مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الفسقُ اختيارُ المترفين لا أمرُ ربِّ العالمين

تفاصيل المنشور

السؤال

سيدنا، يدعي البعض أن هذه الآية (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا ‏فِيهَا) تدل على أن الله يأمر بالفسق؟ جوابك الشافي الذي تعودنا عليه.‏

السائل

الموسوي

تفاصيل المنشور

السؤال

سيدنا، يدعي البعض أن هذه الآية (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا ‏فِيهَا) تدل على أن الله يأمر بالفسق؟ جوابك الشافي الذي تعودنا عليه.‏

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، ‏وهُداة الأنام.‏
ليس في القرآن الكريم آيةٌ تدلّ على أنّ الله تعالى يأمر بالفسق، بل ذلك ممّا تنزّهت عنه ذاتهُ ‏المقدّسة، لأنّ الأمر بالفسق يناقض حكمتَه وعدلَه، إذ لا يُعقَل أن يأمر الحكيمُ بما يُبطل أصلَ ‏التكليف أو يُسقط استحقاقَ الثواب والعقاب. فاللهُ سبحانه لا يأمر إلّا بالعدل والإحسان، كما ‏صرّح به قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ ‏وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، ولا يأمر بما يناقضهما.‏
وأمّا قوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا ‏تَدْمِيرًا} [الإسراء:16]، فقد توهّم بعضُ الجهّال أنّ ظاهرها أنّ اللهَ سبحانه أمر بالفسق، وليس ‏كذلك، بل المرادُ بـ (أمرنا) هنا هو الأمرُ بالطاعة والعدل على ألسنة الأنبياء، لا الأمرُ بالفسق.‏
فالآيةُ في مقام بيان سُنّةٍ إلهيّةٍ جارية، وهي أنّه إذا أراد اللهُ تبارك وتعالى إهلاكَ قومٍ لتماديهم في ‏الغيّ أرسل إليهم رُسُلَه بالأمر بالطاعة، فخالف المترفون أمرَ الله سبحانه وتمرّدوا، فاستحقّوا ‏العذاب، ولهذا قال سبحانه: {فَفَسَقُوا فِيهَا}، فجعل الفسقَ مترتّبًا على الأمر، لا مأمورًا به، ولو ‏كان الله سبحانه أمرهم بالفسق لقال: (أمرناهم بالفسق ففسقوا)، ولم يَرِدْ ذلك في كتاب الله تعالى.‏
وقد قال شيخُ الطائفة الطوسي (ره) في “التبيان في تفسير القرآن”: ((وقوله {أمرنا مترفيها}، ‏المأمورُ به محذوف، وليس يجب أن يكون المأمورُ به هو الفسقَ وإنْ وقع بعده الفسقُ، بل لا ‏يمتنع أن يكون التقدير: وإذا أردنا أن نهلك قريةً أمرناهم بالطاعة، ففسقوا فيها فحقّ عليها ‏القول، وجرى ذلك مجرى قولهم: أمرتُه فعصى، ودعوتُه فأبى، والمراد أمرتُه بالطاعة ودعوتُه ‏إلى الإجابة والقبول فعصى)) [التبيان في تفسير القرآن، ج6، ص458].‏
فالآيةُ على هذا المعنى بيّنةُ الدلالة على أنّ الهلاكَ الإلهي إنّما يكون بعد إقامةِ الحجّة بالأمر ‏بالطاعة، وظهورِ الاستكبار والتمرّد من أهل الترف، لا أنّه جلّ شأنه يأمر بالفسق، حاشاه ‏سبحانه عمّا لا يليقُ بعزّتِه وجلالِه.‏
والحمد لله أوّلا وآخراً، وصلّى الله وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ‏المعصومين المنتجَبين.‏
مركز الدليل العقائدي
من جوارِ مولانا الإمامِ الرضا (عليه السلام).‏
مشهد المقدسة ‏
‏15 – ربيع الثاني 1447هـ