تفاصيل المنشور
- المستشكل - بدون اسم
- المُجيب - مهدي الجابري الموسوي
- 19 مشاهدة
تفاصيل المنشور
السلامُ عليكم ـ ما دليلُكم على أنّ أهل السُّنة يصومون يوم عاشوراء فرحًا بمقتل الحسين لا اتباعًا لسُنةِ رسول الله واستحبابِ صومِ هذا اليوم؟
المستشكل
بدون اسم
السلامُ عليكم ـ ما دليلُكم على أنّ أهل السُّنة يصومون يوم عاشوراء فرحًا بمقتل الحسين لا اتباعًا لسُنةِ رسول الله واستحبابِ صومِ هذا اليوم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عبادِه الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.
من الأخطاء الجسيمة تعميمُ الأحكام على الناس بنحوٍ مطلق إذا اختلفوا معَنا في الرأي أو الفكر. والحكمُ على جميعِ أهلِ السُّنة بأنهم يُعلنون الفرح بصوم يوم عاشوراء حكمٌ غيرُ صحيح.
قد يُقال: إنَّ الصوم عبادةٌ بحدِّ ذاتها، فلماذا يوصَف بأنه إعلانٌ عن فرحٍ وسرور؟
نقول: المسألةُ هنا تتجاوز كون الصيام عبادةً، وتتعلَّق بالسياق المرتبط بصوم عاشوراء، فالادِّعاء بأنَّ هذا الصوم هو ذكرى لنجاة موسى (عليه السلام)، يشي بربطه بالفرح والسرور. هذا، رغم أنه من صوم الجاهلية وأنه منهيٌّ عنه بعد مجيء صوم رمضان.. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمر وابن مسعود: ((قد كان يُصام -أيْ يوم عاشوراء – قبل أن ينزل رمضان، فلما نزل رمضان تُرِك)). [صحيح البخاري، ج4، ص1637؛ صحيح مسلم، ج2، ص794، تـ. عبد الباقي].
وها هو ابن القيِّم يتناول مسألة صيام يوم عاشوراء، ويربط بينه وبين قصة نجاة موسى وقومه من فرعون. ويؤكد أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أقرَّ صيام اليهود لهذا اليوم، ثم أمر المسلمين بصيامه، حيث يقول في كتابه “زاد المعاد”: ((لا ريب أن قريشًا كانتْ تعظم هذا اليوم، وكانوا يكسون الكعبة فيه، وصومُه من تمام تعظيمه، ولكنْ إنما كانوا يعدون بالأهلة، فكان عندهم عاشر المحرم، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجدهم يعظِّمون ذلك اليوم، ويصومونه، فسألهم عنه، فقالوا: هو اليوم الذي نجَّى اللهُ فيه موسى وقومه من فرعون، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أحقُّ منكم بموسى فصامه، وأمر بصيامه تقريرًا لتعظيمه وتأكيدًا، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه وأمته أحق بموسى من اليهود، فإذا صامه موسى شكرًا لله، كنا أحقَّ أنْ نقتدي به من اليهود، لا سيما إذا قلنا: شَرْعُ مَن قَبلَنا شَرْعٌ لنا، ما لم يخالفه شرعنا.
فإنْ قيل: مِن أين لكم أن موسى صامه؟ قلنا: ثبت في “الصحيحين” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سألهم عنه قالوا: هو يومٌ عظيمٌ نجَّى اللهُ فيه موسى وقومه، وأغرَق فيه فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا لله، فنحن نصومه، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحقُّ وأولى بموسى منكم. فصامه، وأمر بصيامه.
فلما أقرهم على ذلك، ولم يكذِّبهم عُلِم أنّ موسى صامه شكرًا لله، فانضمَّ هذا القدر إلى التعظيم، الذي كان له قبل الهجرة، فازداد تأكيدًا، حتى بَعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مناديًا ينادي في الأمصار بصومه، وإمساك مَن كان أكل، والظاهر أنه حتَّم ذلك عليهم، وأوجبه)) [زاد المعاد، ج2، ص87، ط. عطاءات العلم].
وقد ورد أيضًا في أدبيات أهل السُّنة الندب إلى الاكتحال في يومِ عاشوراء، وهو من العادات المقترنة بالاحتفال بيوم “سبتِ النور”، وترجع عادة وضْع الكحل في “سبتِ النور” بحسب الاعتقاد المسيحي إلى ما كان يقوم به القدسيّون في أورشليم من تكحيل العيون لحمايتها من نور قبر السيد المسيح بحسب اعتقادهم، و”سبت النورِ”، أو السبت المقدس، ويُعرف أيضًا بسبت الفرح، وأحيانًا بالسبت الأسود، وهو اليوم الذي يأتي بعد الجمعة العظيمة وقبل أحد القيامة أو عيد الفصح.
وقد أكَّد العلامة السخاوي في كتابه “المقاصد”، أن الاكتحال بِدعة ابتدعها قتلةُ الإمام الحسين (عليه السلام)، بعد أن حكم بضعف ما ورد في ذلك، حيث قال: ((رَوى الحاكم فيه حديثًا مرفوعًا عن ابن عباس: “من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم ترمد عينه أبدًا”، وقال الحاكم: إنه منكر))، وقال السخاوي: ((بل هو موضوعٌ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات… قال الحاكم: والاكتحال يوم عاشوراء لم يرِد عن النبي فيه أثرٌ، وهو بِدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه)). [«المقاصد الحسنة، ص633، تـ. الخشت].
وتتضح عقيدة الاكتحال يوم عاشوراء من قول الصاوي المالكي في حاشيته على الشرح الصغير، حيث يقول: ((ويُندب في عاشوراء التوسعة على الأهل والأقارب، بل يُندب فيه اثنتا عشرة خصلة جمَعها بعضهم ما عدا عيادة المريض في قوله:
صُمْ صَلِّ صِلْ زُرْ عالمًا ثُم اغتسِل … رأسَ اليتيمِ امسحْ تصدَّقْ واكتحِلْ
وسِّعْ على العِيالِ قَلِّمْ ظُفْرًا … وسُورةَ الإخلاصِ قُلْ ألفًا تصِلْ)) [حاشية الصاوي على الشرح الصغير، ج1، ص243، ط. الحلبي].
ويؤكد الأستاذ شحاتة محمد صقر في كتابه “دليل الواعظ”، أن الاحتفال بيوم عاشوراء على أنه عيد بإظهار الفرح بالاكتحال والتجمُّل والتطيُّب ومظاهر الفرح الأخرى، هو بدعة لم ترد في السُّنة النبوية أو عن الصحابة والتابعين، ولم يؤيِّدها أيٌّ من أئمة المسلمين، حيث قال: ((بدعة الفرح واتخاذ يوم عاشوراء عيدًا: وهي بدعة أحدثتْها النواصب في هذا اليوم، ـ والنواصب طائفة من الخوارج يكفِّرون علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ويفسِّقونه، ويتنقصون بحرمة أهل البيت ـ. ومن مظاهر اتخاذ يوم عاشوراء عيدًا: إظهار الفرح والسرور والاغتسال والتجمل والاكتحال والتطيُّب وإعداد المطاعم وذبح الذبائح والتوسعة على العيال إلى غير ذلك. ولم يرد في شيءٍ من ذلك حديثٌ صحيح عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا عن أصحابه، ولا استَحبَّ ذلك أحدٌ من أئمة المسلمين، لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ولا روى أهل الكتب المعتمدة في ذلك شيئًا لا عن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – ولا الصحابة ولا التابعين لا صحيحًا ولا ضعيفًا لا في كتب الصحيح ولا في السُّنن ولا المسانيد، ولا يُعرف شيء من هذه الأحاديث على عهد القرون الفاضلة)) [دليل الواعظ إلى أدلة المواعظ، ج1، ص526].
قد يتساءل البعض: ما الهدف من إظهار الفرح والابتهاج في يوم عاشوراء وإعلانه عيدًا؟
نقول: لقد أُجيب عن هذا السؤال من قِبَل بعض علماء أهل السُّنة مثل ابن كثير الدمشقي في “البداية والنهاية”، حيث قال: ((وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء، النواصب من أهل الشام، فكانوا في يوم عاشوراء يطبخون الحبوب، ويغتسلون، ويتطيَّبون، ويلبسون أفخر ثيابهم، ويتخذون ذلك اليوم عيدًا، يصنعون فيه أنواع الأطعمة، ويُظهرون السرورَ والفرح؛ يريدون بذلك عنادَ الروافضِ ومعاكستهم)) [البداية والنهاية، لابن كثير، ج11، ص577، تـ. التركي].
وقال أيضًا ((ولما كانت الشيعة يصنعون في يوم عاشوراء مأتمًا، يُظْهرون فيه الحزنَ على الحسين، قابلتْهم طائفةٌ أخرى من جَهلة أهل السُّنَّة، فادَّعوا أن في اليوم الثامن عشر من المحرَّم قُتل مصعب بن الزُّبير، فعملوا له مأتمًا كما تعمل الشيعة للحسين)) [البداية والنهاية، ج12، ص354].
وجاء في “مجلة الرسالة”: ((أما الدولة الأيوبية فقدِ اتخذت يوم عاشوراء عيدًا ومن أيام الأفراح لإرغام آناف الشيعة وإيذائهم. هذا هو أثر فاجعة كربلاء في التاريخ الإسلامي)) [مجلة الرسالة، العدد، 855، ص18].
وقال الدكتور عبد الله الغفيلي: ((وفي مقابل هؤلاء الرافضة واتخاذهم يوم عاشوراء مأتمًا وحزنًا مَن يتَّخذ يوم عاشوراء عيدًا ويوم فرحٍ وسرور، وهم النواصب)) [ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف، للغفيلي، ص440، ط. المسير].
والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.