مركز الدليل العقائدي

مركز الدليل العقائدي

الصُّحبة لا تكفي للنجاة بل العبرة بالولاء والثبات على العهد

تفاصيل المنشور

الدَّعوى

امتاز الصحابة الكرام بشيءٍ لم ولن يستطيع أحدٌ أنْ يدركه مهما بلغ من المنزلة في العلم والعمل، ألا وهو رؤية الحبيب محمد ومعاشرته.

المدَّعي

ناصر الصحْب والآل

تفاصيل المنشور

الدَّعوى

امتاز الصحابة الكرام بشيءٍ لم ولن يستطيع أحدٌ أنْ يدركه مهما بلغ من المنزلة في العلم والعمل، ألا وهو رؤية الحبيب محمد ومعاشرته.

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، محمد وآله المطهَّرين مصابيح الظلام، وهُداة الأنام.

إنّ هذا الادِّعاء الذي يرفع مقام الصحابة إلى درجةٍ تجعلهم فوق مقام الإدراك، ويجعل من مجرَّد رؤية النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعاشرته فضيلةً لا يُساويها شيءٌ، ليس إلّا مغالطةً مفضوحةً تهدف إلى تعطيل موازين الحقِّ التي جعلها الله ميزانًا لعباده، وهي التّقوى والإيمان والعمل الصالح. ولو كان مجرَّد الصُّحبةِ كافيًا لنَيل الأفضليّة المطلقة، لكان عبد الله بن أُبَيّ ـ رأس المنافقين ـ في أعلى درجات الفضل؛ إذ إنه رأى النبيّ ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏ وعاشره، بل وكان يصلّي خلفه، ولكنّ الله فضحه في كتابه، وأنزل فيه ما يشهد بنفاقه وانحرافه. فكيف يُجعل مجرَّد النظر إلى رسول الله ‏(صلى الله عليه وآله وسلم) ‏والجلوس معه ميزةً تُرفَع بها الدرجات، ويُغضّ الطرف عن ميزان القرآن الذي جعل العِبرة بالتّقوى؟! أم إنكم تستبدلون قول الله بقولكم؟!

ثمّ إنّ هذا الزعم لا يقف على قدمَيه أمام النصوص الصريحة التي جاءت عن النبيّ ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏ نفسه، والتي هدَمت هذه القاعدة المزعومة من أساسها. فها هو ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏، يصرّح في أحاديث الحوض الصحيحة المتواترة، بأنه سيُجاء بأقوامٍ من أصحابه يوم القيامة، فيُمنَعون من ورود الحوض، فيقول مندهشًا: “أصحابي! أصحابي!”، فيُقال له: “إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك!”، ثم يُؤخَذ بهم إلى النار، فيقول ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏: “سُحقًا! سحقًا لمن غيّر بعدي!” [صحيح البخاري، ج3، ص1222، تـ. البغا؛ صحيح مسلم، ج4، ص1796، تـ. عبد الباقي]. فأيُّ فضلٍ يبقى لمن كانت نهايته السقوط في الهلَكة؟! وأيّ كرامةٍ تُنسَب لمن ارتدّ على عقبيه بعد أنْ صاحَب النبيّ ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏؟!

والأعجب من ذلك أنّ النبيّ ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏ يُكرّر المشهد نفسه في أكثر من زُمْرة، وكأنه يريد أنْ يُرسي حقيقةً لا جدال فيها، وهي أنّ الصحبة لا تعني الحصانة، ولا تمنح صاحبها ميزةً أبديّةً ما لم يكن ثابتًا على العهد، متَّبِعًا للحقّ، قائمًا بالقسط. فلو كان في مجرَّد الصحبة كرامةٌ يُحكَم بها على التفاضل المطلق، لَما تبرّأ النبيّ ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏ من بعض مَن صحِبوه، ولَما شهد عليهم بالارتداد، ولَما مُنِعوا من الورود على حوضه المبارك.

إنّ هذه المغالطة، التي تُقدِّم الصحبة على الإيمان والتقوى، لم تُطرَح إلا لتسويغ التقديس الأعمى، ولإضفاء الشرعيّة على كلّ من حمل لقب “صحابي”، ولو كان من المنافقين أو المتخاذلين أو من الذين انقلبوا بعد رسول الله ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏، وإلّا، فبماذا تفسّرون أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ـ وهو سيد الصحابة ـ يقف صريحًا في نهج البلاغة ليقول: ‏((لا يقاس بآل محمدٍ صلى الله عليه وآله من هذه الأمة أحدٌ، ولا يسوى بهم)) [نهج البلاغة، ج١، ‏ص٣٠]‏؟! أ ليس في ذلك دلالةٌ قاطعةٌ على أنّ الصحبة ليستِ المعيار المطلق، وإنما المعيار هو الولاء الحقّ لأهل بيت النبوّة، الذين أَمر الله بطاعتهم وجعلِهم سفُن النجاة بعد رسول الله ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏؟

إنّ هذا التقديس المفتعل ليس إلا محاولةً لمصادرة العقول، وإلزام الناس بتقدير أشخاصٍ لمجرَّد أنهم التقَوا بالنبي ‏(صلى الله عليه وآله وسلم)‏، دون النظر إلى مواقفهم بعد رحيله. فأين هذا الزعم من نهج القرآن، الذي لم يذكر الصحبة ميزانًا للتفضيل، بل جعل التّقوى والعمل الصالح وحده المعيار؟! وأين هذا الادِّعاء من أحاديث الحوض التي كشفت أنّ بعض الصحابة لم يكونوا على مستوى الأمانة، فاستحقّوا الإبعاد والخذلان؟! إنّ هذا الطرح لا يعدو كونه وهمًا مزيَّفًا، لا يقف أمام أدلّة القرآن والسُّنة، إلا كما يقف السرابُ أمام الحقيقة الساطعة.

والحمد لله أوّلًا وآخرًا، وصلّى الله، وسلّم على سيّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجَبين.