكَ الإلهي إنّما يكون بعد إقامةِ الحجّة بالأمر بالطاعة، وظهورِ الاستكبار والتمرّد من أهل الترف، لا أنّه جلّ شأنه يأمر بالفسق، حاشاه سبحانه عمّا لا يليقُ بعزّتِه وجلالِه.
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.
مركز الدليل العقائدي
من جوارِ مولانا الإمامِ الرضا (عليه السلام).
مشهد المقدسة
15 – ربيع الثاني 1447هـ